لستُ سعوديًا .. ولكن المملكة موطني وإن كانت ليست لي وطنًا، أعيش فيها رغد العيش، وأتذوق فيها طعم الأمن، وأغار عليها كغيرتي على أي بلد مسلم يتعرض لأي نوع من أنواع الكوارث. فجدة.. مدينة استقبلتني بكل حفاوة ورحابة صدر وشعرت فيها منذ اللحظة الأولى أنها ليست كالمدن التي زرتها وعشت فيها سنين سواء كانت أوروبية أو عربية، فهي مدينة لها طابعها الخاص تحوي أمة بأكملها وتمتزج فيها ثقافات عديدة فالذي يعيش فيها وليس من أهلها لا يشعر بالغربة لكأنه يعيش في بلده وإنها لبلده مجازاً، ومن فارقها يحنّ إليها حنينه لوطنه. هذه المقدمة ليست تزلفاً ولا نفاقاً وإنما هو شعور حقيقي يشعر به كل من يعيش في جدة سواء أكان جداوياً من أهلها الأصليين أو كان ممن أتوا إليها من الداخل أو الخارج ولم أدر أن أحدًا عاش في جدة سنة أو سنتين ثم تركها إلا القليل.. فكل من عاش في جدة عمّر فيها العمر المديد إلا من تركها مجبرًا لظروفه الخاصة وهو باكٍ عليها.. فأنا أعمل في إحدى مؤسساتها لعشر سنوات ونيف وأنا أقل مدةً ممن وفدوا وعملوا في هذه المؤسسة فهناك من تجاوز الثلاثين عامًا في نفس المؤسسة ناهيك عن من أعرفهم في المؤسسات والشركات الأخرى الذين يعيشون النصف الآخر من أعمارهم في جدة.. وذلك بسبب ما وجدوه فيها مما ذكرته سابقاً. الشاهد أعزائي.. أنا وغيري نُكنُّ لجدة الحب الكثير وتألمنا لما أصابها وتعرضت له من كوارث وراح نتيجة لذلك الكثير من الأرواح نسأل الله أن يتغمدهم بالرحمة ويتقبلهم شهداء.. كما نسأل الله أن يعين المسؤولين في مواقعهم المختلفة على إعادة جدة إلى ما هو أفضل مما كان ولنراها مدينة لا تنقصها متطلبات المدن الحديثة (ماء وصرف بنوعيه وطرق وكهرباء). لقد قرأنا الكثير من الانتقادات والاتهامات وكذلك المبررات وهذا شيء طبيعي وصحي ولكن فلنتكاتف جميعاً لتدارك المأساة كل حسب قدرته ولو بإماطة حجر عن الطريق، كما لا يجب أن تمر الكارثة مرور الكرام فلا بد من تكريس مبدأ الحساب والسؤال وهو ما جاء في فحوى الأمر الملكي الكريم الذي صدر مؤخراً لمحاسبة المقصر أياً كان.. هكذا تقدمت الأمم وليس في ذلك حرج بل هو الشيء المطلوب ومن لا يستطيع أن يقدم شيئاً فليكن شجاعاً ويعتذر فهناك من هو أجدر بالمبادرة كما لا بد أن يكون الرجل المناسب في مكانه الطبيعي وأن يُلقَى بالمسؤولية في المناصب الحساسة لمن هو أكفأ.. في رأيي هذا هو الحل فلن تحل اللجان ولا التعويضات المشكلة.. هذه مجرد حلول سريعة للمتضررين وتبقى المشكلة والضرر الأكبر موجوداً الكامن في الأسباب التي أدت إلى الكارثة. اسأل الله أن يعين كل الحادبين على التغيير والباذلين أنفسهم من أجل جدة وأهلها على إعادة صياغة جدة الحديثة بدون كوارث طبيعية أو كوارث أخرى غير مرئية. كما لا أنسى في هذا الخضم أن أرفع صوتي عالياً سائلاً الله أن يعين الجنود البواسل في رد كيد المغرر بهم الذين انتهكوا كل القيم الإسلامية واعتدوا على بلد مسلم وشعب مسلم دون وجه حق فقط تنفيذاً لأجندة ماكرة حاقدة تريد بذلك زعزعة الأمن وتشتيت جهود المملكة.. وانتهز هذه الفرصة أيضاً لأشيد بالدور الكبير الذي تقوم به حكومة المملكة في إنجاح الحج في كل عام، هذا المؤتمر العالمي الكبير.. وإنها بذلت الكثير والكثير ولا اعتقد أن أحدًا على وجه هذه البسيطة يستطيع أن يقول غير ذلك. طارق محمد مصطفى - جدة