حفل تكريم طلاب وطالبات مدارس الملك عبدالعزيز النموذجية بالمنطقة    طائرات "درون" في ضبط مخالفات المباني    أمريكا: العودة لرفع الفائدة.. سيناريو محتمل    «الضريبة علينا» على مدى شهر كامل في جدة    رونالدو.. الهداف «التاريخي» للدوري    وزير الحرس الوطني يرأس اجتماع مجلس أمراء الأفواج    «الشورى» يطالب «حقوق الإنسان» بالإسراع في تنفيذ خطتها الإستراتيجية    الأمن العام: لا حج بتأشيرة الزيارة    أمير تبوك يطلع على استعدادات جائزة التفوق العلمي والتميز    5 أعراض يمكن أن تكون مؤشرات لمرض السرطان    تحذير لدون ال18: القهوة ومشروبات الطاقة تؤثر على أدمغتكم    هذه الألوان جاذبة للبعوض.. تجنبها في ملابسك    إعادة انتخاب المملكة لمنصب نائب رئيس مجلس محافظي مجلس البحوث العالمي    الإسراع في بناء المجتمع الصيني العربي للمستقبل المشترك نحو العصر الجديد    تتويج الفائزين بجوائز التصوير البيئي    القيادة تهنئ رئيسي أذربيجان وإثيوبيا    اكتمال وصول ملاكمي نزالات "5VS5" إلى الرياض    القادسية يُتوّج بدوري يلو .. ويعود لدوري روشن    كلية القيادة والأركان للقوات المسلحة.. ريادة في التأهيل والتطوير    70 مليار دولار حجم سوق مستحضرات التجميل والعناية الشخصية الحلال    سعود بن نايف: الذكاء الاصطناعي قادم ونعول على المؤسسات التعليمية مواكبة التطور    الملك يرأس جلسة مجلس الوزراء ويشكر أبناءه وبناته شعب المملكة على مشاعرهم الكريمة ودعواتهم الطيبة    أمير الرياض ينوه بجهود "خيرات"    «أمانة الشرقية» تنفذ 3700 جولة رقابية على المنشآت الغذائية والتجارية    «مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية»: بلوغ نسبة مبادرات رؤية 2030 المكتملة والتي تسير على المسار الصحيح 87%    هيئة تنظيم الإعلام: جاهزون لخدمة الإعلاميين في موسم الحج    «جائزة المدينة المنورة» تستعرض تجارب الجهات والأفراد الفائزين    مجمع إرادة بالرياض يحتفل بيوم التمريض العالمي اليوم    مكتب تواصل المتحدثين الرسميين!    هؤلاء ممثلون حقيقيون    أمير المدينة يستقبل السديس ويتفقد الميقات    الهلال الاحمر يكمل استعداداته لخدمة ضيوف الرحمن    المملكة تدين مواصلة «الاحتلال» مجازر الإبادة بحق الفلسطينيين    رفح تحت القصف.. إبادة بلا هوادة    مؤتمر بروكسل وجمود الملف السوري    وزير الحرس الوطني يرأس الاجتماع الثاني لمجلس أمراء الأفواج للعام 1445ه    وزارة البيئة والمياه والزراعة.. إلى أين؟    أسرة الحكمي تتلقى التعازي في محمد    بطاقات نسك    إرتباط الفقر بمعدل الجريمة    تواجد كبير ل" روشن" في يورو2024    في نهائي دوري المؤتمر الأوروبي.. أولمبياكوس يتسلح بعامل الأرض أمام فيورنتينا    العروبة.. فخر الجوف لدوري روشن    أخضر الصم يشارك في النسخة الثانية من البطولة العالمية لكرة القدم للصالات    الحسيني وحصاد السنين في الصحافة والتربية    اختتام معرض جائزة أهالي جدة للمعلم المتميز    مثمنًا مواقفها ومبادراتها لتعزيز التضامن.. «البرلماني العربي» يشيد بدعم المملكة لقضايا الأمة    أمريكي يعثر على جسم فضائي في منزله    «أوريو».. دب برّي يسرق الحلويات    القارة الأفريقية تحتفل بالذكرى ال 61 ليوم إفريقيا    ولاء وتلاحم    شاشات عرض تعزز التوعية الصحية للحجاج    دعاهم للتوقف عن استخدام "العدسات".. استشاري للحجاج: احفظوا «قطرات العيون» بعيداً عن حرارة الطقس    عبدالعزيز بن سعود يلتقي القيادات الأمنية في نجران    سلمان بن سلطان: رعاية الحرمين أعظم اهتمامات الدولة    ملك ماليزيا: السعودية متميزة وفريدة في خدمة ضيوف الرحمن    إخلاص وتميز    القيادة تعزي حاكم عام بابوا غينيا الجديدة في ضحايا الانزلاق الترابي بإنغا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخطاب الإسلامي.. هل يدخل مرحلة التعدد والانفصال؟!
