أكثر من 15 ألف مستفيد من حملة "سلمان للإغاثة" لتحصين الأطفال ضد مرض الحصبة في اليمن    وزير الخارجية يلتقي وزير الخارجية الإيراني المكلف    ضيوف خادم الحرمين للحجّ يوثقون "رحلة الحج" بهواتفهم ويبثّونها لذويهم    وفدٌ مجلس الشورى يقوم بزيارة إلى الهيئة الملكية بالجبيل    مراقب فلسطين لدى الأمم المتحدة يرحب بقرار مجلس الأمن الدولي وقف إطلاق النار في غزة    صندوق الشهداء والمصابين والأسرى والمفقودين يستعد لاستقبال الحجاج    فاطمة الغامدي تحصل على الماجستير في العلاقات العامة بتقدير ممتاز    الذهب يفقد بريقه والنفط فوق 80 دولاراً    اليوم.. التفويج "الأكبر" للحجاج من المدينة لمكة    جمعية تكامل الصحية تقيم مركزاً لاستقبال ضيوف الرحمن بالرياض    إصدار أكثر من 1000 شهادة امتثال للمباني وإزالة 18 ألف متر من المباني في الخبر    الديوان الملكي: وفاة صاحبة السمو الأميرة منيره بنت محمد بن تركي بن عبد العزيز    المملكة ترحب بتبنّي مجلس الأمن الدولي الوقف الفوري لإطلاق النار في غزة    «أبل» تستعد لإبهار العالم بتحديثات كبيرة في مؤتمر المطورين    ارتفاع أسعار النفط إلى 81.63 دولارا للبرميل عند التسوية    الفرصة ما تزال مهيأة لهطول أمطار على مكة وجازان وعسير والباحة    ملامح تشكيل الأخضر أمام الأردن    بدء منع دخول المركبات غير المصرحة للمشاعر المقدسة    وزير الإعلام يدشن "ملتقى إعلام الحج" بمكة    بينالي الفنون الإسلامية 2025 بجدة    حمزة إدريس مساعداً إدارياً في الاتحاد    صّيف في الباحة تراها أروق    وزير الداخلية يتفقد المشاريع التطويرية في المشاعر    "الصحة": ارتفاع درجات الحرارة أكبر تحديات الحج    ربط رقمي لحوكمة إجراءات التنفيذ الإداري    اللامي ل«عكاظ»: ناظر سيعيد العميد لطريق البطولات    إلزام الجهات الحكومية بإضافة خدماتها في «توكلنا»    إثراء يفتح باب التسجيل في مبادرة الشرقية تبدع بنسختها الخامسة    هل يصبح عمرو دياب منبوذاً ويواجه مصير ويل سميث ؟    أمن الحج.. خط أحمر    تعزيز بناء الجدارات للمنشآت الصغيرة والمتوسطة بغرفة الشرقية    الرئيس التنفيذي للمساحة الجيولوجية يناقش التعاون الجيولوجي في كازاخسان    بأمر خادم الحرمين: استضافة 1000 حاج من ذوي شهداء ومصابي غزة استثنائياً    «الدفاع المدني»: تجنبوا الزحام وراعوا كبار السن في المسجد الحرام    لميس الحديدي تخطت السرطان بعيداً عن الأضواء    غزة.. مشاهد موت ودمار في «النصيرات»    للمعلومية    كأس العالم للرياضات الإلكترونية يطرح الحزمة الثانية لتذاكر البطولة    يتصدر بنسبة نمو 67 %.. " روشن".. قفزة نوعية في" السوشيال ميديا" عالمياً    توفير الوقت والجهد    وزير الداخلية يتفقد عددًا من المشاريع التطويرية في المشاعر المقدسة    نائب أمير مكة اطلع على المشاريع وخطط التشغيل.. المشاعر المقدسة.. جاهزية عالية لاستقبال ضيوف الرحمن    أمير المدينة يوجه باستمرار العمل خلال أيام إجازة عيد الأضحى    مريضات السكري والحمل    استثمار الوقت في الأنشطة الصيفية    " نبتة خارقة" تحارب تلوث الهواء    خط أحمر.. «يعني خط أحمر»    لماذا يشعر المتبرعون بالسعادة ؟!    إخراج امرأة من بطن ثعبان ضخم ابتلعها في إندونيسيا    وزير الداخلية يتفقد عدداً من المشاريع التطويرية في المشاعر المقدسة    الحج.. أمن ونجاح    الرئيس المتهم!    