ولي عهد الكويت: نعتز بالعلاقة المتميزة مع المملكة    المملكة تجدد دعوتها لوقف التصعيد في غزة    وزير الخارجية يشارك في جلسة التواصل الوزارية لمجموعة بريكس    وزير الإعلام يزور جناح «الداخلية» في معرض ملتقى إعلام الحج في مكة    إزالة 18 ألف م2 مبان مهجورة بالشرقية    «مكافحة المخدرات» تقبض على 3 مقيمين بجازان لترويجهم 1.1 كيلوغرام «شبو»    وصول 1.54 مليون حاج عبر جميع منافذ المملكة    تعليق التعاون الروسي - الإيراني    مقتل نائب رئيس مالاوي ومرافقيه في حادث طائرة    البرق ينضم لإدارة النمور    الآسيوي يشيد بتنظيم بطولة العالم    الموافقة على افتتاح جمعية خيرية للكبد بجازان    لحيازته سلاحاً أثناء تعاطي المخدرات.. محكمة أمريكية تدين نجل بايدن بثلاث تهم جنائية    استقبال ذوي التوائم السيامية ضمن ضيوف برنامج خادم الحرمين للحج    السعودية للكهرباء تعلن عن تفاصيل استثماراتها ومشاريعها لحج 1445 ه    سفير المملكة في الأردن يودع 1000 حاج وحاجة فلسطيني    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على الأميرة منيرة بنت محمد بن تركي    المعارضة البريطانية تتقدم.. وسوناك يربك المحافظين    توفير البيئة الآمنة للكشافة في معسكرات الخدمة العامة    تعزيز الخدمات لذوي الاحتياجات الخاصة بالمدينة المنورة    فضائل العشر من ذي الحجة    بيع تذكرة تدريب رونالدو مع البرتغال مقابل 858 دولار    العاهل الأردني: شبح المجاعة يهدد غزة.. السيسي يدعو لدعم «الأونروا»    موعد مباراة السعودية والأردن اليوم    المظالم ومدن يوقعان اتفاقية للربط الرقمي    أكثر من 15 ألف مستفيد من حملة "سلمان للإغاثة" لتحصين الأطفال ضد مرض الحصبة في اليمن    زيادة في عدد الإصابات بحمى الضنك والأمراض المرتبطة بالبعوض في أوروبا    وفدٌ مجلس الشورى يقوم بزيارة إلى الهيئة الملكية بالجبيل    الذهب يفقد بريقه والنفط فوق 80 دولاراً    إلزام الجهات الحكومية برفع خدماتها على "توكلنا"    فاطمة الغامدي تحصل على الماجستير في العلاقات العامة بتقدير ممتاز    صندوق الشهداء والمصابين والأسرى والمفقودين يستعد لاستقبال الحجاج    اليوم.. التفويج "الأكبر" للحجاج من المدينة لمكة    النوم يساعد في تحسين الصحة بشكل عام    «أبل» تستعد لإبهار العالم بتحديثات كبيرة في مؤتمر المطورين    ارتفاع أسعار النفط إلى 81.63 دولارا للبرميل عند التسوية    وزير الإعلام يدشن "ملتقى إعلام الحج" بمكة    بينالي الفنون الإسلامية 2025 بجدة    وزير الداخلية يتفقد المشاريع التطويرية في المشاعر    صفقة القادسية.. أرقام كاستيلس حارس بلجيكا    "الصحة": ارتفاع درجات الحرارة أكبر تحديات الحج    تعزيز بناء الجدارات للمنشآت الصغيرة والمتوسطة بغرفة الشرقية    «الدفاع المدني»: تجنبوا الزحام وراعوا كبار السن في المسجد الحرام    اللامي ل«عكاظ»: ناظر سيعيد العميد لطريق البطولات    الرئيس التنفيذي للمساحة الجيولوجية يناقش التعاون الجيولوجي في كازاخسان    أمن الحج.. خط أحمر    إثراء يفتح باب التسجيل في مبادرة الشرقية تبدع بنسختها الخامسة    هل يصبح عمرو دياب منبوذاً ويواجه مصير ويل سميث ؟    