نشر في المدينة يوم 07 - 12 - 2010

كثر في الآونة الأخيرة الحديث عن ضرورة تكوين خطاب إسلامي يعنى بمخاطبة غير المسلمين، وهو طرح فكري بالدرجة الأولى من قبل عدد من المفكرين والعلماء الذين يرون أهمية مثل هذا الأمر في مثل هذا الوقت، مبررين ذلك بسبب ما يتعرض له الإسلام من حملة تشويه كبيرة في الخارج، فما هو مستقبل هذا النوع من الطرح؟ وهل سيلقى قبولًا ورواجًا بين العلماء والمفكرين ويعملون على تبنيه كمشروع منفصل بحد ذاته؟ البعض يعتبر مثل هذا الأمر نفاقًا ومهادنة إذ لم يعد بالإمكان إخفاء حقائق وجوهر الإسلامي الحقيقي في ظل عصر العولمة وتسارع وسائل الاتصال والفضائيات، إضافة إلى أنّ مصطلح "تجديد الفكر الإسلامي” بحد ذاته بات يشكل جدلًا قائمًا على الساحة الفكرية بين النخب الإسلامية مرجعين ذلك إلى أنّ هذا المصطلح يمكن أن يقع تحت مطرقة الضغوط الخارجية وبالتالي السماح لأصحاب الأفكار غير الدينية للترويج لفكرهم المستورد بحجة التطوير والتحديث، وحينها سينقلب الأمر على حد تعبيرهم إلى تدمير وتبديد للفكر الإسلامي. أسئلة نطرحها على عدد من المفكرين والعلماء في هذا التحقيق التالي.
ثوابت ومتغيرات
يبتدر الدكتور سعد بن علي الشهراني، المدير التنفيذي للملتقى العالمي للعلماء والمفكرين المسلمين برابطة العالم الإسلامي مؤكدًا أنّ للخطاب الإسلامي وجهين، المضمون والشكل، إضافة إلى وجود الثوابت والمتغيرات، ويقول: الثوابت لا يمكن التنازل عنها لأنّها محكمة بقواعدها الكلية، وأما المتغيرات فهي محل اجتهاد ونظر من العلماء والدعاة، وتكييف خطاب المسلمين وفق أفهام المسلمين مما حثّ عليه هذا الدين، لقوله تعالى: "وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه"، وذلك حتى يكون أقدر في إيصال الرسالة إلى الناس وفق فهمهم وتفكيرهم وواقعهم.
ويوافق الشهراني على تكوين خطاب إسلامي خاص موجه لغير المسلمين، معتبرًا أنّه لكل قطر ودولة خطاب مختلف عن الآخر، ويقول: الخطاب الموجه للغرب غير الخطاب الموجه للمسلمين والذي لا يعرف عن الإسلام إلاّ الصورة المشوّهة وأنّه دين قريب من العنف والإرهاب، ومثل هذه البيئة تحتاج إلى تصحيح الصورة المغلوطة عن المسلمين والتي تحتاج إلى خطاب خاص بها. ولا بد من سلوك مبدأ التدرج في إيصال رسالة الإسلام، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- حينما بعث معاذ بن جبل إلى أهل اليمن معلمًا لهم قال له: (إنك ستأتي قومًا أهل كتاب، فإذ جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة...)، وهذه الحادثة تفيد بأنّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- أخبر معاذ بواقع القوم بأنّهم من أهل الكتاب، ثم أكد على أهمية التدرّج في الدعوة وتحديد الأولويات فهو في البداية يعلمه بأهمية دعوتهم إلى الشهادتين والتي هي أعظم شيء في الوجود، ومن ثم انتقل إلى فريضة الصلاة.
