نمو الإيرادات والمشتركين يقفز بأرباح "الكهرباء" 87%    644 مليوناً صادرات التمور ب3 أشهر    8 محاور رئيسية تناقشها القمة العالمية للذكاء الاصطناعي    إغلاق منشأة لصيانة السيارات لارتكابها جريمة التستر    قطر.. 80 شركة سعودية تدفع بمنتجاتها للعالمية    أولويات الهلال يصعب كسرها.. أرقام تاريخية    حجازي على مشارف الرحيل.. و 3 خيارات أمام الاتحاد    المملكة تدشن مبادرة "طريق مكة" في مطار جناح الدولي بكراتشي    تتويج الفائزات في بطولة المملكة للتايكوندو    وزير الخارجية المصري: اتفاقية السلام مع إسرائيل «خيار إستراتيجي»    أمير تبوك يطلع على تقرير عن إنجازات واعمال فرع وزارة التجارة    الراجحي بطلاً لرالي تبوك    سكان الأرض يتأملون الأضواء القطبية نتيجة "العاصفة الشمسية"    مستشفى دله النخيل يوفر برامج علاجية حديثة لاضطرابات السمع والنطق    عقد اجتماع اللجنة التوجيهية للسوق العربية المشتركة للكهرباء.. غداً    "شاي بالحليب" يوثق رحلة محمد يوسف ناغي    ضبط مخالف لنظام البيئة لارتكابه مخالفة رعي ب"محمية الإمام عبدالعزيز"    «البلسم» تحتفي بفريقها بعد إجراء 191 جراحة ناجحة    الكويت: ضبط 24 شخصاً بتهمة ممارسة الرذيلة ومخالفة الآداب العامة    سمو أمير منطقة تبوك يترأس اجتماع لجنة الحج غداً    هيئة الصحفيين بمكة تنظم ورشة أدوات الإعلام السياحي غدا الاثنين    البديوي: دول الخليج تضع نفسها كمركز رقمي تنافسي    نائب أمير الشرقية يستقبل مدير فرع الهيئة العامة لعقارات الدولة    "التخصصات الصحية" تطرح مشروع تحديث التقويم التكويني المستمر    التنوير وأشباه المثقفين الجدد    القوات المسلحة تشارك في تمرين "الأسد المتأهب"    الأدوية وأفلام الرعب تسببان الكوابيس أثناء النوم    الأرصاد: استمرار التوقعات بهطول الأمطار على عدد من المناطق    استقبال طلائع الحجاج بالهدايا وحزمة البرامج الإثرائية    القبض على مقيمين لنشرهما إعلانات حملات حج وهمية    اكتشاف قدرات الأيتام    كنو: موسم تاريخي    الأزرق يعادل بطولات الأندية مجتمعة    انتكاس تجربة «إيلون ماسك» لزرع الشريحة    مؤسس فرقة «بيتش بويز» تحت الوصاية القضائية    النزل التراثية بالباحة .. عبق الماضي والطبيعة    "هورايزون" و"بخروش" يفوزان بجائزتي النخلة الذهبية    أكبر منافسة علمية عالمية في مجال البحث العلمي والابتكار.. «عباقرة سعوديون» يشاركون في آيسف 2024    ميزه للتحكم بالصور والفيديو ب«واتساب»    طبيبة سعودية تنقذ راكبة تعرضت للصرع على متن رحلة جوية    طريق مكة    الماء    مصادر «عكاظ»: لا وجود ل «المسيار» أمام المحاكم.. تراخيص المكاتب «هرطقة»    جمعية مرفأ تنفذ دورة "التخطيط الأسري" في جازان    محافظ الزلفي يزور فعاليه هيئة التراث درب البعارين    خبراء صينيون يحذرون من تحديات صحية ناجمة عن السمنة    حذروا من تجاهل التشخيص والتحاليل اللازمة .. مختصون: استشارة الإنترنت علاج مجهول    حملة للتوعية بمشكلات ضعف السمع    الشمري يرفض 30 مليون ريال.. ويتنازل عن قاتل ابنه بشفاعة أمير منطقة حائل    مساحات ثمينة    وما زال التدهور يخيّم في الأفق..!    جودة النقد بين نور والهريفي    الطلبة الجامعيون وأهمية الاندماج في جميع المناطق    أول دوري للبادل في العالم.. وقفات ومقترحات    القيادة تعزي ملك مملكة البحرين    أمير الرياض يتفقد المجمعة ويدشّن مشروعات تنموية    المدينة أول صديقة للتوحد بالشرق الأوسط    الأمير مقرن بن عبدالعزيز يرعى حفل خريجي جامعة الأمير مقرن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الغذامي من الأدبية إلى سوق المسكن هيمنة الخطاب الديني وأزمة المشروع


(1)
أود في البدء أن أشير إلى تجاوز بعض المعلقين على صفحتي على الفيس بوك حين طرحت سؤالاً: بعد مبادرة (مسكني) التي طرحها الدكتور الغذامي، أين سينتهي الحال به؟ حيث طرح أحد من رمز لاسمه ب(الهدوء القاتل) رأيًا متجاوزًا حين قال سينتهي به الحال إلى سوق الغنم! وأيّما كان التجاوز يبقى رأيًا ثقافيًا ليس فيه من جهة الثقافية لا عار ولا خزي بمصطلح الشيحي، فكل التنويرين - من الوجهة الدينية طبعًا - من الأنبياء رعوا الغنم كما أخبر نبينا صلّى الله عليه وسلّم. وأستاذنا الغذامي إن انتهى به الحال إلى أن يتفاعل مشروعه النقدي بعد (مسكني) إلى مراعاة حال المستضعفين في سوق آخر من أسواق الحياة فليس ثمة غرابة بالمطلق حسب هذه التنقلات التي نتابعها مع أستاذنا الغذامي باندهاش...
