أمام فقد المحبين، ورحيل المخلصين تتوه المفردات والتعابير، وتصبح كلمات المواساة والتعزية “عاجزة” عن ترجمة ما يجيش في الصدر ويختلج الجوارح. فما أصعبها اللحظة التي عشناها حقًّا ونحن نواري جسد الشيخ على بن محمد الساهر ثرى مقبرة الشرائع، بجوار بيت الله الحرام، ونلقي على جثمانه النظرة الأخيرة. ونستعيد رحلته الوضاءة التي عاش خلالها ملاصقًا لنا في الأفراح والأتراح طوافًا على الجميع، محبًّا للخير، مضيافًا على عادة كل أبناء قرى الباحة الكرماء. لحظات صمت طويلة استرجعنا فيها شريطًا من الذكريات تزاحمت فيه فصول الإيثار، ومشاهد الرأفة، ومواقف الرجولة حتى أننا بكينا المشوار النظيف قبل أن نبكي الصديق الراحل. لقد كان الشيخ على بن محمد الساهر أنموذجًا للرجل بكل ما تحمله الكلمة من معنى؛ لذا أرى أن تعزيته ورثاءه بعبارات الفقد تقليل لمشواره الجميل الذي نحفظه كما نحفظ أسماءنا. وأرى أن محاولة اختزال أيامه على سطور الورق أمر مجهد، بل وعصيّ المنال، فيكفي هذا الرجل منا “شهادة صدق” نقولها في كل محفل ومقام، ونكتبها بمداد لا تمحوه الأيام. رحم الله الشيخ الساهر صاحب السيرة العطرة، والتاريخ النظيف، وأسكنه فسيح جناته لقاء ما قدم من وجوه الخير ووجوه العطاء. سعيد حسين البشيري - جدة