تعيش المصارعة الحرّة في المكسيك مرحلة صعبة، إذ أن جائحة كوفيد-19 "غلبت" هذه الرياضة الضاربة جذورها في الثقافة الشعبية، وحرمتها جمهورها، ما دفع إلى نقل مباريات ال"لوتشا ليبري" من القاعات إلى الهواء الطلق. وفي صورة غير مألوفة، يحمل أحد القوارب نحو 12 من ال"لوتشادورس" الذين صنعت شهرتَهم أقنعتُهم الملوّنة والعدائية كما عضلاتهم المفتولة. ويصافح هؤلاء بعضهم بعضاً، فيما يتنقل القارب بين جزر سوتشيميلكو الصغيرة في جنوبالمكسيك، في شبكة من الأقنية شقها الأزتيك. هنا، بين النباتان الكثيفة، يكتشف المصارعون حلبة المصارعة الجديدة التي سيتبارون عليها بدلاً من خوض المباريات في إحدى القاعات التي اضطرت إلى إقفال أبوابها بسبب جائحة كوفيد-19. هذه الحلبة التي أقيمت في الهواء الطلق ستشهد مباريات بين المصارعين تُصوَّر بالفيديو وتُسجّل وتُعرَض لاحقاً عبر الإنترنت بهدف جمع الأموال اللازمة لتأمين استمرارية مزاولي هذه الرياضة التي يعشقها المكسيكيون. ونظراً إلى عدم وجود مدرّجات يحتشد عليها جمهور يشجّع هذا أو يهتف لذاك، فإن الساحة لفي هذه المحمية الطبيعية، متروكة لجمهور العصافير. ولا شك في أن ثمة تناقضاً صارخاً في المشهد بين زقزقاتها الناعمة ووحشية المصارعين وبنيتهم الجسدية الضخمة. وقال أحد هؤلاء المصارعين ويُدعى "سيكلونيكو" لوكالة فرانس برس، وهو يضع على وجهه قناعاً يمثل عظاية من نوع "أكسولوتي" يوجد مثلها بين نباتات سوتشيميلكو، إن "إقامة المباريات على حلبة مقفلة أمر مستحيل في ظل الجائحة". وأضاف "سيكلونيكو" (24 عاماً)،"لهذا السبب، قررنا الانتقال إلى هذا المكان الساحر". من على إحدى أشجار المكان، تتدلى كرة ورقية على شكل فيروس عملاق، تذكّر بأن الوفيات الناتجة من فيروس كورونا في المكسيك تقترب ببطء ولكن بثبات من حافة الخمسين ألفاً، وبأن عدد الإصابات وصل إلى نحو 450 ألفاً من أصل مجمل السكان البالغ عددهم نحو 128 مليوناً. وهذه المباريات التي تسجّل تُعرَض في نهاية الأسبوع، وعلى من يرغب في مشاهدتها عبر الإنترنت أن يدفع مبلغ 30 بيزوس (1,35 دولار)، على أن يوزّع المبلغ الذي يُجمَع على المصارعين. "تباعد" يتولى معلّقان شديدا الاندفاع مواكبة المباريات عبر الميكروفون ولا يترددان في تطعيم الوقائع ببعض الإضافات والمبالغات من عندياتهما توخياً لزيادة جرعة الحماسة، لكنّ الجمهور لا يتجاوب لأنه ليس سوى مجموعة من العصافير، هي البديل من جمهور "أرينا مكسيكو"، أهم قاعة للمصارعة الحرة في مكسيكو. وتصل الحماسة إلى ذروتها عندما يحاول يوشيوكا الذي يضع قناعاً يابانياً اقتلاع قناع منافسه "رعد"، علماً أن الإذلال الأقصى للمصارع يتمثل في كشف وجهه. ويتدخل الحكم ليصرخ في المتصارعين "منوع المسّ بالقناع"، بعدما كان قبل المباراة طلب منهما احترام "التباعد السليم". وفي المباراة التالية، تحطمت طاولة من البلاستيك شرّ تحطّم وتقطّعت إرباًتحت ثقل المصارعين "إكس ديفيل" و"بيغ فيليب جونيور". ويكتسب صراخ المصارعين حجماً مضخّماً وسط صمت الطبيعة في المكان، وخصوصاً عندما يوجّه "شوكر" إلى منافسه شتيمة مكسيكية من العيار الثقيل تستهدف أمّه. لكنّ جميع المصارعين يفتقدون تصفيق الجمهور وصراخه استحساناً أو استهجاناً. وعلّق شوكر قائلاً "نشعر بفراغ، بثغرة، لأن الجمهور هو الذي يحفزّ المصارع، ويضاعف طاقته، وحركته المفرطة، وتصميمه على الفوز. نعم. اشتقت إلى ذلك". "وزن كبير" أقرّ هذا المصارع المخضرم بأن العودة إلى الحلبة كان صعباً بسبب زيادة الوزن الناجمة عن توقف الحركة خلال مرحلة الحجر. وأضاف شوكر "نعم. أصارع الصعوبات الاقتصادية، ولكن الحمد الله أننا نملك الصحة وما نأكله. أنا مُتعَب، واكتسبت الكثير من الوزن، لكنّ جسمي يستعيد لياقته". وشاطره أغيلا ماغيكا حماسته للعودة إلى الحلبة. وقال هذا العملاق، وهو عامل بناء عندما لا يكون مصارعاً "هذا جيد. أشعر بأنني تحررت".