روى الإمام مسلم في صحيحه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- (أن امرأة بغيا رأت كلبا في يوم حار، يطيف ببئر، قد أدْلعَ لسانه من العطش، فنزعت له بموقها، فغفر لها) وفي رواية عند البخاري: (غُفر لامرأة مومسة مرت بكلب على رأس ركي يلهث، قال: كاد يقتله العطش، فنزعت خفها، فأوثقته بخمارها، فنزعت له من الماء فغفر لها بذلك). ففي هذا الحديث الشريف ينقل لنا أبو هريرة رضي الله عنه، عن نبينا صلى الله عليه وسلم، قصة هذه المرأة الإسرائيلية البغي المومسة التي تتعاطى الزنا، وتجعله مهنة ترتزق من خلالها، هذه المرأة رأت كلباً، في يوم شديد الحر، اشتد به العطش، إلى درجة أنه صار يدور حول البئر ويلهث ويدلع لسانه، يكاد أن يقتله العطش؛ فتاثرت من منظر هذا الكلب العطشان، ورقت له ورحمته، فماذا فعلت؟ لا يوجد لإخراج الماء من البئر آلة ولا حبل ولا دلو! فقامت ونزعت خفها وأوثقته بخمارها، وأخرجت الماء من البئر وسقت الكلب، فعلت ذلك رحمة به، فرحمها الله بسبب رحمتها له، لأن الجزاء من جنس العمل كما جاء في الحديث الحسن الصحيح: (الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا أهل الأرض يرحمْكم من في السماء). ولاشك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حينما ذكر لنا قصة هذه المرأة يريد منا أن نتخلق بهذا الخلق النبيل، ونتصف بهذه الصفة العظيمة، التي أثنى الله عز وجل على من اتصف بها فقال تبارك وتعالى: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ}وأيضاً لنسلم من الشقاء؛ لأن الأشقياء لا يوجد في نفوسهم رحمة لغيرهم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تُنزَع الرحمة إلا من قلب شقي). إننا بحاجة إلى أن نتراحم فيما بيننا؛ لأننا بحاجة لرحمة ربنا الرحمن سبحانه، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في الحديث السابق: (الراحمون يرحمهم الرحمن) وإن كانت الرحمة سبباً للمغفرة لزانية لأنها سقت كلباً، فكيف تكون نتائجها عندما تكون لعباد الله من المؤمنين، لاشك أنها نتائج عظيمة. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) والحديث متفق عليه. ليكن في قلوبنا رحمة للناس كافة ليرحمنا الرحمن، ففي الحديث يقول صلى الله عليه وسلم: (من لا يرحم الناس، لا يرحمه الله) يقول العارف البوني: فإن كان لك شوق إلى الرحمة من الله، فكن رحيماً لنفسك ولغيرك، ولا تستبد بخيرك، فارحم الجاهل بعلمك، والذليل بجاهك، والفقير بمالك، والكبير والصغير بشفقتك، ورأفتك، والعصاة بدعوتك، والبهائم بعطفك، ورفع غضبك، فأقرب الناس من رحمة الله أرحمهم لخلقه. وإن كانت الرحمة مطلوبة من المسلم للحيوان وغيره، فإن هناك صنفاً من الناس، ينبغي لكل مسلم أن يكون رحيماً بهم، وهم: أولو الأرحام، والوالدان، فهؤلاء هم أولى الناس بالرحمة، يقول تبارك وتعالى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}وكذلك الرحمة بالأيتام والمرضى، والأجراء والخدم؛ والراحمون يرحمهم الرحمن.