أثبتت أحداث التاريخ المعاصر أن الدول التي تنتهج منهج التهديد وتمارس الإرهاب والعنصرية والاستبداد مآلها السقوط والهزيمة والانهيار مهما طال الزمان، وأن المجتمع الدولي ينحاز دائمًا إلى جانب الدول السوية التي تحترم القانون الدولي والشرعية الدولية، وتنشد السلام والأمن والاستقرار لها ولمنطقتها وللعالم أجمع. ويبدو أن هذا الدرس الذي ظلت حكايات التاريخ ترويه منذ العصور الغابرة، لا تكترث به، ولا تتعظ منه في حاضرنا الراهن بعض الأنظمة الخارجة عن القانون التي تعاني من الغطرسة وعقدة جنون العظمة التي تتلبس زعماء من المغامرين والمقامرين الذين لا يحسبون حسابًا لمغامراتهم الطائشة. المملكة العربية السعودية التي تعي جيدًا حجم المسؤولية الجسيمة الملقاة على عاتقها باعتبارها الشقيقة الكبرى لدول مجلس التعاون الخليجي تستشعر، انطلاقًا من هذه الخلفية التاريخية، مخاطر المرحلة الراهنة، حيث أصبح من الواضح أنه كلما ازداد الضغط الدولي على إيران بسبب انتهاكاتها للقانون الدولي وغموض ملفها النووي، صعدت تلك الدولة من لهجة التهديد التي أصبحت اللغة الغالبة على خطابها السياسي مع دول المجلس، وهو ما واجهته المملكة مؤخرًا بتصريحين حملا رسالة واضحة وموقفًا حاسمًا من هذه التهديدات، التصريح الأول صدر عن صاحب السمو الملكي وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل خلال افتتاح منتدى «الخليج والعالم» بأن الخليج يرفض التهديدات وأنه مصمم على حماية أمنه واستقراره ومكتسباته، وأنه يرفض التلويح بالقوة في العلاقات الدولية والإقليمية. أما التصريح الثاني فصدر عن صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز رئيس الاستخبارات العامة الذي دعا فيه إلى تبني إستراتيجيات جديدة لضمان الأمن الإقليمي، مؤكدًا على سعي دول المجلس تعزيز دفاعاتها الجوية ضد أي اعتداء، ومحذرًا من التلويح بالقوة في العلاقات الدولية والإقليمية لأن ذلك لا يخدم في النهاية هدف تحقيق الأمن وإنما يؤدي إلى سباق في التسلح وعودة إلى نظرية توازن الرعب. هذه الرسالة التي تجسد موقفًا خليجيًا موحدًا، لا تعبر عن ركائز هامة في السياسة الخارجية لدول المجلس وحسب، وليست موجهة إلى طهران فقط، وإنما أيضًا إلى أي جهة تسعى إلى العبث بأمن دول المجلس واستقرارها ومكتسباتها وتهديد مستقبل أجيالها.