لم يكن «عبدالله» يدرك انه بعد خروجه من المسجد ستنقلب حياته رأسا على عقب عندما شاهد جاره واراد أن يسلم عليه .. ليسأله الجار عن أحواله وهل تزوج أم لا .. فأخبره عبدالله انه تزوج ولديه 7 اولاد وبنات . والمفاجأة ليست هنا بل عندما علم الجار ان عبد الله متزوج من ابنة عمته التي يعرفها الجار الذي القى ب «قنبلة» زلزلت كيان عبد الله ، عندما اخبره الرجل ان زوجته التي عاش معها 18 سنة هي «أخته من الرضاع» . عاد عبدالله إلى المنزل منكس الرأس ولم يخبر أحدا بما حدث ، وشعرت زوجته ان أمرا جللا اصابه ولكنه لم يخبرها بشيء . وفي الصباح الباكر استيقط الزوج من نومه ليبدأ رحلة البحث عن أطراف القصة ولعله يجد من يكذب ذلك الرجل الستيني الذي لقيه بالصدفة بعد أن انتقل من تلك القرية إلى قرية أخرى . وتأكد عبدالله من مصداقية الرجل ، وذهب إلى المحكمة وفسخ زواجه من أخته بعد زواج وحب استمر ل 18 سنة وأثمر هذا الزواج عن سبعة من الأبناء ،أكبرهم يدرس في المرحلة الجامعية . تلك هي المأساة التي لم تنحصر في عبد الله وشقيقته التي كانت زوجته سنوات طويلة ، بل وصل الزلزال الى كثير من البيوت السعودية .. ففي إحدى القرى بجازان طلق رجل سعودي زوجته بعد مضي 16 عاماً من العشرة الزوجية التي لم تسفر عن إنجاب ، فقد تبين للزوج له من خلال زيارة إحدى قريباته أنها سبق وأن أرضعت زوجته مع والدته ، وأن زوجته في هذه الحالة هي خالته من الرضاعة . ويتذكر المواطن ( ح م ) انه قام بطلاق زوجته ( أخته من الرضاع ) بعد عشر سنوات من الزواج وكان ثمرة ذلك الزواج ثلاثة ابناء . ويتساءل : لماذا لا يتم إخبارنا بذلك منذ صغرنا حتى لا نقع في مثل هذه الأمور . وقد اكتشف أحد المواطنين أن زوجته التي أنجبت له طفلين ، هي أخته من الرضاعة ايضا و لجأ المواطن للشرع الذي قال كلمته، وتم إبطال زواجه وانفصاله عن زوجته . مشكلة تحتاج إلى حل يقول إبراهيم بن حسن الذروي شيخ شمل قبائل الحسيني والنجوع ان لدينا في القرى سابقا تنتشر الرضاعة فالترابط الأسري كبير بين أفراد القرى فكانت المرأة أثناء ذهابها لقضاء أي من أعمالها بل إنها إذا أرادت أن تذهب وتزور إحدى قريباتها في قرية أخرى فإنها تضع بعضا من أولادها لدى جارتها أو لدى قريبتها إن كانت تسكن بجوارها ، وحتى في أثناء ذهاب المرأة للحج فإن أولادها يكونوا في مأمن خلال فترة غيابها ، وهذا الترابط الأسري الكبير نشأ عن الرضاعة بين الأسر ، ولكن حفظا للحقوق المترتبة على هذه الرضاعة فانه من الأفضل بأن يتم إشعار الابن بأمه من الرضاعة لكي يعرف حقوقها وحقوق إخوانه من الرضاعة ، فهناك الكثير من الأفراد غابت عنهم معرفة أمهاتهم من الرضاعة فحصلت مثل هذه القصص التي يروح ضحيتها زوجان وأبناء. أما طلال خواجي شيخ شمل قبيلة الخواجية فاعتبر أن مشكلة الزواج من الأخت في الرضاعة تظهر في المناطق القبلية أو في القرى وتختفي هذه المشكلة وتتضاءل مع ارتفاع نسبة التعليم والفقه في الشريعة ، وحتى في القرى نجدها قد اختفت بسبب الوعي الذي حصل لأفراد المجتمع . فيما يقول الشيخ يحيى بن علي بت شيخ قبيلة البتاته بالشقيري انه في حالة معرفة الزوج أن زوجته هي أخته من الرضاعة فهو يستطيع إبطال العقد في المحكمة، وكذلك يصح للزوجة أو الأبناء إبطال ذلك ويصح لكل من له مصلحة في إبطال العقد. حكاية أم محمد وتؤكد أم محمد انها عاشت فترة من الزمن كانت فيها النساء الذين يسكنون في الحي أخوات بمعنى الكلمة ، وكانت المرأة منا تقوم بإرضاع ابن جارتها خلال فترة نفاسها إذا كانت حالتها الصحية سيئة ، وأيضا إذا كان لديها عمل ، وكان هذا الأمر شائعا بيننا في القرى التي