عجزت السيدة منى الشاذلي مساء الاثنين الماضي في الحصول على توضيح من أحد قيادات الإخوان المسلمين الأعضاء في مجلس الشعب الجديد حول موقف الإخوان من أداء النشيد الوطني المصري، وذلك في مداخلة خلال برنامجها المسائي الناجح (العاشرة مساءً) على قناة (دريم) من القاهرة.. كانت منى الشاذلي تستضيف في برنامجها (رئيس السن) الذي رأس إجراءات افتتاح وانتخاب رئيس المجلس عند افتتاحه ذلك الصباح.. وتعبر عن استغرابها من ألا يؤدي أعضاء البرلمان النشيد الوطني لبلادهم عند افتتاح أولى جلسات مجلس الشعب بعد الثورة.. ولم تحصل على إجابة لذلك، فالموقف غير المعلن ولكن المعروف للإسلام السياسي الذي يمثله الإخوان والسلفيون المصريون تحت قبة البرلمان عدم الاعتراف بالأوطان بل تكريس مبدأ الأمة. أصبح الإسلام السياسي يحكم الآن مصر.. وهي تجربة تختبر قدرة هؤلاء على التصدي للمشاكل السياسية بأحمالها المتعددة من اقتصاد وغيره، ومدى تأثير ذلك على دعواتهم الدينية.. وكان الإخوان المسلمون قد اختلفوا فعلا حول هذا الأمر قبل الانتخابات، إذ أصر بعض أعضاء الحركة على أن مهمتهم هي الدعوة وأداء الأعمال الخيرية وعليهم أن يبتعدوا عن السياسة وتقلباتها وعلى العضو أن يُحكِّم ضميره في اختيار أي مرشح يراه مناسبا.. إلا أن القرار الذي انتصر كان إنشاء ذراع حزبي للحركة هو «حزب الحرية والعدالة» ليدخل الانتخابات ويحكم البلاد. وتمكن حزب الإخوان المسلمين من الحصول على (235) مقعدا من أصل (498) يتكون منها (مجلس الشعب) وتلاه (حزب النور) الذي نجح في (96) مقعدا.. مما يشير إلى أن الحركات الليبرالية والوسطية لن تجد لنفسها موقعا بارزا في البرلمان الجديد (الذي سيكتمل تكونه بعد انتهاء انتخابات مجلس الشورى التالي التي ستبدأ يوم 29 يناير وتنتهي في الثاني والعشرين من فبراير)، حيث سيشكل الإسلام السياسي الشريحة الأضخم في كل من المجلسين المنتخبين واللذين سيقومان باختيار لجنة تأسيسية لصياغة دستور جديد للبلاد.. فمجلس الشعب الآن أصبح يتكون من (331) عضوا من الإسلام السياسي مقابل (167) من غير المنتمين لذلك التوجه. البعض يعتقد أن فوز الإسلام السياسي المتمثل في الإخوان المسلمين وحزب النور عائد إلى أن الشعب المصري غالبيته مسلمة وصوتت لهؤلاء حسب ميولها الإسلامية، وربما يكون هذا الأمر صحيحا إلى حد ما، ولكن الأكثر دقة هو أن هذين التكتلين، يتمتعان بتنظيم أسساه لتقديم الأعمال الخيرية للمواطنين وتمكنا الآن من استخدامه لتحقيق النجاح لمرشحيهم في انتخابات مجلس الشعب.. وبينما يتكون (حزب النور) من مجموعات متعددة من السلفيين المصريين الذين قد يتناحرون فيما بينهم أحيانا، إلا أن جماعة الإخوان المسلمين تعتبر كتلة واحدة، وتتوفر لها قدرات تنظيمية في مختلف أنحاء البلاد تفوق ما يتوفر لأي جماعة أخرى بكثير، بما في ذلك الحزب الوطني الحاكم السابق والذي جرى حله.. ويعتبر الجهاز التنظيمي لجماعة الإخوان المسلمين في خدمة «حزب الحرية والعدالة»، بينما يحقق الحزب للجماعة أداة لتنفيذ سياساتها وتوجهاتها.. ومن الصعب القول من الآن فيما إذا كان ذلك سيكون لصالح مصر أم لن يكون كذلك، حيث ستعتمد النتيجة على الأسلوب الذي سيتبعه الحزب في حكم مصر وما سيؤدي ذلك إليه، بصرف النظر عن النوايا. وقرأت منذ بضعة شهور مقالا في المجلة الأمريكية (فورين أفيرز) للكاتب إيريك تريجر، يشرح فيه الطريقة التنظيمية التي تعمل بها جماعة الإخوان المسلمين حسب دراسة قام بها.. إذ يشير إلى أن الجماعة بدأت في السبعينيات ميلادية إعادة تنظيم نفسها حتى لا تتمكن أجهزة النظام الحاكم من التسلل إليها والقضاء على قياداتها، وذلك بعد ما تعرضت له من أعمال قمع وتنكيل في عهد الرئيس السابق جمال عبدالناصر.. وأقامت شبكة جيدة يصعب اختراقها ومعرفة كل أطرافها. وأصبح من الصعب أن يلتحق أي شخص بالجماعة بل هي التي غالبا ما تختار أعضاءها، وأن العضو لا يصبح كامل العضوية إلا بعد مراحل قد تستغرق خمس سنوات أو أكثر يتم خلالها مراقبة ولائه للجماعة وإعداده عبر مناهج خاصة ليصبح عضوا مفيدا فيها.. ويبدأ العضو من مرتبة ما يطلق عليه مسمى (المحب) والذي يلتحق بخلية تحتوى على أربعة أو خمسة أعضاء يرأسها (نقيب) ويترقى بعد ذلك إلى ما يسمى (المؤيد) يصبح بعد ثلاث سنوات (منتسب) يكون عليه أداء جزء من دخله للجماعة يلي ذلك ترفيعه إلى (منتظم) قبل أن يصبح عضوا كاملا له حق التصويت والترشيح لمناصب الجماعة بما في ذلك (مجلس الشورى) المكون من حوالي مائة عضو الذي يختار خمسة عشر عضوا لمكتب الإرشاد برئاسة المرشد. هذه الآلة التنظيمية لا تتوفر لأي حزب أو حركة سياسية في مصر، وبالتالي فإننا أمام مشهد يحتمل بقاء جماعة الإخوان المسلمين على رأس هرم السلطة في مصر لسنين طويلة قادمة.. وهذه فرصة جيدة للجماعة التي تكونت منذ حوالى ثمانين عاما لأن تقدم تجربة جديدة في حكم مصر، ويعتمد نجاحها أو فشلها على أدائها، وأي فشل في ذلك سينعكس سلبا لا على الذراع الحزبية لها (حزب الحرية والعدالة) وإنما على جماعة الإخوان بكاملها. كما أن دقة التنظيم في جماعة الإخوان تقدم نموذجا للأحزاب السياسية الأخرى في مصر للاقتداء ببعض هذه التجربة لصناعة بنيان سياسي جديد في البلاد.