أندية المدينة.. ما هي خططك للموسم القادم ؟    "نادي نيوم" يتعاقد مع البرازيلي رومارينيو    البذخ يحتاج لسخافة !    ساحة المحاورة تحتاج إلى ضبط    الدفاع المدني يشارك ضمن معرض وزارة الداخلية المتنقل "لا حج بلا تصريح" بجدة    عرض عسكري يعزز أمن الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دعايات المأكولات والمشروبات في رمضان تستهدف الربح وتصرف الناس عن روح الشعيرة
نشر في المدينة يوم 02 - 08 - 2011

أكّد سماحة مفتي عام المملكة ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد آل الشيخ في حوار خاص ل «المدينة» أن هناك برامج تلفزيونية، ومشاهدات فضائية تقدمها قنوات عديدة في شهر رمضان المبارك قد سلبت من الصائمين روح الصيام، وأبعدتهم عن طاعة الله، والإكثار من القربات، وأفسدت صومهم، مطالبًا الصائمين بكبح جماح غضبهم، وامتصاص ثورات الشاتمين من الناس، ناصحًا بعدم الدخول معهم في المهاترات، والالتزام في مخاطبتهم بوصية النبي المصطفى (إني صائم).
وقال سماحته: للأسف نرى بعض المسلمين يتخذون من صيام رمضان ذريعة للتهرب عن مسؤولياتهم، والتهاون في القيام بأعمالهم، والضعف في إنجازهم، وهذا أمر مخالف لمقتضى شهر رمضان، مؤكدًا أن الظواهر السلبية التي نشاهدها في شهر رمضان المبارك كثيرة، ممّا يتطلّب من المسلم السعي الحثيث إلى تحقيق مقاصد الصوم الشرعية، مشيرًا إلى أن رمضان ليس شهر الشره والسرف في الأكل والشرب، بل هو شهر الإقلال من الطعام والشراب، والكف عن الشهوات، والإكثار من نوافل الطاعات، مرجعًا انتشار تلك الظواهر السلبية إلى قلة الوعي بين الناس.
وأشار سماحته إلى أن ما تقوم به القنوات الفضائية بسعيها الحثيث في كسب المشاهدين من خلال البرامج الفاسدة، والمسلسلات الهابطة، والمشاهد المخلّة، الخادشة للحياء، الداعية إلى الرذيلة والفحشاء يُعدُّ محادّة لله ورسوله، داعيًا العلماء والدعاة والخطباء الى توعية الناس وتحذيرهم من سموم هذه الفضائيات، متطرقًا إلى ظاهرة التسول التي تزداد بقدوم موسم رمضان المبارك، فيؤكد عدم جواز أكل الأموال التي يجنيها المتسوّلون المتحايلون من خلال كسبهم لتلك الأموال بالتسوّل والادّعاء كذبًا الحاجة، وعدم القدرة على العمل.
وطالب سماحته عموم المسلمين باستلهام الدروس والعِبر من سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وسير السلف الصالح، معتبرًا ذلك أمرًا ذا أهمية بالغة في ترغيب الناس، وحثّهم على الفضائل والقيم النبيلة، خصوصًا في مواسم الخيرات كشهر رمضان المبارك.
فإلى نص الحوار:
* المدينة: كيف نستفيد من رمضان في إعادة اللُّحمة الاجتماعية للأسرة والمجتمع؟
** المفتي: إن شهر رمضان شهر المواساة، والتواصل، والتكافل، والتهذيب، والتصافي، وتتجلى هذه القيم والخصال في الأمور الآتية:
إن شهر رمضان شهر التقرب إلى الله بأنواع العبادات، وصفاء للقلوب من الأحقاد والضغائن، وتهذيب للنفس من الخصال والسلوكيات السيئة، وكف للسان عن الغيبة، والنميمة، والكذب، والبهتان، وفحش الكلام، والسب والشتم وسائر الآفات، مع البعد عن الخصام والتشاجر والتباغض. وهذه الخصال كلها فيها تحبيب للنفوس، وتقريب للقلوب، وزيادة للمودة والأخوة بين أفراد الأسرة الواحدة، وبين أفراد المجتمع بشكل عام.
