خلال متابعتي لبرنامج اكتشاف المواهب الشهير «أمريكا لديها مواهب» لفت انتباهي المتقدمون لتجارب الأداء، ومدى تفاوت أعراقهم وأعمارهم ولغاتهم، وأثار دهشتي أن بعضهم لم يمر على هجرته إلى «الولاياتالمتحدةالأمريكية» سوى بضعة شهور، كما كان جليّا عدم إتقان بعضهم للغة الإنجليزية، حتى إن أحدهم استعان بمترجم فوري أثناء محاورته لجنة الحكام. وأعجبني مزيج التنوع وجمال الاختلاف الذي حفل به البرنامج، وتقييم جميع المؤدين على أساس قاعدة «الفرص المتساوية»، دون النظر إلى ألوانهم أو مرجعيّاتهم، في جو من المودة والفكاهة والإثارة، تدعمُه تقنيات غاية في الإتقان والإبداع الإنساني. وفي المجتمعات المدنية الغربية، خاصة تلك التي عانت خلال تاريخها من صراعات عرقية ودينية وسياسية، وناضلت من أجل القضاء على مظاهر التمييز غير العادل بين أفرادها، وأسست أنظمة لاتتحيّز لفئة على حساب أخرى، تجلّت ثقافة «الفرص المتساوية»، لتقييم الناس على أساس جدارتهم وكفاءاتهم، وتوضيح واجباتهم وحقوقهم ومراقبة أدائهم بشكل مستمر، فتلك المجتمعات تعلّمت من تاريخها، أن التسامح الثقافي، والانسجام الطائفي، في إطار «العدل الفئوي»، أساس استمرار تفوّقها، وسر انجذاب العقول المبدعة إليها، وفخر أفرادها بالمواطنة الحقيقية. في رأيي أن المجتمعات الغربية، بمؤسساتها المدنية، ليست مجتمعات مثالية، فمشكلاتها وأخطاؤها متعددة، غير أنها تواجهها باعتراف وشفافية، وتدرس أسبابها وعواملها، وتسنُّ قوانين فعّالة تعمل على إصلاحها، وبالرغم من معاناة كثير من أفرادها من الفقر، إلا أن تلك المجتمعات تعمل على تفعيل مبادئ الضمان الاجتماعي، وتكرّس مبادئ احترام الخصوصية الفردية والحريات المنضبطة، و الفرص المؤسساتية المتكافئة لإثبات الذات, وتتميّز بحقيقة أن المرجعيات الثقافية لقاطنيها تحظى بقدر جيد من الإعجاب والتقدير المتبادل. لكن أهم مايُميّز تلك المجتمعات المتقدمة حضاريا، قدرة سلوكياتها الاجتماعية، وقوانينها الإدارية، على كشف ومساءلة أي تجاوز لحقوق أفرادها، سواء كانت بسيطة مثل دورهم في طابور مطعم وجبات سريعة، أو بالغة الأهمية، كحقوقهم الوطنية في التوظيف والتعليم والرعاية الطبية وإبداء الرأي، دون منّ أو استكبار، ولا استجداء أو انكسار.