(2)
الغذامي قامة نقدية وطنية وعربية محترمة جدًّا، وطرحه النقدي دائمًا يشكل إشكالية، وبرأي العقاد إن اختلفت الآراء حول رجل فهو عظيم وما أكثر ما نختلف حول الغذامي. ومشروع الغذامي لم يعد له، بل حُق للنقاد أن يختلفوا حوله ويقفوا معه أو ضده.
جدلية الغذامي لن تنتهي وهو يفاجئنا في كل مرة بتحولات تطرح أسئلة شائكة عن هذا المشروع الذي يفني بعضه بعضًا، فبعد أن استبشرنا بناقد أدبي مختلف يعيد الوهج لبيئة لم تكن تعرف النقد المؤسس على نظريات غربية، وبعد أن طرح كتابه الجدلي الخطيئة والتكفير وثار الجدل عليه والعج، خرج الغذامي من تحت الغبار ليكتب نفيه الأدبي ويتجه للثقافي بعد أن أمات الأدبي والجمالي الجميل ومنح الحياة للهامش ولجماليات القبحيات، وبقي حولها يدندن وحوله الخلق يدندنون ثم ما لبث أن تجاوز ذلك المشروع ليتجه إلي صراعات أيديولوجية وهو يتمدد بين الليبرالية والإسلامية وكل فريق يبشر به حتى كتب الليبرالية الموشومة ليفرح المؤمنون بنصر الله وتستضيفه القنوات الإسلامية باعتباره تائبًا عن الغي، وبين هذه المشاريع المتنافية لا المتنامية نجده يكتب في قضايا كالمرأة واللغة وعن الفقيه الفضائي وغيرها وكان آخر مشاريعه مبادرة (مسكني).
(3)
الناظر في عملنا النقدي من منتصف القرن الرابع عشر الهجري وما بعده إلى مؤتمر الأدباء السعوديين الثالث وملتقى المثقفين الأخير وملتقيات النقد في الأندية الأدبية يقر بوجود طاقات نقدية كبيرة، ووجود محاولات نقدية جادة ، وإن لم تتحول إلى مشروع له سماته التكاملية، فأغلب البحوث التي تقدم تشكل مداخل مهمة في حركة النقد السعودي، كالنقد والفلسفة، وقراءة الحداثة نقدا، وأيديولوجيا الخطاب النقدي، وتحولات النص المعاصر...وغيرها، لكنها قد تتوقف عند بداية المشروع دون أن تتابع الدراسة الحفرية حوله. ومن أسف أن هذا هو شأن العمل النقدي في المملكة عموما الذي لا يعدو أن يكون محاولات نقدية قد تكون جادة تطل من خلال كتب ومقالات أو رسائل علمية أو مداخل لمشاريع لا يلبث الناقد بعدها أن يبتعد عن العمل النقدي الأدبي الموجه، ويتجه إلى أنساق الحياة الأخرى، وتلك مشكلة النقد الحقيقي.
غياب المشروع النقدي المتكامل عند الناقد السعودي يرتبط من وجهة نظري بأسباب أيديولوجية واجتماعية تتصل بهذا المجتمع. ويمكن الإشارة هنا إلى بعضها:
المنحى الأول: ضغط شعبية الخطاب الديني والخصوصية على الخطاب الأدبي والنقدي في مجتمعنا ذي الخصوصية الدينية في كل أنحائه، يتمثل ذلك- من وجهة نظري- في أمرين:
أولهما: توتر علاقة الناقد بالمتلقي، حين يجتلب الخطاب الديني آلاف المتلقين، في الوقت الذي يشعر فيه الناقد بغربته في المجتمع، وأن صوته بعد عشرات السنين لا يجاوز عددا محدودا من النخبة المتناقصة بعد عمر نقدي، وهذا أمر يؤثر- بلا شك- على عطاء الناقد واستمراره في بناء مشروعه.
