عرف الإنسان الطبل منذ القدم استخدمه في أفراحه وأحزانه وحروبه واتخذ منه وسيلة للإعلان عن أحداث جرت أو تنبيه الناس إلى أمر سوف يكون. ولما فرض الله عزّ وجلّ الصيام، كان للطبل دوره الذي ينتظره وهو تنبيه الناس وايقاظ النائمين لكي يستعدوا للسحور حتى لا تأخذهم الغفلة والنوم ويفاجئهم أذان الفجر دون أن يطعموا ما يعينهم على تحمل الصيام. وانتشرت هذه الوسيلة المبتكرة في معظم البلاد الإسلامية التي عرف فيها القائم بهذا الأمر باسم (المسحراتي) وسماه أهل الأحساء ب(أبوطبيلة) في إشارة إلى صغر الطبلة التي يدق عليها إيذاناً باقتراب وقت السحور. وتختلف شعائر هذه الحرفة من بلد إلى بلد حسب عاداتها وتقاليدها. أما المسحراتي نفسه فقد روعي أن تتوافر فيه السمعة الحسنة إضافة إلى ضرورة معرفته الكافية بكل شوارع وحارات وأزقة البلد الذي يجوبه حاملاً طبلته. وفي القرى والمدن الصغيرة نجد المسحراتي يعرف أسماء أصحاب البيوت وينادي على كل واحد باسمه حين يدعوه في سكون الليل. إلى جانب ذلك يحفظ المسحراتي بعض الأهازيج أو الأناشيد الدينية لكي يرددها أثناء طوافه الليلي الذي ربما يتبعه فيه بعض الأطفال يشاركونه النداء والدعاء بالخير في الشهر الفضيل. وفي الاحساء ذات الأصل التاريخي المديد عرف الناس أبو طبيلة منذ زمن وما زال بعض كبار السن يحفظون في الذاكرة تجوالهم خلفه في صغرهم وما زال بعضهم يتذكر تلك الأناشيد التي كانوا يرددونها وراءه. وإن يكن المسحراتي أبوطبيلة انقرض من بلاد كثيرة إلا أنه ما زال يمارس مهنته العزيزة في الأحساء حيث لم ينقطع عرق التوريث عن امداد المنطقة بقراها ومدنها بمسحراتية من كل جيل وفي كل زمن.يبدأ أبو طبيلة جولته الرمضانية منذ ليلة ثبوت الرؤية وحتى قبل العيد، وقبل وجود الإنارة في الأحساء كان يصاحبه شخص يتناوب معه كل العمل فيمسك أحدهما بالطبلة والآخر بفانوس لإضاءة الطريق. حفظ الناس لأبو طبيلة الكثير من الأناشيد التي تدعو النائمين إلى الاستيقاظ والتأهب للصيام وما زالت بعض هذه الكلمات التي يدندها أبو طبيلة ويلحنها بفطرته محفورة في ذاكرة الذي يرددها وهو يستعذب كلماتها كأنه يتذوق طعم التاريخ ويشم رائحة الزمن التي تفوح من عصير الكلمات: اقعد اقعد يا نايم واذكر ربك الدايم واشرب أقطيرة قراح قبل يصبح الصباح طوال الشهر الكريم يظل أبو طبيلة يردد تلك الأنشودة البسيطة التي تلخص حكمة السحور وفي الأيام الأخيرة من رمضان يستبدل أبو طبيلة أنشودة السحور بأنشودة أخرى يودع فيها أيام البركة ويبلغها السلام: الوداع الوداع يا رمضان عليك مني السلام يا رمضان وفي العيد يبدأ أبوطبيلة في جني ثمار تجواله وتطوافه وقيامه على تسحير الناس فيستيقظ صبيحة أول أيام العيد ويطوف على المنازل بصحبة عربة الكاري أو الحمار ودون طبلة هذه المرة لجمع ما يهبه إياه أصحاب المنازل من التمر والأرز والهدايا المتنوعة وقد يعطيه البعض مبلغاً من المال تكريماً له على قيامه بهذه الخدمة.