كما ذكرت أو ذكر «جون هالت»، فإن الطفل أو الإنسان يُولد باحثا عن معنى وعنده دافع لذلك والطريقة التي يُحول بها الطفلُ التجربة إلى معرفة تشبه ما يفعله العالمُ عندما يصنع المعرفة العلمية . الطفل كما قلت يراقب ويحلل ويسأل ويحتار ويضع نظريات وفرضيات ويُكوّن نماذجَ ذهنية وهذه هي الطريقة العلمية كما تُسمى إلا أن المدارس تُوقف كل هذا. فبدلا من أن تكون المدارس للأطفال، يصبح الأطفال في خدمة أنظمتها وطريقتها حتى لو كانت النتائج سيئة على فرض أننا نعرف ما نريد من التعليم أصلا. ما الذي يجعلنا لا نلحظ العالم الصغير في أطفالنا والفيلسوف والباحث الخ؟ لأننا مشغولون عنهم بأنفسنا ومعلوماتنا ومقرراتنا وما نعرفه نحن وأجوبتنا وما نرى أنه لا بد أن يعرفوه وما لا بد أن يعرفوه وما ينبغي أن يُحسوا به وما لا ينبغي أن يحسوا به وبنتائجهم ونسَبهم الخ كل هذا يُضيع التعلم الذي نزعم أننا نعمل من أجله ونضخ المليارات لتحقيقه. ما الذي يحدث عندما لا نفهم؟ أولا: لعلنا نفقد المرجعية بمعنى قد نسمع كلمة لا مرجعية لها في أذهاننا، فلا نفهم. كمن يحدث رجلا في الإسكيمو عن الزرافة أو يحدث مثلا رجلا في القرن الماضي عن الجوال ثانيا:أن تسمع شيئا ثم شيئا آخر يناقضه. فقد يحدثك معلمٌ عن الصحابة رضي الله عنهم كما ألفنا ثم يحدثك عن معركة الجمل وصفين فتقع في حَيص بَيص. ثالثا: صعوبة الربط بين موضوعين يبدو أن لهما معنى. فالطالب لا يربط بين ما يأخذه في التاريخ والجغرافيا وواقعه الحياتي ولهذا تجده لا يرى أي أهمية أو قيمة لدراسة التاريخ والجغرافيا وغيرهما مع أهمية هذه الحقول المعرفية خاصة والمجتمعات العربية والسعودية خاصة تشهد متغيرات في جميع الأصعدة ولغة الوعظ وحدها وإطلاق الفتاوى فقط لا يفيد. هذه تحديات تعرقل الفهم. والحل التعليم للفهم كما لخصته في موضوع آخر. ويأتي سؤال: هل يكتسب الطفل المعرفة أم يصنعها؟ وجوابُ المؤلف أنه يصنعها كما يفعل العالمُ كما ذكرت من قبل. ويرى المؤلف أن «جان بياجيه» قد أخطأ. فالطفلُ ذو السنتين يستطيع أن يقوم بالتفكير المنطقي الذي رأى بياجيه أنه لا يستطيعه. كيف؟ لا بد من أن نعطي الطفل وقتا للقيام بما يسميه المؤلف «نقيض التجريد»بقطع من الصلصال مثلا. كيف؟ باستخدام اللعب والخيال لبث حياة ومعنى في الأشياء التي يستخدمها. فمجموعة مكعبات يحولها الطفل إلى أب وأم وأخوات مهما تبدل موقعها، لن يخطئ في معرفة عددها لأنه أضفى معنى عليها. كم غاب عنا الطفل عندما حولناه إلى رقم في فصل في مدرسة أي عندما جردناه؟ غاب عنا الإنسان وظهر الرقم وأصبحنا لا نرى الطفل ولا نعرف كيف نراه أو نتعامل معه. خالد سيف الدين عاشور-جدة