كما أن من مقاصد صيام شهر رمضان إشعار الأغنياء بمعاناة الفقراء والمساكين الذين ربما لا يجد أحدهم قوت يومه وليلته، فيبيت هو وأولاده جياعًا، فإذا أحس الغني بألم الجوع والعطش تذكر إخوانه المحتاجين، فيرقّ قلبُه لهم، ويبادر بمواساتهم، ومساعدتهم بالتصدق عليهم، وتفطيرهم في أيام هذا الشهر الكريم، وهذا فيه تحقيق لمبدأ التكافل والتلاحم بين طبقات المجتمع المسلم وبين أفراده.
كما أن صلة الأرحام من الأعمال الجليلة التي جاء الترغيب فيها والحث عليها، ولا شك أنها آكد وأكثر فضلًا وثوابًا في شهر رمضان من غيره، وذلك لتميزه عن بقية الشهور بمضاعفة الأجور والحسنات، فيتأكد القيام بصلة الأرحام في هذا الشهر، ما يقوي الوشائج والعلاقات بين الأرحام والأقارب.
* المدينة: ما الذي ينظر إليه سماحتكم فيما يتعلق بالإسراف والتبذير حين دخول رمضان؟
** المفتي: الإسراف والتبذير منهي عنه في سائر الأيام والشهور، قال تعالى: «وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ»، وقال تعالى: «وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا». فالواجب على المسلم اجتناب الإسراف، والاقتصاد في الأكل والشرب في هذا الشهر الفضيل، والاقتصار على الأكلات العادية، وعدم البذخ والتبذير وصرف الأموال في شراء أنواع الأطايب من الأطعمة والمشروبات، والحلويات ونحوها.
ولا شك أن للدعايات التي تطلقها كثير من الشركات قبيل شهر رمضان عن أنواع المأكولات والمشروبات، لها دور كبير في جلب الناس للإغراق في شراء تلك المواد والأغراض، والشركات تستغل هذا الموسم الكريم لزيادة أرباحها وتسويق منتجاتها الغذائية، وهذا أمر لا ينبغي، وهو مخالف لخصوصية هذا الشهر، وصرف للناس عن روح هذه الشعيرة العظيمة ومقاصدها، واستنزاف لأموالهم، فالواجب عليها الكف عن استغلال هذا الموسم الكريم لئلا تضرّ بالناس ولئلا تدفعهم نحو الإسراف والتبذير.
محادة لله ورسوله
* المدينة: كيف ترون دور المراجع العلمية والشرعية في هذا الشهر الكريم في ظل تكالب الفضائيات على جذب المشاهد وتشويه صورة الشهر الكريم، وتصويره على أنه شهر المسلسلات، والفكاهة والمسابقات؟
** المفتي: الواجب على العلماء والدعاة وخطباء المساجد توعية الناس بأهمية شهر رمضان، وبيان فضائله، وخصوصياته، وحث الناس على استغلاله في فعل الطاعات ونوافل العبادات، والتوبة والإقلاع عن الذنوب والآثام، والإقبال على أعمال البر، واستغلال أيام وليالي هذا الشهر الفضيل فيما ينفع المسلم في دينه ودنياه، والكف عن المنكرات، والفواحش، والعناية بتهذيب النفس عن الرذائل وتحليتها بالفضائل.
وكذلك تحذيرهم من مشاهدة تلك البرامج الداعية إلى الرذيلة والفحشاء، وأن الإقبال على مشاهدة تلك الفضائيات تفرغ هذا الشهر عن مضمونه ومغزاه، وأن سعي تلك الفضائيات لتخصيص شهر رمضان بتلك الأعمال المنافية للأخلاق، والمضيعة للأوقات، فيه محادة لله ولرسوله، فإن الله تعالى شرع صيام رمضان للعبادة، والتهذيب الأخلاقي، والسمو الروحي والإيماني، والكف عن المحارم والشهوات، وأما هذه الفضائيات فقد جعل هذا الشهر موسمًا لإغراق الناس في الشهوات، والدعوة إلى الفحشاء والمنكر، وضياع الأوقات فيما لا فائدة فيه، وصرف الناس عن العبادة، وقراءة القرآن، وقيام الليل، وعن الخيرات والحسنات.