نائب أمير مكة اطلع على المشاريع وخطط التشغيل.. المشاعر المقدسة.. جاهزية عالية لاستقبال ضيوف الرحمن    للمعلومية    أمير المدينة يوجه باستمرار العمل خلال أيام إجازة عيد الأضحى    مريضات السكري والحمل    استثمار الوقت في الأنشطة الصيفية    " نبتة خارقة" تحارب تلوث الهواء    البذخ يحتاج لسخافة !    ساحة المحاورة تحتاج إلى ضبط    "نادي نيوم" يتعاقد مع البرازيلي رومارينيو    عرض عسكري يعزز أمن الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



متعة النظر للحقول الغناء والإصغاء (لبنات وضيحان) في حنينهن للكلأ
« الجزيرة » في زيارة لقرى (حلاّبة الناقة)
نشر في الجزيرة يوم 13 - 01 - 2005

* القريات - سليم صالح الحريص/تصوير - حمدان حسين عثمان:
قوافل مرت على موارد هذا الوادي في ذهابها إلى مواطن الاخضرار في سهول البلقاء وحوران وإيابها إلى نجد وما حولها... واد خليّ من أي تجمع سكاني باستثناء قرى الملح.. أرض خلاء لا تسكنها إلا السباع.. تشكو الوحشة ويسكنك الخوف فيها...
تستعيد الصور.. تستعيد ذاكرتك.. وتستعيد ذاكرة المكان... تطالع عن شمالك وعن يمينك.. ارتحال إلى الأمس.. عودة إلى صفحات من تاريخ... إلى سطور يطيب لك قراءتها حين تزفك مشاعرك إلى ماضٍ له في النفس مكانه.. حين تشتاق المراكب لأن ترسو في موانئ الحلم البعيد.
الصور تترى.. لتتشكل منها لوحة تجمع كل الحكايات وتنسج منها قصة تحضر خُطّت بأناة وصبر وكفاح.. لوحة الانتجاع.. حين ينوض البرق وينثر الوسمي ديمة ويشق الرعد بصوته أرض الخصب والنماء.. تشدك صورة الظعن.. قطعان الماشية وهي تنتشر في المفلا.. تطوح بأصواتها في الفضاء الرحب... إبل تقطف من كل غصن أخضر مشكلة لوحة ولا أجمل.. قطين البيوت السوداء وهي تعطي للأرض جمالاً يتوجها اخضرار السهل والسفح... تلك الصورة غابت !! تبحث عنها في كل المنازل القديمة. التي تذكرها.. في الحرة.. في الخلاد.. في الشامة.. في كل الأماكن التي اعتدت رؤية تلك البيوت التي عُرف أهلها ب(حلابة الناقة) واعني قبيلة الشرارات... وهي لهم.. وصفة اكتسبوها بفعل ايمانهم وتوارثوها من الأمس واشتهروا بها وما زالوا كذلك.
وها أنا استشهد بأبيات للأمير الشاعر تركي السديري رحمه الله بقوله:
سق الركايب يابن حمدان
شحذة هل البخل ما تواتي
اترك حلايب هل الظلعان
ما بهن لبن درهّن فاتي
ياعل وبل الحيا هتّان
يسقي بلاد الشراراتي
ذبّاحت الحيل والخرفان
وخلافهن در خلفاتي
واليا اعتلوا فوقهن فرسان
ومن طاح بوجيههم ماتي
أما الشاعر شايع الرباح السنا في علية رحمة الله والذي عرفهم عن قرب بحكم عمله فيقول من قصيدة له:
اللبن نلقاه لاجينا الثنيّة
من مباكير يواجهن الشدادي
من شمال يرتعن حد الضاحكيّة
ومن جنوب يرتعن حد الحمادي
وبالمقايظ اللي يردن من الجويّة
من الهزيم إلى مشاش العود غادي
لوحة بالأمس ما بين أظعان وارتحال بحثاً عن الكلأ والمرعى هي الصورة المنقوشة الخالدة التي تجسد حقيقة تشبّث الإنسان بأرضه وبيئته وموروثه وهي تشكل في حد ذاتها ذلك الإصرار على أن المزج بين الإرث البيئي ومكتسبات اليوم هي قصة نجاح في مواءمة الأشياء والخروج بحصيلة جميلة تسهم في إحداث نقلة معيشية واجتماعية قل أن تلاحظ.