وثانيهما: سيطرة وهم غواية الناقد على فكر المتلقي في بلادنا، حيث المتلقي العام بآيات قرآنية وأحاديث تصادم الشعر والناقد التابع له من مثل قوله تعالى: «والشعراء يتبعهم الغاوون» وقوله صلى الله عليه وسلم: « لئن يمتلئ جوف أحدكم قيحًا حتى يريه خير له من أن يمتلئ شعرا» وآيات وأحاديث نبوية أخرى تصادم مشروعه الأدبي المتشعرن في كل أنحائه النثرية والشعرية، واتساق ذلك مع متلق وثقافة دينية موجهة، وأحكام دينية جاهزة يصادم بها المتلقي ثوابت الناقد الدينية التي لا يرضى بها بديلا، في ظل عدم قدرة الناقد على إقناع المتلقي برؤيته التي آمن بها.
ولعل هذا يفسر لي بعد ذلك خروج ناقدنا عبدالله الغذامي من المشروع النقدي الأدبي الذي استبشرنا به خيرًا في الخطيئة والتكفير مثلاً إلى الثقافي والاجتماعي، وأحسب أن ذلك المنحى الذي أشرت إليه هو النسق المضمر الذي لم يستطع الغذامي البوح به إلا مؤخرًا، وبه يمكن أن نفسر خروج كثير من نقادنا السعوديين إلى صالات العمل التجاري والاجتماعي والخيري.
المنحى الثاني: أو الإشكالية الأخرى التي أعرض لها هنا تتصل بالسابقة بسبب، وتتمثل في غياب الأصالة عن كثير من الأعمال النقدية التي يمكن أن تجعل المشروع النقدي السعودي شيئا مذكورا ومختلفا، حين أغلب نقادنا ينطلق في عمله النقدي، إما من منطلقات جمعية لنصوص تتكرر بعينها لأسماء نماذج أهلكت درسا، دون تفعيل للمنطلقات النقدية التي تساعد في كشف أبعاد نص أدبي سعودي متجدد، وإما اعتمادًا في أبنيتهم النقدية على أفكار الآخر غربيا كان أو عربيا ليبني عليها وليدور في حلقتها المغلقة التي تجعل لتفكيره بعدا ارتداديا وتعطل قدراته التطويرية.
المنحى الثالث: يتمثل في النفي النقدي الذي يمارسه الأدباء والنقاد ضد بعضهم، ذلك النقد الجائر الذي يسهم في وأد مشاريعهم الآملة، وهو في عمومه ليس نقدا خالصا لوجه النقد الطاهر، ولكنه صدام مشين يستهدف الهدم لغائية الهدم.
وربما يستثنى مما سبق محمد حسن عواد - يرحمه الله - الذي أرى أنه لا يشبه أحدا والذي كون له رؤية إستراتيجية مختلفة تجاوز بها تبعات هذه الإشكالية، وأسس له مشروعا تحديثيا انطلق منه وكان شجاعا في الدفاع عنه حتى الممات، وهو مشروع جدير أن تجند له الدراسات، إذ هو من رواد التجديد في بلادنا بلا منازع وكل رؤاه الإبداعية والنقدية لها أبعادها البنائية المتصلة والاستشرافية، فهو من رواد قصيدة التفعيلة ورواد قصيدة النثر تنظيرا وكتابة، ورائد من رواد التنوير في بلادنا وحركته النقدية، وكل ما كتب يتحرك وفق رؤى استشرافية تخضع جميعها لإسراتيجية خاصة عنده، فباستثنائه قد لا نجد إلى وقتنا ناقدا له إستراتيجيته الذهنية المتنامية باتجاه هدف محدد. بل نجد نقادنا من أسف يتحركون ذات الجديد وذات القديم ويقدم أحدهم مدخلا إلى مشروع يستبشر به الوسط النقدي ثم لا تلبث أن تجده يتوقف أو يحول أو يهدم مشروعه، لتراه في محاضرة أخرى ناقدا لنقده ومسفها لآرائه صرح بذلك أو أخفى، ولقد يؤكد هذه الرؤية حضور النقاد المتشابه في كل الملتقيات الأدبية والنقدية وربما الاجتماعية أيا كان توجهها، مما يوحي بشتات المشروع عند أكثر النقاد. وأحسب أننا بحاجة إلى التفاتة نقدية تقيم مشاريعنا وتوجهها.
(4)
تطور مشاريع الدكتور الغذامي ليس هرميا بنائيا فيما أرى، ولو حاول أن يقنعنا أنه لايزال في الثقافي فحقيقة النقد الثقافي عند رموزه لا تتسع لأعمال خدمية صرفة كبرنامج (مسكني)، والذي أراه أن هذه التنقلات هي استجابة للنسق المضمر عند الغذامي الذي تحدث عنه كثيرا، ذلك النسق الذي يستنبته الناقد من مجتمع متدين لا يقيم قيمة لغير الديني، وهو ما أشار إليه الغذامي في خفاء في برنامج لقاء الجمعة. وهو من جهة أخرى بحث عن الذات المطمئنة التي أعتقد أن حبيبنا الدكتور الغذامي لمّا يجدها بعد...!!!
(*) أكاديمي جامعة الملك خالد
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.