* المدينة: كيف لنا أن نعيد روحانية رمضان إلى ما كان عليه السلف الصالح من الاستعداد لتلك الروحانية المباركة؟
** المفتي: يمكن تحقيق ذلك بتوعية الناس بفضل شهر رمضان المبارك، وتعريفهم على المقاصد والحكم من مشروعية صيام هذا الشهر الكريم، وترغيبهم للمسابقة في الخيرات والتقرب إلى الله بالطاعات، والتزود بالصالح من الأعمال والأقوال، وتعريفهم على سيرة السلف الصالح في العناية بهذا الشهر الكريم، واستغلاله في طاعة الله عز وجل، وتعظيمهم لحرمة هذا الشهر، واستبشارهم بقدومه.
ويتم هذا الأمر عن طريق الدروس، والخطب، والمحاضرات، ونشر المطويات، والكلمات والمحاضرات وإطلاق البرامج الإذاعية والتلفزيونية التي تعين على التذكير بفضائل هذا الشهر الكريم، وترغيب الناس في الخير، وتشنيف مسامعهم بالأذكار، والتلاوات، وأحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم.
* المدينة: نصيحة توجهونها للمسلمين للاستفادة من رمضان في إحياء مبادئ التآخي والتآلف والتراحم فيما بينهم؟
** المفتي: إن من مقاصد صيام رمضان مواساة الأغنياء لإخوانهم الفقراء والمحتاجين، والتعرف على أحوالهم، والأخذ بأيديهم، ولمّ جراحهم، وتخفيف معاناتهم، وبذلك تتحقق الأخوة الإيمانية المطلوبة في المجتمع المسلم، وتزول الضغائن والأحقاد والبغضاء من القلوب، وتزيد المودة، وتتآلف النفوس، ويتحقق التكاتف والتكافل بين أفراد المجتمع.
كما أن اجتماع الناس في المساجد، وعلى موائد الإفطار الجماعي، أو في المنازل والبيوت، سواء بين الأقارب، أو بين الجيران، إن في ذلك فرصةً للتلاقي، والتآخي، وتبادل الزيارات، وتقوية أواصر المحبة بين الأرحام، وبين الجيران، والتعرف على أحوال بعضهم لبعض، وبذل التعاون فيما بينهم.
ظاهرة التسول
* المدينة: ظاهرة التسول تزداد في هذا الشهر المبارك.. فما هو الرادع الديني والاجتماعي والأمني من وجهة نظركم لكبح جماح المتسولين؟
** المفتي: حيث إن شهر رمضان شهر الكرم والجود، وإخراج الصدقات الواجبة والنفلية، فإن بعض المتسولين -هداهم الله- يستغلون هذا الموسم للتسول في المساجد، وبذلك تزداد هذه الظاهرة في رمضان.
ولا شك أن الوازع الديني في مقدمة أسباب منع تلك الظاهرة، فقد جاءت نصوص كثيرة في التحذير من السؤال لغير حاجة، أو السؤال لأجل التكثر من المال، يقول صلى الله عليه وسلم: «مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ، حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ القِيَامَةِ لَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ» وقال في الحديث الآخر: «مَنْ سَأَلَ النَّاسَ أَمْوَالَهُمْ تَكَثُّرًا، فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْرًا فَلْيَسْتَقِلَّ أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ».
فعلى المسلم أن يتقي الله في نفسه، وألا يعرض نفسه للعقوبة والعذاب بسبب سؤاله لغير حاجة، وأن ما يأخذه من المال -وهو قوي مكتسب- حرام لا يجوز له أكله، فقد جاء رجلان إلى النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وهو يقسم الصدقة، فسألاه منها، فرَفَعَ فيهما البَصَرَ وخَفَضَه، فرآهما جَلْدَين، فقال: «إِنَّ شِئْتُمَا أَعْطَيْتُكُمَا، وَلَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ، وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ».