بين لمعان البرق في عرض السماء ورذاذ المطر حكاية.
وبين قطين البيوت ودخان الغضى وأصوات الرعاة وتماوج قطيع الأغنام وبنات وضيحان (الإبل) في المفلا أكثر من حكاية تختصرها أبيات من قصيدة.. هي لوحة فنية تترجم حياة أبناء هذا الجزء من الوطن
يوم أننا بدو على الزمل شداد
يوم العرب لاقطاع الاذواد يتلون
بخيرهن يشرك ضعافين واسياد
ويشرب لبنهن من عليهن يمرّون
حلاّ بتن للدر وأيضا لنا أشهاد
وجية شر لمن هم علينا يتعّدون
لوحة أخرى... لوجه آخر..
حين تطالعك القرى وأعني قرى وادي السرحان بصباحاتها الجميلة.
تقرئها السلام، فهي بالتأكيد ستكون أكرم منك بالسلام فهي لا تكتفي بردّة، بل هي جاهزة لاستضافتك بإحسان وفادتك وأقرائك.. لوحة تحمل لك ملامح من أمس عشته.. مررت به أو نُقلت لك صورته... تتذكر هذه القرى قبل عقود... حين تمر بها وقت الربيع فلا تجد من يقابلك في الطريق وبين حاضر يمنحك السعادة.
والابتهاج بأن ترى قرى عامرة ومأهولة في كل الأوقات وكل الفصول... قرى تنهض وتنمو وتتطور أهل يشيدون ويبنون ويعمرون ويستصلحون في الأرض الخصبة حتى تحولت إلى حقول غناء تُطرب وتُسعد...
قد طوعوا مستجدات العصر وتقنياته واستبدلوا لوحة الارتحال بالتوطن والاستقرار مع محافظتهم على كل ما هو جميل ومتأصل، فهم يتوارثونه ويورثونه..
قرى حيّة نابضة توافرت لها كل مقومات النمو وأناس استطاعوا بدأبهم وحيويتهم وصبرهم وجهدهم أن يطوروها... لا فرق بين المدينة وبين هذه النقاط المضيئة القلائد التي تزين جيد وادي السرحان فمن مدارس ولكافة المراحل للبنين والبنات والمراكز الصحية والكهرباء والهاتف والطرق والمساجد باستثناء بعض المرافق التي هي في طريقها إن شاء الله، مثل مستشفى العيساوية الجاري تشييده وأعمال السفلتة والتخطيط وشبكات المياه العذبة التي نؤمل أن توفر من خلال مشروع نقل المياه إلى القريات وغيرها.
تعبر الطريق من القريات باتجاه الشرق وعلى امتداد سرير (وادي النعيم) وهذه تسميته القديمة (وادي السرحان) وهو ما تعارف الناس عليه اليوم.
مبتدئاً من العقيلة ومنتهياً بمدينة طبرجل وما ورائها مروراً بغطي والناصفة وجماجم وهي قرية يقطنها أبناء قبيلة العوازم والرديفة والحصاة والرفيعة وقليب خضر وفياض العيساوية وصديع والعيساوية وغيرها من تجمعات سكانية وهجر. والتي نتطلع أن تتحول إلى محافظة كغيرها من مدن المملكة والتي تتساوى معها بالحجم والسكان والإمكانات.
واحات تنشرح من خضرتها النفس... مناظر تزهو في العين... إعمار يتمثل في المساكن التي تُشاد على أحدث الطرز ومزارع غنية بمحاصيلها وثروة حيوانية اعتنى فيها الإنسان هنا فمنحها الكثير من الجهد والانفاق، فهو يشعر بأنها جزء من حياته اليومية وارث لن يتخلى عنه.
قد جمعوا بين الحاضر والماضي.
فهم يعيشون حياة المدنية وطقوسها مرتبطين بالأمس وأصالته وتجدده.. متشبثين بالعلم وطلبة والسعي له في كل الأماكن وقد اثبتوا ذلك عملياً.
