الرئيس المصري يُغادر جدة بعد أدائه مناسك الحج    نائب أمير مكة يستقبل وزير الحج ووزير النقل والخدمات اللوجستية وقائد قوات أمن الحج    موسكو تحذّر كييف من رفض مقترحات السلام    «الصحة»: 2764 حالة إجهاد حراري بين الحجاج أول أيام العيد.. تجنبوا الخروج وقت الذروة    انخفاض سعر الروبل أمام العملات الرئيسية    نائب أمير مكة يطّلع على الخدمات المقدمة لضيوف الرحمن وجاهزية خطط أيام التشريق    تفادياً لانضمام سموتريتش وبن غفير.. نتنياهو يحل مجلس الحرب    باحثون: دور الأسلحة النووية بات أكثر وضوحا في العلاقات الدولية    وكيل إمارة القصيم يعايد المرضى المنومين بمناسبة عيد الأضحى المبارك    بيئة القصيم : 8 الاف اضحية تستقبلها المسالخ أول أيام عيد الأضحى    المتطوعون : دعوات الحجيج واكتساب المعارف شجعتنا على التطوع    تراجع أسعار النفط إلى 82.22 دولارًا للبرميل    الصحة توصي الحجيج بتأجيل رمي الجمرات حتى الساعة ال4عصرا بسبب ارتفاع درجات الحرارة    مصرع 5 أشخاص في حادث تصادم قطارين في الهند    «الأرصاد»: «49 درجة مئوية» الحرارة العظمى المتوقعة في منى ومكة.. اليوم    التوقع بهطول أمطار على معظم مناطق المملكة    كاليفورنيا ..حرائق تلتهم الغابات وتتسبب بعمليات إجلاء    رونالدو "ماكينة" الأرقام القياسية يتطلع إلى المزيد في ألمانيا    الحكومة الهندية تدرس خفض الضرائب لزيادة الطلب    ضخ أكثر من 3 مليارات لتر من المياه العذبة خلال يومي التروية وعرفة واليوم الأول للعيد    الاحتلال الإسرائيلي يحرق صالة المسافرين بمعبر رفح البري    1 من كل 7 بالغين مهدد بالابتزاز الجنسي    رئيس "سبل" يهنئ القيادة بمناسبة حلول عيد الأضحى    عبدالعزيز بن سعود يلتقي منسوبي الإدارة العامة للتوجيه والإرشاد بوزارة الداخلية    الشؤون الإسلامية تعايد ضيوف خادم الحرمين الشريفين بعيد الأضحى المبارك    الرئيس التنفيذي للهيئة السعودية للبحر الأحمر يهنئ القيادة بمناسبة عيد الأضحى المبارك    أمير جازان يستقبل المهنئين بعيد الأضحى المبارك    «الإحصاء»: التضخم يواصل استقراره.. وصعود طفيف للأسعار    وليّ العهد يستعرض مع شارل ميشيل القضايا الإقليمية    الداخلية: إدارة الحشود صناعة سعودية ندرّسها للعالم    40 نيابة لمباشرة القضايا في الحج    دقيقتان تفصلان حاجة باكستانية عن العثور على هاتفها    وليّ العهد والرئيس السيسي خلال لقاء أخوي بمنى    «السراب» يجمع يسرا اللوزي وخالد النبوي    مصادر «عكاظ»: هتان يحدد مصيره «الاحترافي» عقب رحلة أمريكا    تزامناً مع العيد.. أسعار «الشوكولاتة» تواصل صعودها    في أمنٍ واطمئنان.. الحجاج يستقرون في منى    استثمار منصات التواصل في تجديد الخطاب والرد على شُبُهاتِ أهل الإلحاد    قتل تمساح ابتلع امرأة !    محافظ الطائف يهنئ القيادة بمناسبة عيد الأضحى المبارك    1 من 6 مصابون به.. هذه المشكلات وراء العقم في العالم    5 فوائد صحية لماء البامية للرجال    ولي العهد يتبادل التهاني مع ملك البحرين وأمير الكويت والرئيس التركي ويتلقى اتصالاً من رئيس المجلس الأوروبي    العيد.. فرصة للتجديد!    العيال لم تكبر !    في فمي ماء !    نستثمر في مستقبل المملكة والعالم    ردة الفعل تجاه مستيقظي العقل    عاتق البلادي يحصي آثار أم القرى    د. السعدي وسالف الذكريات    الكتابة العلاجية    دعم سعودي لجهود إنهاء الصراع الروسي - الأوكراني    الأمير خالد الفيصل يهنئ خادم الحرمين وولي العهد بحلول عيد الأضحى المبارك    أمير منطقة تبوك يؤدي صلاة عيد الأضحى المبارك مع جموع المصلين    "الصحة" توضح كيفية تجنب الإجهاد العضلي في الحج    الكشافة تواصل جهودها بإرشاد الحجاج التائهين في مشعر عرفات    عروض مسرحية وفلكلور شعبي في احتفالات الشرقية بعيد الأضحى    «الكانفاس» نجمة الموضة النسائية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خالد بن عبدالرحمن العوض
عملاق الثقافة العربية يترجّل
نشر في الجزيرة يوم 10 - 07 - 2008

ليس من السهل أبداً أن تستقبل صاعقة خبر وفاة عالم ومفكر عربي مسلم كالأستاذ الدكتور عبد الوهاب المسيري إذا كنت فعلاً تتلمذت على يديه في محاضرات مثيرة كتلك التي كان يلقيها علينا داخل أروقة قسم اللغة الإنجليزية في جامعة الملك سعود، ولا يمكن أن ننساها نحن الطلاب آنذاك، حيث كان الأستاذ الفذ في قمة نضجه الفكري ويتمتع بصحة جيدة ولم يُصَب بعد بسرطان الدم الذي أنهكه آخر حياته الأمر الذي انعكس إيجابياً علينا نحن طلابه فاستفدنا من محاضراته في حياتنا العامة.