ثم يأتي دور الجهات الأمنية وإدارة مكافحة التسوّل في منع هذه الظاهرة، والقبض على المتسوّلين الذين أغلبهم أناس متحايلون، غير محتاجين.
* المدينة: المعطلون لمصالح العباد في رمضان، لا يداومون ولا يلتزمون مكاتبهم، ولا يريدون استقبال المراجعين.. فما هو توجيهكم لهؤلاء الموظفين؟
** المفتي: لا يجوز لهؤلاء الموظفين أن يعطلوا مصالح الناس في شهر رمضان، فالواجب عليهم التقيد بالدوام الرسمي، والحضور في أماكن عملهم مع أول ساعة الدوام، واستقبال المراجعين كالمعتاد من غير مماطلة، أو تأخير عليهم، أو تعطيل معاملاتهم ومصالحهم.
بل إن المطلوب من الموظفين أن يكون حرصهم على الدوام والحضور في رمضان أكثر من الأيام العادية، وذلك -أولًا- لأن ساعات العمل تقل في رمضان عن غيره، فينبغي الحرص على سرعة إنجاز معاملات وأعمال المراجعين. وثانيًا لأن المراجعين ربما تأذوا بالتأخير والانتظار الطويل في رمضان أكثر من غيره؛ بسبب الحرّ، ولكونهم صائمين.
فينبغي للموظفين الاهتمام بشؤون المراجعين في رمضان، وهم مأجورون بذلك، ومثابون أعظم الأجر إن أخلصوا النية لله واحتسبوا ذلك؛ لكونهم في خدمة الصوّام، فالتخفيف عليهم، وسرعة إنجاز معاملاتهم فيه أجر وثواب إن شاء الله تعالى.
* المدينة: كيف نستفيد من رمضان في إعادة اللُّحمة الاجتماعية للأسرة والمجتمع؟
** المفتي: إن شهر رمضان شهر المواساة، والتواصل، والتكافل، والتهذيب، والتصافي، وتتجلى هذه القيم والخصال في الأمور الآتية:
إن شهر رمضان شهر التقرب إلى الله بأنواع العبادات، وصفاء للقلوب من الأحقاد والضغائن، وتهذيب للنفس من الخصال والسلوكيات السيئة، وكف للسان عن الغيبة، والنميمة، والكذب، والبهتان، وفحش الكلام، والسب والشتم وسائر الآفات، مع البعد عن الخصام والتشاجر والتباغض. وهذه الخصال كلها فيها تحبيب للنفوس، وتقريب للقلوب، وزيادة للمودة والأخوة بين أفراد الأسرة الواحدة، وبين أفراد المجتمع بشكل عام.
كما أن من مقاصد صيام شهر رمضان إشعار الأغنياء بمعاناة الفقراء والمساكين الذين ربما لا يجد أحدهم قوت يومه وليلته، فيبيت هو وأولاده جياعًا، فإذا أحس الغني بألم الجوع والعطش تذكر إخوانه المحتاجين، فيرقّ قلبُه لهم، ويبادر بمواساتهم، ومساعدتهم بالتصدق عليهم، وتفطيرهم في أيام هذا الشهر الكريم، وهذا فيه تحقيق لمبدأ التكافل والتلاحم بين طبقات المجتمع المسلم وبين أفراده.
كما أن صلة الأرحام من الأعمال الجليلة التي جاء الترغيب فيها والحث عليها، ولا شك أنها آكد وأكثر فضلًا وثوابًا في شهر رمضان من غيره، وذلك لتميزه عن بقية الشهور بمضاعفة الأجور والحسنات، فيتأكد القيام بصلة الأرحام في هذا الشهر، ما يقوي الوشائج والعلاقات بين الأرحام والأقارب.
* المدينة: ما الذي ينظر إليه سماحتكم فيما يتعلق بالإسراف والتبذير حين دخول رمضان؟
** المفتي: الإسراف والتبذير منهي عنه في سائر الأيام والشهور، قال تعالى: «وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ»، وقال تعالى: «وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا». فالواجب على المسلم اجتناب الإسراف، والاقتصاد في الأكل والشرب في هذا الشهر الفضيل، والاقتصار على الأكلات العادية، وعدم البذخ والتبذير وصرف الأموال في شراء أنواع الأطايب من الأطعمة والمشروبات، والحلويات ونحوها.