أنت تزور هذه القرى.. تُشعرك بالحميمية والألفة.. تشيع في نفسك الصفاء.. تعطيك حق التذكر.. العودة إلى الأمس وطلاوته وعذوبته وبساطته.
مجالس عامرة ووجوه سفرة مرحبة و(البيوت السود) تعطي للمكان إشراقة الأمس وزهوه.
ومواقد النار ومعاميلها تعطي للمتسامرين أجواء الأنس.. تشيع في المكان أنفاس الدفء.. تنبسط أمامك حقول النماء أينما صوبت نظرك... هناك بنات وضيحان يرتعن... لا تستغرب أن تسمع صوت منادٍ (اجتلب) وأنت تسير بسيارتك في طريق صحراوي.. معتلياً الأرض.. متجهاً إلى الحرة، فها هي مفاليها وها هي مراتعها ومرابعها.
الأرض الغنية بشجيراتها ونباتاتها وحمضها.. البهية ب(عطايا الله) الإبل.. الحلم يتجدد والفرح يشيد خيام الترحيب والمواقد لا تمل المعاميل. مع تباشير الصبح تطالعك البيادر المخضرة والسنابل المتراقصة والبلابل الصادحة والأغصان الطربة.
هنا في هذا الوادي الذي ارّخ لنفسه.. يغفو على أرومة من الذكريات.. من الصور.. موعود هو اليوم بالنماء.. بإثمار الغرس... طاب تفيؤ الظلال فيه.. طوى سفر وفتح أسفار جديدة... تُفرد هذه القرى للحاضر والمستقبل كل البياض.. غير آبهة بالتناقضات.. الإرهاصات والتحولات... ترى الغد سحابة ممطرة... تحمل الخير العميم.
انها تعشق الحياة.. تعشق الاخضرار.
وجوه ديدنها الكرم وطلاقة اليمين... سواعد لا تكل من الحرث وعقول مستنيرة ترفض أن تمنح الجباة خدراً من وهج الشمس.
قرى تعشق الهدوء... تعشق طلعة البدر ومسامرة النجوم في لحظات من صفو (وتعلله) تقطّع أوصال هذا الليل وتطارحه بفنجان قهوة وإنصات للمتحدثين.
في أية قرية تعبرها تطالعك النظرات وانشراح يعلو الجبين وابتسامة عريضة تعني الترحيب الحار والدعوة الصادقة.. تطلب منك تشريف المضافة والعبارة (القهوة زاهبة) تأكيد على حرارة الدعوة... لا تستطيع الفكاك... لن تتمكن من تقديم أي عذر ولن يقبل منك تبرير... حين تدلف المكان تُشعر بأنك لست ضيفاً.. ما تعيشه من واقع يطرح سؤال عليك.. هل ما زالت أنفاس الأمس تسكن هنا؟ هي كذلك وإن كنّا نعيش في يوم غير الأمس.. إنه واقع تجد فيه الأريحية والبساطة والتلقائية.. هذه الصورة تحملك إلى أيام خلت لتفاجئك صورة تحولت فيها كلمة (القهوة زاهبة) إلى شيء آخر... إنها وليمة تقدم لك مع كثير من الاعتذار. قرى يحمل لها المستقبل الخير الكثير وإن كنّا نستعجل مقدمة.
قرى عبرتها السنون وقوافل أناخت بين جنباتها وعلى موارد مائها وعابرون مروا من هنا.
والأمس باق في كل الصور الاجتماعية المعيشة والطيبة باقية في أنفاس هؤلاء الناس والذين يشيدون للحاضر والمستقبل وجعلوا من سواعدهم معاول بناء وعطاء.
تفلح وتزرع وتحرث وترعى وتتعلم وتتمسك بكل الطيبة والكرم... يعيشون اليوم بما تحقق لهم من معطيات تحضر لكنهم متمسكون بكل جميل... غادرت القرى وأنا على موعد آخر معها في رحلة الصورة والكلمة..في (حدود الوطن) قريبا بمشيئة الله تعالى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.