إلاّ أنّ الشهراني يعتبر أنّ تجديد الخطاب الإسلامي وتطويره مرهون بيد العلماء والدعاة الثقات أصحاب المعرفة والنظرة الحقيقية بالواقع، وقال: هذا التجديد والتطوير لا يأتي استجابة لضغوطات الآخرين، وإما يكون بأيدينا وتحت رعاية أهل الإسلام الذين يعرفون المفاسد والمصالح، ومقاصد الشريعة، ويميزون بين ثوابتها ومتغيراتها، التجديد إذا كان استجابة لضغوط خارجية فهذا يعدّ تدميرًا وتحطيمًا لهذا الدين.
اختلاف الطرائق
وبدوره يرى عميد المعهد العالي للأئمة والخطباء بالمدينة المنورة الدكتور مصطفى مخدوم أنّ الأصل في الخطاب الإسلامي، هو خطاب واحد في أهدافه ومفاهيمه ومضامينه لقوله تعالى: (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعًا)، ويقول: القرآن خطاب الله لكل البشر سواء كانوا مسلمين أو غير ذلك، موضحًا أنّ الأولويات تختلف في أسلوب هذا الخطاب سواء إذا كان المخاطب مسلمًا أو غير مسلم، أما في المضامين فالخطاب يكون واحدًا للناس جميعًا. أما وسائل وأساليب الخطاب الإسلامي فقد يقع فيها الاختلاف بحسب الظروف والأحوال، فإذا كان الخطاب لغير المسلمين فإنّه يبدأ معهم بالشهادتين والدعوة إلى الصلاة، والخطاب الإسلامي قد يختلف لأنّه ليست هناك طريقة واحدة لمخاطبة المسلمين، حيث إن منهم من يعاني مشكلة اجتماعية، ومنهم من يعاني من مشكلة سياسية، ومنهم من يعاني مشاكل اقتصادية.
ويعتبر مخدوم أنّ ترتيب الأولويات يعدّ الأساس عند الدعاة والعلماء والأنبياء من قبلهم، حيث كانت هناك مفردات يختلف استخدامها من نبي على آخر وهذا يرجع إلى طبيعة القوم الذين أرسل إليه النبي أو الرسول، ولذلك اهتم لوط عليه السلام مع دعوته إلى الإيمان بجانب بآخر وهو الشذوذ الجنسي والذي ابتلي به قومه، حيث أفرد له جزء من خطابه لهم. ويقول: لا بد من مراعاة التنوّع في الخطاب الإسلامي، فالخطاب الموجه إلى أهل العلم يكون خطابه مختلفًا عن خطاب الناس، وتحضرنا هنا قصة عدي بن حاتم الذي كان نصرانيًا ويعتبر من المثقفين والمتدينين من بين قومه، فخاطبه الرسول -صلى الله عليه وسلم- بخطاب مختلف عن الآخرين، وقارعه الحجة بالحجة لأنّه يعد من عالية القوم، وفي المقابل فإنّه كان يكتفي عندما يأتيه أشخاص من العوام بمقالة صغيرة، والداعية كالطبيب الذي يصف علاجات مختلفة للمرضى، فلكل شخص لديه مراعاة خاصة لأحواله وكذا الأمر عند الدعاة.
ويشدد مخدوم على أهمية الحاجة لتحرير مصطلح "تجديد الخطاب الإسلامي"، ويقول: هذا المصطلح دخيل على الأمة، لذلك يجب أن يفسر ماذا يراد بهذا المصطلح، فإذا كان المراد به أن نلغى ثقافتنا الدينية بحجة أنّها لا تتناسب مع الغرب فهذا يسمى إفساد وتخريب، أما إذا كان يقصد به تجديد الأسلوب القديم، والاهتمام بالقضايا المعاصرة لمخاطبة الناس، فهذا أمر لا بأس به، ولا يصح أن نخاطب الناس بلغة عنترة أو امرؤ القيس، فهذه مفردات قد لا تكون مفهومة في العصر الحالي، وعلى الدعاة والعلماء أن يعملوا على تبسيط المصطلحات، والابتعاد عن الوعورة والتقعّر في خطابهم فهذا أحد أنواع التجديد، فالمقصود هو إيصال الرسالة للناس وإفهامهم.