ولا شك أن للدعايات التي تطلقها كثير من الشركات قبيل شهر رمضان عن أنواع المأكولات والمشروبات، لها دور كبير في جلب الناس للإغراق في شراء تلك المواد والأغراض، والشركات تستغل هذا الموسم الكريم لزيادة أرباحها وتسويق منتجاتها الغذائية، وهذا أمر لا ينبغي، وهو مخالف لخصوصية هذا الشهر، وصرف للناس عن روح هذه الشعيرة العظيمة ومقاصدها، واستنزاف لأموالهم، فالواجب عليها الكف عن استغلال هذا الموسم الكريم لئلا تضرّ بالناس ولئلا تدفعهم نحو الإسراف والتبذير.
محادة لله ورسوله
* المدينة: كيف ترون دور المراجع العلمية والشرعية في هذا الشهر الكريم في ظل تكالب الفضائيات على جذب المشاهد وتشويه صورة الشهر الكريم، وتصويره على أنه شهر المسلسلات، والفكاهة والمسابقات؟
** المفتي: الواجب على العلماء والدعاة وخطباء المساجد توعية الناس بأهمية شهر رمضان، وبيان فضائله، وخصوصياته، وحث الناس على استغلاله في فعل الطاعات ونوافل العبادات، والتوبة والإقلاع عن الذنوب والآثام، والإقبال على أعمال البر، واستغلال أيام وليالي هذا الشهر الفضيل فيما ينفع المسلم في دينه ودنياه، والكف عن المنكرات، والفواحش، والعناية بتهذيب النفس عن الرذائل وتحليتها بالفضائل.
وكذلك تحذيرهم من مشاهدة تلك البرامج الداعية إلى الرذيلة والفحشاء، وأن الإقبال على مشاهدة تلك الفضائيات تفرغ هذا الشهر عن مضمونه ومغزاه، وأن سعي تلك الفضائيات لتخصيص شهر رمضان بتلك الأعمال المنافية للأخلاق، والمضيعة للأوقات، فيه محادة لله ولرسوله، فإن الله تعالى شرع صيام رمضان للعبادة، والتهذيب الأخلاقي، والسمو الروحي والإيماني، والكف عن المحارم والشهوات، وأما هذه الفضائيات فقد جعل هذا الشهر موسمًا لإغراق الناس في الشهوات، والدعوة إلى الفحشاء والمنكر، وضياع الأوقات فيما لا فائدة فيه، وصرف الناس عن العبادة، وقراءة القرآن، وقيام الليل، وعن الخيرات والحسنات.
* المدينة: كيف لنا أن نعيد روحانية رمضان إلى ما كان عليه السلف الصالح من الاستعداد لتلك الروحانية المباركة؟
** المفتي: يمكن تحقيق ذلك بتوعية الناس بفضل شهر رمضان المبارك، وتعريفهم على المقاصد والحكم من مشروعية صيام هذا الشهر الكريم، وترغيبهم للمسابقة في الخيرات والتقرب إلى الله بالطاعات، والتزود بالصالح من الأعمال والأقوال، وتعريفهم على سيرة السلف الصالح في العناية بهذا الشهر الكريم، واستغلاله في طاعة الله عز وجل، وتعظيمهم لحرمة هذا الشهر، واستبشارهم بقدومه.
ويتم هذا الأمر عن طريق الدروس، والخطب، والمحاضرات، ونشر المطويات، والكلمات والمحاضرات وإطلاق البرامج الإذاعية والتلفزيونية التي تعين على التذكير بفضائل هذا الشهر الكريم، وترغيب الناس في الخير، وتشنيف مسامعهم بالأذكار، والتلاوات، وأحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم.