كنا نسكن فيها ، وكان الرجل يعرف أمه من الرضاعة ويقدرها ويبر بها كما يبر بوالدته الحقيقية . ويقول أبو خالد ان الوضع المعيشي والاجتماعي لدينا في السابق أفضل من الآن بكثير ، فقد كانت النساء تقوم بمساعدة جارتها وقريبتها ولا يوجد لديهم مانع من ذلك فقد كانت المرأة ترضع لجارتها ابنها أو ابنتها ويكون معلوما لدى الجميع هذا الأمر ، أما خلال العشر سنوات الأخيرة فإننا لم نعد نشاهد هذا الأمر بين النساء لانشغالهم في الحياة ، ولتوفر البديل كالحليب في الأسواق . من جهته قال الدكتور محمد علي أبو طالب مدير التوجيه والإرشاد بإدارة التربية والتعليم بمحافظة صبيا إن الدين الإسلامي قد صان قداسة الحياة الزوجية من العبث بها، لما يترتب على ذلك من أضرار تقع على الأسرة وعلى المجتمع الإسلامي بأكمله ، كما صان عرى هذه العلاقة وهيأ لها ولكل أفرادها أحسن أسباب العشرة.. وحسن التوافق النفسي والاجتماعي ...حتى لو كان (أبغض الحلال) أعني الطلاق علاجها الوحيد لزيادة ذلك التوافق أو لإحداثه...وللطلاق بحد ذاته العديد من الآثار السلبية على الأسرة عموماً وعلى الأطفال خصوصاً ناهيك عن آثار الصدمة لهذا القرار – الزلزال سيما طلاق الزوجة الأخت من الرضاعة هذا القرار المفاجئ للجميع (لأفراد الأسرة وللمجتمع ) ومن هنا تكون آثاره الاجتماعية والنفسية العديدة قاسية جداً إذ إن الصدمة التي يسببها الانفصال بين الرجل و المرأة في الوضع الطبيعي من أكبر وأقسى الصدمات التي قد تعترض المرأة فكيف سيكون وقع الصدمة إذا كان السبب كارثياً كالأخوة من الرضاعة . الأبناء يحصلون على حقوقهم وعن وضع الأبناء وصحة النسب يقول الباحث القانوني حسن عطيف انه متى ما ثبت أن الزوج هو اخو الزوجة من الرضاعة، فان مثل هذا الزواج باطل ويفسخ العقد على الفور.. وتلغى جميع الآثار المترتبة على هذا الزواج، حتى إن امتدت السنون به أو نتج منه أولاد . وهنا يبطل العقد ولكن ينسب الأولاد لأبيهم وفقا للمبدأ الشرعي «الولد للفراش»، ويحصل الأولاد على جميع حقوقهم ويتعاملون معهم كما يتعامل الأبناء من الزواج الصحيح. ولا تترتب على الأبناء اي مشكلة قانونية في صحة النسب، فالأب يبقى والدهم والأم تبقى هي أمهم، ولا يتأثر وضعهم القانوني بشيء حيث لهم جميع الحقوق من الإرث والنفقة وغيرها كغيرهم من الأولاد في الزواج السليم . ويقول عطيف بان هذه القضية قد حصلت لدى إحدى العائلات التي يعرفها بان إحدى بنات تلك العائلة كانت متزوجة من ابن عمتها ، وجاءت لهم إحدى النساء الكبيرات في السن وأخبرتهم بأنهما إخوة من الرضاع وأنها قامت برضاعتهما ، وذهبوا للشيخ احمد النجمي رحمه الله قبل وفاته وأفتاهم بأن النكاح لا يجوز وانه باطل ، وتزوجت البنت بعد ذلك بزوج غيره بعد أكثر من عام قضته مع زوجها الذي ثبت انه أخوها من الرضاع . من جانبه قال الشيخ علي بن محمد خواجي إمام وخطيب الجامع الشرقي بالشقيري : لا يحرّم الرضاع إلا إذا كانت خمس رضعات وكان ذلك في زمن الحولين (عامين). وتحسب الرضعة إذا امسك الطفل بالثدي ليمص اللبن حتى يصل إلى جوفه، ثم يترك الثدي لأي سبب من الأسباب ثم يعود فيفعل ذلك ثانيا، وهكذا حتى تكتمل الخمس مرات سواء كان ذلك في مجلس واحد أو عدة مجالس، وما سوى ذلك فان الرضاع لا يؤثر، كأن يكون الرضاع ثلاث أو أربع رضعات لان هذا الرضاع لا يوجب الحرمة.. وعلينا أن نوضح انه في حالة رضع الطفل بعد أن أتم السنتين من عمره فان الرضاعة أيضا لا تؤثر لان التحريم مشروط بإكمال الخمس رضعات وخلال الحولين لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا رضاع إلا في الحولين) . رئيس محاكم جازان : المشكلة تظهر أكثر في القرى يقول الشيخ علي بن جدة المنقري رئيس محاكم منطقة جازان ان هذا الموضوع يكون الحديث فيه من 3 نقاط : الأولى هي الفتوى وهذا قد أشبعته كتب السلف في الحديث عنه في باب ( الرجل إذا تزوج بامرأة وثبت انها أخته من الرضاع ) .. الثانية : التثبت وهذا فيه أمران إما قبل الزواج فانه إن حدث بأن هناك شبهة في هذا الموضوع فالأفضل أن يتجنبه .. و أما بعد الزواج فإنه يتم التثبت من خلال تلك المرأة وممن عاصروها عن عدد الرضعات ، وهل كانت مشبعات . اما النقطة الثالثة فهي قول النبي صلى الله عليه وسلم ( كيف وقد قيل ) أي انه كيف يستطيع إنسان أن يعيش مع امرأة تم إخباره على أنها أخته من الرضاع . واشار الى ان الرضاع في السابق كان موجودا بشكل اكبر لدينا في القرى حيث كان الترابط الأسري سابقا كان بشكل أفضل ، حيث كانت الأم تضع ابنها عند جارتها أو عند أختها وتذهب لقضاء عملها ، ولكن الآن لا توجد مثل هذه العلاقات الكبيرة لعدة أسباب منها قلة الحاجة لذلك حيث إن اغلب البيوت لديها الشغالات حيث هي التي تقوم بمسك الأولاد وتربيتهم ، وكذلك الآن الكثير من النساء لا تقوم برضاعة ابنها فكيف بأبناء الناس ، وما انتشار أصناف الحليب في الصيدليات والبقالات إلا دليل على عدم رضاعة الأمهات لأبنائهن ، وأيضا ازدياد الوعي لدى الناس وما يسمعونه من قصص ومآسٍ من انهيار الأسر بسبب زواج الإخوة من الرضاع . رئيس المحكمة المستعجلة : على المرأة أن لا ترضع غير أولادها الشرعيين اكد الشيخ علي بن شيبان العامري رئيس المحكمة المستعجلة بمنطقة جازان انه ينبغي أن يتحرى عند طلب الزواج من أي فتاة إذا كانت من أقاربه عدم وجود الرضاع فيما بينه وبينها ، أو فيما بينه وبين إخوانها ، وان لا يقدم على الزواج إلا بعد التأكد من عدم وجود المانع وعلى الأقارب رجالا ونساء أن يوضحوا لأبنائهم موانع زواج بعضهم من بعض وإذا كانت هناك رضاعة فإنها توضح للطفل قبل بلوغه ، ممن رضع حتى يعرف ذلك ، ويبين له حرمة الرضاع ، وما يجب للمرضعة عليه من حقوق ، وحقوق الأخوة من الرضاعة ، كما انه إذا حصل وتزوج احد من أقاربه ، فلا ينبغي لاحد ان يشكك في هذا الزواج إلا إذا كان متأكدا تماما ، لان الإخبار بالرضاعة تعتبر شهادة ، وعلى الإنسان أن لا يقدم على ذلك ذكرا كان أو أنثى إلا إذا كان متأكدا ، فإذا اقر الجميع بالرضاعة ، فحين إذن يرجع الأمر إلى القاضي في موضوع عقد النكاح ، لان الأخ من الرضاعة حكمه في ذلك مثل الأخ من النسب . واشار الى انه يجب على المرأة أن لا ترضع غير أولادها الشرعيين ، وإذا رضعت احدا فيجب عليها أن توضح ذلك للآخرين وتبين لهم ، وان يكون الولد على علم بذلك عند بلوغه بأمه الحقيقية ، وأمه من الرضاعة ، وان تخاف الله في ذلك . عضو سابق بهيئة التمييز : اتقاء الشبهات أفضل للزوج قال الشيخ احمد بن بشير معافا عضو هيئة التمييز سابقا وعضو مجلس منطقة جازان حاليا ان المرأة إذا كانت صالحة ولا يشكك في عدالتها وشهدت أنها أرضعت تلك المرأة مع ذلك الرجل فإنهما إخوة من الرضاع ، ويكون حكم الشرع بأنها أخته ويفسخ العقد ، والأولاد تبع له ، ويكون فسخ العقد لوجود الشبهة ، فهو قد بنى زواجه السابق على اليقين ، وقد وجدت قصة لدينا في ضمد بأنه بعد زواج دام أكثر من 20 سنة وجاءت امرأة وقالت إنهما إخوة من الرضاع فحضر إلي الزوج وأخبرته بأنه إذا ثبت صدق المرأة فانه يجب فسخ النكاح إذا كانت المرضعة صالحة وذاكرتها جيدة فانه تقبل شهادتها ، وانه يجب على الإنسان أن يبرأ لدينه من الشبهات لقوله صلى الله عليه وسلم ( من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ) .