حتمية التجديد
من جانبه يؤكد الداعية والمفكر الإسلامي نعمان السامرائي على أهمية تنوع الخطاب الإسلامي ويقول: من الأهمية أن نوجّه خطابًا آخر للعالم غير المسلم ونعمل على التأثير فيه. اليهود في فترة من الفترات كانوا لا يؤمنون بدعوة الآخر لديانتهم، أما الآن فقد تغيّر الوضع بالنسبة لهم وأصبحوا يدعون إلى دينهم، إذًا من باب أولى أن يقوم المسلمون بدعوة الآخرين إلى دينهم.
ويتساءل السامرائي قي حديثه قائلًا: كيف تريد أن تكسب الآخرين إذا لم تخاطبهم بما يعلمون، وتقرّب ذلك في أذهانهم؟ من غير المنطق أن نتوجه إلى الغرب ونخبره بأنّ الدين الإسلامي يسمح بالزواج من أربع نساء، فمن الضروري أن نحدث الغرب بما يطيق ويقبل، شريطة ألا نقوم بإدخال تحريفات وتأويلات في خطابنا لدى مخاطبتنا غير المسلمين وإلاّ فإنّ مثل هذا الخطاب سيصبح غير مقبول. الإسلام كان في يوم من الأيام شخصًا واحدًا وهو النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، والآن أصبح أكثر من مليار ونصف المليار، مؤكدًا أنّ مثل هذا الأمر حصل بالدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة، والجدال بالتي هي أحسن.
التناسق وعدم التعارض
وعلى الصعيد نفسه يرى المفكر الإسلامي المستشار زكي الميلاد أنّ الدعوة إلى تكوين خطابين إسلاميين منفصلين يرجع إلى اختلاف الموضوع الذي يستدعي اختلاف الخطاب، وقال: هذه قاعدة صحيحة من، حيث المبدأ. الحاجة التي استدعت تطوير وتكوين خطابين مختلفين ترجع إلى أمرين، الأول أنّ الخطاب الإسلامي كان يفتقد إلى التواصل مع غير المسلمين، أما الأمر الآخر فهو أنّ الخطاب الإسلامي وقع في إشكالية تتمثل في أنّه لم يمايز في خطابه بين المسلمين وبين غير المسلمين، ومن هنا ظهرت الحاجة إلى هذا التطور الذي يستدعي وجوب إيجاد خطاب إسلامي ليتواصل به مع غير المسلمين إلى جانب خطاب آخر يتواصل به مع المسلمين. إلاّ أنّ الميلاد يوضح بأنّ الحديث عن الحاجة إلى خطابين إسلاميين منفصلين لا يعني المقصود به المعنى الظاهري، وإنّما نحن بحاجة إلى خطاب هو في بنيته وجوهره وقواعده خطاب إسلامي يتواصل به مع غير المسلمين، ويضيف الميلاد قائلًا: بمعنى آخر لا ينبغي أن يفهم أنّ هناك ازدواجية في الخطاب الإسلامي، فلا يتعارض الخطاب الإسلامي الموجه للمسلمين مع الخطاب الموجه لغير المسلمين، وينبغي تجاوز هذه الإشكالية حتى لا يقال بوجود هذه الازدواجية في الخطاب الإسلامي، فهو خطاب واحد، لكن هناك حاجة إلى خطاب لغير المسلمين. جميع الأنبياء كانوا يخاطبون الناس على قدر عقولهم لأنّهم جاءوا لتعليم الناس وهداية مجتمعاتهم، وهذا ما يفسر الخطاب النبوي في التواصل مع مجتمعاتهم.
وحول ما يحفّ مصطلح تجديد "الخطاب الإسلامي" من مخاطر الإذعان للضغوط الخارجية، إضافة إلى أنّه يمكن أن يفسح المجال أمام أصحاب الأفكار غير الدينية لترويج أفكارهم المستوردة بحجة التطوير والتجديد يقول الميلاد: هناك إشكالية ملتبسة داخل الخطاب الإسلامي، وهذا الخطاب هو المعني بصورة أساسية في أن يعالج مثل هذا الالتباس وذلك بتفكيك هذه الإشكالية ومحاولة فهمها، واستيعاب آليات التفكير بداخلها، فهذه الإشكالية التي يحتمل أن تحمل هواجس ومخاوف، لا ينبغي أن تمنع الخطاب الإسلامي من القيام بعملية التطوير والتجديد التي باتت حاجة ملحة لضمان نجاح مخاطبة الآخرين، وهذه الحاجة نابعة من الخطاب ذاته وليس من إملاءات خارجية، فالخطاب الإسلامي الذي يتصف بالعمق، والقوة في المعنى والمضمون قادر على أن يتغلب على مثل هذه المشكلة.
