انسلت أشعة الشمس أثناء الغروب من النافذة الوحيدة، وطبعت لونًا ذهبيًا خفيفًا كقبلة على الحائط. فأدخلت هذه الخيوط من أشعة الشمس، البهجة والفرح إلى قلب «حالم». والتفت إلى الحائط المقابل له حيث انسدلت أشعة الشمس كأنها لوحة فنية تزين الحائط. ذكرته بمنظر الغروب عند البحر. كانت الشمس تتدلى من السماء كقرص ذهبي يلامس البحر في الأفق البعيد. فينصهر طرفها السفلي في الماء. بينما يتعلق طرفها العلوي بصفرة تظهر بقايا نورها الآفل. وانعكست صورة الشمس على سطح البحر فصبغت البحر بلون الشفق وأبت موجات البحر إلا أن تظهر زرقته. وتضخم منظر الشمس كلما اندفنت خلف خط الأفق. وبانت كروية سطحها الأعلى برتقالي مصفر بينما سطحها السفلي برتقالي ارجواني. واصطبغت السماء من حول قرص الشمس بلون برتقالي. وتشكل فوق قرص الشمس أقواس متدرجة من اللون البرتقالي كأنها ترقص لحركة الشمس. فما كان عاليا في السماء منها، كان أكثر صفرة. وكلما نزل بناظريه أخذ اللون في الدكنة. إلى أن تعانق السماء خط الأفق البعيد ويصبح التمايز بين لونيهما خفيفًا. تذكر حالم هذا المنظر الخلاب وهيض عليه آلام الفراق. وارتسم في مخيلته هذا المنظر الرقراق ونسجت حبال أفكاره عوالم جميلة. يوم كان يتسابق مع حبيبته على شاطئ البحر في مثل هذا الوقت. وتذكر شعرها الثائر وهي تجري. كان شعرها يبدو كخيوط ذهبية من حرير. أضافت أشعة الشمس عليه لمعانا فوق لمعانه. وغدا وجهها الجميل ينير الدنيا من حولها، كأنه أشرق ليأخذ مكان الشمس ويشرق بدلها. ثم تفكر في جمال محبوبته وشعر بحنين لها وغمرته عاطفة الشوق. تذكر عيناها الواسعتين السوداوين. وغنجها وطرف عينيها وسهام لحظها كانت تخترق قلبه. في لحظة الغروب كانت عيناها الكبيرتان مشرقتين كأنهما أخذتا عن الشمس دورها. وتذكر خديها الناصعين بالبياض المخلوط بالحمرة فكانا يزدهيان بأجمل الأرجوان .كانت ترنو إليه بلحظها الذي يسبي القلوب. وتبتسم بشفتين دقيقتين حمراوين كأوراق الورد الناعمة. انتشى بهذه الذكرى وملأ الدم وجهه. لقد أبحر في عالم سحري في خياله. عالم كله حب وعاطفة وأشواق. كان يرى في خياله هذا صورًا كثيرة ويرى حيوات متعددة منها النهار ومنها الليل. إلا أنها كلها بهيجة وتعني الفرح والسعادة له ودنيا غير دنياه. لكن فجأة أخرجه من خياله هذا صوت صارخ. ناده صاحب الصوت وسمع معها صلصلة الحديد والمفاتيح وقال له: يا سجين حالم الوضاح... لك موعد زيارة الآن.. سنوثق الصفد في يديك لتذهب معنا الآن لزوارك.