في مثل هذا اليوم من عام 1939 عاد السياسي البريطاني الأشهر ونستون تشرشل إلى الحكومة مرة أخرى كوزير للبحرية في بداية الحرب العالمية الثانية في حكومة رئيس الوزراء ديفيد تشمبرلن. في عام 1905 أصبح ونستون تشرشل وزيراً للمرة الأولى، ولم يكن عمره يتجاوز الواحدة والثلاثين. وقد أدهش الجميع بمقدرته الخطابية، وطموحه، وحبه للظهور. وبدا واضحاً أنه يريد أن يصعد في قمة السلطة حتى يصل إلى أعلاها. فمنذ البداية قال لأحد زملائه وكانا في مهمة رسمية في الخارج: سوف أصبح رئيساً للوزراء قبل عشر سنوات.. وبعد أن تعشى معه، قال أحدهم عنه في تلك الفترة: الشيء الذي أدهشني فيه هو أن شخصيته مضطربة وهائجة، فهو يتحرك باستمرار، ويؤشر، ويضرب على الطاولة، ويضحك، ويزمجر، ولا يهدأ تقريباً. ولكنه يتمتع بجاذبية شخصية قل نظيرها. وكانت وزارة المستعمرات أول وزارة يتولاها تشرشل وذلك عام 1905. وكانت القوى العظمى قد اقتسمت إفريقيا عندئذ ونالت إنجلترا وفرنسا حصة الأسد منها. فإنجلترا أصبحت مكلفة بالإشراف على مصر والسودان في الشمال، وإفريقيا الجنوبية في الجنوب. وكذلك كان من حصتها نيجيريا، والصومال، وكينيا، وأوغندا، إلخ. وأدرك تشرشل أن نجاحه في إدارة المستعمرات سوف ينعكس على وضعه الداخلي وعلى مستقبله السياسي. والواقع أن رفاهية بريطانيا كانت تعتمد أيضا على استغلال المستعمرات، وعلى إمبراطوريتها التي لا تغيب عنها الشمس. وكانت الطبقة السياسية البريطانية منقسمة آنذاك إلى قسمين: قسم يعتقد أن بريطانيا وصلت إلى القمة وابتدأت الانحدار. وبالتالي فينبغي الاعتراف بالأمر الواقع وعدم التركيز على الأمجاد الخارجية كثيراً. وقسم يعتقد العكس: وهو أن بريطانيا سوف تظل قوة عظمى وينبغي أن ترسخ مواقعها أكثر فأكثر في المستعمرات ومن بين هؤلاء كان تشرشل. وتولى العديد من المناصب الوزارية حتى عام 1940 عندما خرج تشمبرلن من الحكومة البريطانية بسبب تدهور الموقف العسكري لبريطانيا في الحرب العالمية الثانية ليصبح تشرشل رئيسا للوزراء. وفي هذا اليوم قال لأحد مساعديه: كل حياتي السابقة، وكل الأربعين سنة التي أمضيتها في حلبة السياسة لم تكن إلا تحضيراً لهذا اليوم الموعود حيث أصبحت رئيساً للوزراء وقائداً لبريطانيا العظمى.