إفلاس فكري
وفي ذات الإطار يؤكدّ المفكر الإسلامي الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح عدم موافقته لأطروحة عمل خطابين منفصلين إسلاميين، معتبرًا أن من يطالب بمثل هذا الطرح قد أفلس فكريًا وقال: الإسلام خطابه واحد سواء كان على الصعيد الداخلي أو الخارجي، فالتحدث مع السامع بالأحاديث التي يفهمها ليس دليلًا على إيجاد خطابيين مختلفين، وعلى الداعية إذا كان في وسط عامي أو غير مثقف أن يراعي مخاطبتهم باللغة التي يفهمونها، أما إذا كان في وسط مثقف فإنّه من الأجدر به أن يتحدث بلغة راقية وفصيحة.
ويستغرب أبو الفتوح من الذين يطرحون مثل هذا الطرح قائلًا: اليهود كان لهم أسلوب للتعامل فيما بينهم، ولكنهم مع الغير كان لهم أسلوب آخر في التعامل، الإسلام مستحيل أن يفعل مثل هذا الأمر. لذلك فإن فكرة التجديد الديني لا بد أن تكون مشروطة بقيم الشرع ومبادئه. لا أعني من حديثي أن نستخدم الخطاب الذي كان في القرون الأولى بحذافيره دون تجديد للمضمون. يمكن أن يحدث هذا التجديد، لكن لا بد أن تحكم ذلك الضوابط الشرعية، حتى لا يؤدي إلى تحليل الحرام، وتحريم الحلال.
تجديد لا تغيير
أما الباحث والمفكر الإسلامي بندر الشويقي فإنّه يوافق على ما يعرف بتكوين خطابيين إسلاميين قائلًا: هذا الطرح صحيحٌ حين يكونُ المقصود به اختلاف أولويات الخطابين، أو عن تباين منهج المحاجة والجدل، فخطابنا مع مسلم يؤمن بالقرآن يجب أن ينطلق من القرآن نفسه، أما خطابنا مع من لا يؤمن بالقرآن، فمن المفترض أن ينطلق من أرضية أخرى مشتركة عقلية أو فطرية فاختلاف الخطابين بهذا المعنى بديهة لا إشكال فيها، إذ أنّ اختلاف مدار الناس يوجب اختلاف لغة الخطاب معهم.
لكن الشويقي بات مرتابًا بعض الشيء من مثل هذا الأمر موضحًا بأنّ الإشكال يكمن في تغيير المضامين، بمعنى أن يكون للمسلمين وجهان، وجه داخلي، ووجه آخر خارجي مختلف، وقال: هذا مما لا يجوز شرعًا، كما أنّه تصرف غير عقلاني في ظل التواصل والانفتاح الذي يكشف مثل هذا التلاعب. هناك فرق بين التجديد وبين التبديل والتغيير، فالتجديد يعني إعادة إحياء ما اندرس وانمحى من أمور الدين، ويدخل في ذلك إعادة صياغتها بلغة تناسب العصر مع الحفاظ على المضمون، أما التغيير فهو المذموم شرعًا، وهو ما يقع فيه كثيرون ممن يريدون الموائمة بين التصورات الإسلامية ومنظومة الأفكار والنظم الغربية.
ويؤكدّ الشويقي أنّه لا يوجد بأس بمخاطبة غير المسلمين بخطاب آخر، إن كان المقصود ترتيب أولويات الخطابين، أو تغيير الصيغة بمراعاة الفرق بين عقل المسلم وعقل الكافر، مشددًا على أنّ تغيير المضامين، بحيث يكون للخطاب وجهان وجه للمسلمين ووجه لغيرهم، فهذا مما لا يجوز إطلاقًا، ويعدّ مسلكًاَ غير مجد.
