ما كان للعبقرية أن تظهر دون عامل مساعد وهو: المكان.. أو المنبر.. أو الصوت على اختلاف الوضع والنمط. فلولا قدوم «المتنبي» -شاعر الأمة/الظاهرة- من الكوفة إلى «المكان/حلب «حيث الأضواء ما كان لشاعريته المثيرة أن تظهر، وإن كانت ستظهر حتمًا، وبأي شكل من الأشكال مثل النبتة التي ستظهر حتمًا حتى من بين شقوق الصخور. ولولا «الرصافة/ المكان» ما قيّض للشاعر مثل «على بن الجهم» أن يظهر. ولولا قدوم الكاتب المسرحي الايرلندي «صموئيل بيكت» إلى باريس ما كان له أن يكون رائدًا في مسرح العبث، إلى جانب «يوجين يونسيسكو». وبالمقابل فقد كان «ضياع المكان»، وافتقاده، وانمحاؤه التام سببًا في التعتيم على شاعر مثل «بلند الحيدري».. عاش حياته في الغربة، والشقاق، والتشرّد..! أمّا فيما يتصل بالمنبر، فلولا المنابر من خلال المجلات والصحف ما كان العديد من الكتّاب، والصحافيين: محمد التابعي، فكري أباظة، مصطفى، وعلى أمين، وأنيس منصور، وغيرهم ...، ولولا مجلة «الرسالة» منبرًا ما ظهر الكثير... ولولا مجلة «الآداب» البيروتية ما ظهر السياب، ونازك، والبياتي، وعبدالصبور، والفيتوري، وغيرهم... ولولا مجلة «شعر» منبرًا ما كان: أدونيس، وأنسي الحاج، وشوقي أبي شقرا، ومؤسسها: يوسف الخال.. أمّا فيما يتّصل ب»الصوت» فلولا صوت «أم كلثوم» ما كان لكثير من الروائع لتنطلق، بدليل أن «أوقاتي بتحلو معاك» لحن: سيد مكاوي لم تستطع وردة أن تمنحها الانتشار. ولولا صوت «أم كلثوم» ما كان «لعلى بلد المحبوب» الذيوع انطلاقه رياض السنباطي الحقيقة فلم يستطع» عبده السروجي «أن يمنحها انتشارًا وقد أدّاها قبلاً. ولولا صوت «أم كلثوم» ما كان لروائع: القصبجي، وزكريا، والسنباطي أن تظهر... و لولا صوت «عبدالوهاب» ما كان لقصائد: الجندول، وكيلوبترا لعلي محمود طه، وفلسطين له. ولا «النهر الخالد»، «ويا سماء الشرق» لمحمود حسن إسماعيل، ولا «الكرنك» لا محمد فتحي ما كان لهذا القصائد أن تظهر وتشتهر.. ولولا صوت «عبدالحليم حافظ» ما كان لألحان «منير مراد» أن تظهر، وتنتشر.. ولولا عبقرية صوت «طلال مداح» ما كان لعديد من النصوص والألحان أن تظهر.. ولولا صوت فايزة أحمد ما انطلقت ألحان الموجي.. إذًا فالعبقرية المبدعة -على اختلاف حقولها- تحتاج إلى عوامل: المكان.. والمنبر.. والصوت كل الاحتياج..!!