لم يدر بخلدنا نحن الطلاب أن أستاذنا الفذ يعكف أثناء تدريسنا على تأليف عمله الأسطوري (اليهود واليهودية والصهيونية) رغم أن الاستطرادات التي كانت تمتعنا أثناء محاضراته كانت جُلّها تتحدث عن بناء المصطلحات واشتقاقها وقضايا مثيرة عن الليبرالية والبراجماتية واليهود والصهيونية من وجهة نظر موضوعية وحيادية، إذ كان كثيراً ما يستشهد بمراجع متنوّعة قديمة كالعهد القديم والعهد الجديد وحديثة لم نكن قادرين على الاطلاع عليها آنذاك من الحوليات والمجلات والصحف كالنيويورك تايمز واليو أس آي تودي والجيبروسلم بوست، بل إنه قد يضطر أحياناً أن يلخص لنا حبكة فيلم هوليودي مشهور كان قد شاهده لكي يقنعنا بالإيحاءات الخفيّة لمصطلح نقدي يريد أن ينحته في مشروعه الضخم.
رحم الله عالمنا الكبير الدكتور عبد الوهاب المسيري فقد كانت بساطته المدهشة وتواضعه الجم وابتساماته الجميلة التي كان يملأ بها أروقة قسم اللغة الإنجليزية في جامعة الملك سعود جانباً إنسانياً آخر يعكس روح العالم المفكر الذي يجعلك تتابع ما يقول رغماً عنك.
لم يكن المسيري يتمتع فقط بالقدرات الخارقة في البحث العلمي والتأصيل، بل إنه كان قادراً على تبسيط وتوصيل هذا الفكر العلمي البحت إلى المتلقي بطريقة جذابة ومثيرة وبلغة إنجليزية قل أن تجدها لدى أستاذ آخر. أما محاضراته العامة التي كان يقيمها خارج نطاق المقررات الدراسية بدعوة من الجامعة أو كلياتها فقد كانت من ذلك النوع الذي لا تملك إلا أن تصفق بحرارة شديدة مع كل وقفة يلتقط فيها المسيري أنفاسه لمتابعة حديثه الحماسي الذي لا ينتهي. لا يمكن أن أنسى تلك المحاضرة العامة التي ألقاها في المبنى المقابل لكلية الآداب في جامعة الملك سعود والتي كان يتحدث فيها عن إطلاق القمر الصناعي الإسرائيلي آنذاك والتي كانت من الجودة والرقي بحيث كان يقابل فيها بعاصفة من التصفيق كلما توقف المسيري عن الكلام. لست مضطراً أن تعرفه شخصياً لتتفاعل معه، بل إن جل الحاضرين في تلك القاعة لا يعرفونه لكنهم أدركوا تميّز الفكر الذي كان يتمتع به المسيري. لا يستخدم المسيري الأسلوب الوعظي المباشر الذي يستخدمه بعض المحاضرين والخطباء لكنه كان يستخدم الحقائق الصادمة ويقدّمها بأسلوب راق مثير يجعل المتلقي يقف مذهولاً بين دهشة اكتشاف الحقيقة ودهشة الإعجاب بأسلوب تقديمها.
لم يكن يتوفر للدكتور عبد الوهاب المسيري قنوات التفجير المعرفي التي تتوافر اليوم لطلاب العلم، بل كان يبحث عن المعلومة باستخدام الأسلوب الصعب والشاق من مصادرها الورقية الأولى متنقلاً بين جامعات أمريكا فأصدر لنا عمله الضخم المتمثّل بموسوعته الأسطورية عن اليهودية ومؤلفاته الكثيرة حول الصهيونية والفلسفة الغربية الحديثة والتي نشرها بعد الموسوعة وحتى قبل وفاته بقليل، إذ إن هناك أكثر من كتاب ينتظر دوره في النشر. كل هذا الجهد الخرافي وهو يعاني من سرطان الدم الذي أثقل كاهله لكنه لم يستطع من إيقافه فكرياً وعلمياً. الجهد الخرافي الذي كان يقوم به المسيري لم يكن يستطع أن يقوم به جيش ضخم من الباحثين لأنهم ببساطة لا يملكون الرؤية الشاملة التي يمتلكها هذا العالم الجليل، لكنه مع ذلك قدَّم جهداً فكرياً وحده لا يقوم به إلا المؤسسات الكبيرة فكان أن احتاج في نهاية حياته إلى عدة عمليات جراحية في المخ.
سنفتقد الدكتور المسيري حقاً نحن طلابه من الذين درسوا على يديه في جامعة الملك سعود بالمملكة العربية السعودية ولن ننسى فضله أبداً ما حيينا وسنكون جميعاً ضمن جمعية أحباء المسيري الذين يتابعون فكره ويروّجون لثقافته النادرة.
حقيقة، ليست عائلته فقط من يستحق التعزية بوفاة هذا العالم الجليل، بل كل من عرفه وأحبه وقرأه واستمع إليه ومن سيقرأ له وسيحبه من الأجيال القادمة. من يدري ربما يلقى التكريم الذي يستحقه بعد وفاته من التاريخ الذي سيسجّل له أعماله الأسطورية الخالدة التي تركها لنا بعد وفاته وهي كثيرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.