****************
ابن بيّه: كثير من الناس لا يفهمون قضية التطوير والتجديد
من جهته يعتقد الشيخ عبدالله بن بيّه، نائب رئيس الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين أنّ الخطاب الإسلامي مسألة علمية وشرعية، ويقول: الإسلام يحثّ على مجادلة الآخرين بالتي هي أحسن، مصداقًا لقوله تعالى: "ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ"، فالإسلام هو خطاب يتوجّه إلى المسلم وغيره من الديانات الأخرى، لكن هذا لا يعني وجود انفصال بين الخطابين، وعلى أنّ الخطاب الإسلامي الخارجي ألا يناقض الداخلي فهو انعكاس له، كما و لا يوجد معيارين مختلفين في هذا الخطاب.
ويعتبر بن بيّه مصطلح تجديد "الخطاب الإسلامي" مسألة دقيقة، ومتسعة الأرجاء، منوهًا على أنّ كثيرًا من الناس لا يفهمون حق الفهم قضية التطوير عند الغرب في القرن 16 و17 الميلادي والذي يقوم على التفكير بلا حدود، ولا يستند إلى الكتاب والسنة، ولا يقوده حتى رجل دين، مشيرًا إلى أنّ التجديد في الإسلام لا بد أن يكون من قبل العلماء من أجل ربط العلاقة بين الدين والواقع، وإحياء الدين من خلال التعامل مع مقاصد الشرع. ويلمح بن بيّه إلى أنّ هناك كثيرًا من الأشخاص لا يفهمون عمق الإسلام وقد ينحرفون عن الجادة، ويقدمون تفسيرات غير صحيحة، فلا يقدمون المصالح ولا المفاسد، ولا يفرقون بين الأصول والفروع، وعليه فإنّ بين بيّه يؤكدّ على أهمية ارتباط تجديد وتطوير "الفكر الإسلامي" بالعلماء.
*****************
أبان أن التغير قد يكون في الأولويات وطرق العرض
الضحيان: هذه الازدواجية التي ينادي بها البعض براغماتية فكرية
من جهته يوضح الدكتور سليمان الضحيان الأكاديمي والناقد الثقافي أنّ هذه الازدواجية في الخطاب الإسلامي التي ينادي بها بعض المفكرين تعبّر عن فهم مصلحي "براغماتي" للفكر، وأنّ فكر الأمة المسلمة يتشكل حسب المصلحة؛ ولهذا فهو يتغير حسب المخاطب، وقال: هذا الطرح ينم عن جهل بحقيقة الفكر الذي هو في حقيقته عبارة عن مبادئ، وقيم، فالمبادئ والقيم نفسها لا يمكن أن تتغير حسب المخاطبين، لكن قد يتغير أسلوب عرضها، والأولوية في الطرح، وتوقيت العرض، فالأولوية تكون للقيم الروحية إذا كان المجتمع الموجَّه إليه مجتمعًا ماديًا، وتكون الأولوية لقيم العدل في المجتمعات التي تعاني الاضطهاد .
ويواصل الضحيان قائلًا: الأولوية وأساليب الطرح في المجتمعات الإسلامية تختلف عنها في المجتمعات غير الإسلامية، تغيير المبادئ أو القيم لمحاولة التأثير على الآخرين هو في حقيقته خيانة لها، وتشويه للدين نفسه خاصة أننا في زمن لم يعد ثمة فصل كامل بين الداخل والخارج إذ عرًّت وسائل الاتصال هذه الثنائية، وأصبحت تفاصيل حياة المجتمعات الإنسانية كلها مكشوفة، ولم يعد ثمة أسرار، وجزر منعزلة يمكن التحكم بما يطرح فيها من أفكار وقيم. تجديد الخطاب الإسلامي إذا كان نابعًا من الحقل الديني نفسه، ومحتكمًا إلى قطعياته فلا يجب أن نلتفت إلى ما يثيره بعض الغيورين من مخاوف الخضوع للضغوط الخارجية، أو مخاوف الاستغلال من أصحاب الأفكار غير الدينية، ذلك أن تحقق ضابط التجديد وهو الاحتكام إلى قطعيات الدين كافٍ للحكم بصوابية هذا التجديد، إذ أنّ وجود بعض المحاذير التي يطرحها بعض الغيورين هو عوارض قد تتحقق في غير التجديد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.