* المدينة: نصيحة توجهونها للمسلمين للاستفادة من رمضان في إحياء مبادئ التآخي والتآلف والتراحم فيما بينهم؟
** المفتي: إن من مقاصد صيام رمضان مواساة الأغنياء لإخوانهم الفقراء والمحتاجين، والتعرف على أحوالهم، والأخذ بأيديهم، ولمّ جراحهم، وتخفيف معاناتهم، وبذلك تتحقق الأخوة الإيمانية المطلوبة في المجتمع المسلم، وتزول الضغائن والأحقاد والبغضاء من القلوب، وتزيد المودة، وتتآلف النفوس، ويتحقق التكاتف والتكافل بين أفراد المجتمع.
كما أن اجتماع الناس في المساجد، وعلى موائد الإفطار الجماعي، أو في المنازل والبيوت، سواء بين الأقارب، أو بين الجيران، إن في ذلك فرصةً للتلاقي، والتآخي، وتبادل الزيارات، وتقوية أواصر المحبة بين الأرحام، وبين الجيران، والتعرف على أحوال بعضهم لبعض، وبذل التعاون فيما بينهم.
ظاهرة التسول
* المدينة: ظاهرة التسول تزداد في هذا الشهر المبارك.. فما هو الرادع الديني والاجتماعي والأمني من وجهة نظركم لكبح جماح المتسولين؟
** المفتي: حيث إن شهر رمضان شهر الكرم والجود، وإخراج الصدقات الواجبة والنفلية، فإن بعض المتسولين -هداهم الله- يستغلون هذا الموسم للتسول في المساجد، وبذلك تزداد هذه الظاهرة في رمضان.
ولا شك أن الوازع الديني في مقدمة أسباب منع تلك الظاهرة، فقد جاءت نصوص كثيرة في التحذير من السؤال لغير حاجة، أو السؤال لأجل التكثر من المال، يقول صلى الله عليه وسلم: «مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ، حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ القِيَامَةِ لَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ» وقال في الحديث الآخر: «مَنْ سَأَلَ النَّاسَ أَمْوَالَهُمْ تَكَثُّرًا، فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْرًا فَلْيَسْتَقِلَّ أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ».
فعلى المسلم أن يتقي الله في نفسه، وألا يعرض نفسه للعقوبة والعذاب بسبب سؤاله لغير حاجة، وأن ما يأخذه من المال -وهو قوي مكتسب- حرام لا يجوز له أكله، فقد جاء رجلان إلى النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وهو يقسم الصدقة، فسألاه منها، فرَفَعَ فيهما البَصَرَ وخَفَضَه، فرآهما جَلْدَين، فقال: «إِنَّ شِئْتُمَا أَعْطَيْتُكُمَا، وَلَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ، وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ».
ثم يأتي دور الجهات الأمنية وإدارة مكافحة التسوّل في منع هذه الظاهرة، والقبض على المتسوّلين الذين أغلبهم أناس متحايلون، غير محتاجين.
* المدينة: المعطلون لمصالح العباد في رمضان، لا يداومون ولا يلتزمون مكاتبهم، ولا يريدون استقبال المراجعين.. فما هو توجيهكم لهؤلاء الموظفين؟
** المفتي: لا يجوز لهؤلاء الموظفين أن يعطلوا مصالح الناس في شهر رمضان، فالواجب عليهم التقيد بالدوام الرسمي، والحضور في أماكن عملهم مع أول ساعة الدوام، واستقبال المراجعين كالمعتاد من غير مماطلة، أو تأخير عليهم، أو تعطيل معاملاتهم ومصالحهم.
بل إن المطلوب من الموظفين أن يكون حرصهم على الدوام والحضور في رمضان أكثر من الأيام العادية، وذلك -أولًا- لأن ساعات العمل تقل في رمضان عن غيره، فينبغي الحرص على سرعة إنجاز معاملات وأعمال المراجعين. وثانيًا لأن المراجعين ربما تأذوا بالتأخير والانتظار الطويل في رمضان أكثر من غيره؛ بسبب الحرّ، ولكونهم صائمين.
فينبغي للموظفين الاهتمام بشؤون المراجعين في رمضان، وهم مأجورون بذلك، ومثابون أعظم الأجر إن أخلصوا النية لله واحتسبوا ذلك؛ لكونهم في خدمة الصوّام، فالتخفيف عليهم، وسرعة إنجاز معاملاتهم فيه أجر وثواب إن شاء الله تعالى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.