ارتفاع ملموس في درجات الحرارة ب3 مناطق مع استمرار فرصة تكون السحب الممطرة على الجنوب ومرتفعات مكة    المسبار الصيني «تشانغي-6» يهبط على سطح القمر بعد شهر على إطلاقه    عدا مدارس مكة والمدينة.. اختبارات نهاية الفصل الثالث اليوم    جامعة بيشة تحتفل بتخريج الدفعة العاشرة من طلابها    أمير تبوك يهنئ نادي الهلال بمناسبة تحقيق كأس خادم الحرمين الشريفين    توجيه الدمام ينفذ ورشة تدريبية في الإسعافات الأولية    غرامات وسجن وترحيل.. بدء تطبيق عقوبة «الحج بلا تصريح»    «الشؤون الإسلامية» بالمدينة تفعّل خدمة «فعيل» للاتصال المرئي للإفتاء بجامع الميقات    فيصل بن فرحان يؤكد لبلينكن دعم المملكة وقف إطلاق النار في غزة    الهلال.. ثلاثية تاريخية في موسم استثنائي    المملكة تستضيف بطولة العالم للراليات 2025    لهو الحيتان يهدد السفن في المحيط الأطلسي أرجعت دراسة ل "اللجنة الدولية لصيد الحيتان"، سبب    «الصهيونية المسيحية» و«الصهيونية اليهودية».. !    سفاح النساء «المتسلسل» في التجمع !    «تراث معماري»    تكريم «السعودي الأول» بجائزة «الممارسات البيئية والحوكمة»    تعاون صناعي وتعديني مع هولندا    تعزيز العلاقات الاقتصادية مع ايطاليا    ريال مدريد يتوج بلقب دوري أبطال أوروبا للمرة 15 في تاريخه    آرسنال يقطع الطريق على أندية روشن    الإسباني" هييرو" مديراً رياضياً للنصر    الاتحاد يتوّج بكأس المملكة لكرة الطائرة الشاطئية    حجاج الأردن وفلسطين يشيدون بالخدمات المقدمة بمنفذ حالة عمار    روبوتات تلعب كرة القدم!    فرنسا تستعد لاحتفالات إنزال النورماندي    الدفاع المدني يواصل الإشراف الوقائي في المسجد النبوي    إحباط تهريب 6,5 ملايين حبة كبتاغون في إرسالية "إطارات كبيرة"    «المدينة المنورة» صديقة للتوحد    التصميم وتجربة المستخدم    بعضها أغلق أبوابه.. وأخرى تقاوم.. تكاليف التشغيل تشل حركة الصوالين الفنية    اطلاق النسخة الثالثة من برنامج "أيام الفيلم الوثائقي"    البرامج    قصة القرن 21 بلغات العالم    إرهاب «الترند» من الدين إلى الثقافة    قيصرية الكتاب: قلب الرياض ينبض بالثقافة    مقاطع ريلز التجريبية أحدث ميزات «إنستغرام»    "أسبلة المؤسس" شهود عصر على إطفاء ظمأ قوافل الحجيج منذ 83 عاماً    توزيع 31 ألف كتيب لإرشاد الحجاج بمنفذ البطحاء    فرز وترميز أمتعة الحجاج في مطارات بلدانهم.. الإنسانية السعودية في الحج.. ضيوف الرحمن في طمأنينة ويسر    تركيا: تكاثر ضحايا هجمات الكلاب الشاردة    إصدار 99 مليون وصفة طبية إلكترونية    ورشة عن سلامة المختبرات الطبية في الحج    الليزر لحماية المجوهرات من التزييف    توصيات شوريَّة للإعلان عن مجالات بحوث تعزيز الصحة النفسية    شرطة الرياض تقبض على مقيمَين لترويجهما «الشبو»    بلد آمن ورب كريم    ثروتنا الحيوانية والنباتية    النفط يستقر قبيل الاجتماع ويسجل خسارةً أسبوعيةً    ترحيل 13 ألف مخالف و37 ألفاً تحت "الإجراءات"    شراكة بين المملكة و"علي بابا" لتسويق التمور    متنزه جدر بالباحة.. قبلة عشاق الطبيعة والسياحة    بَدْء المرحلة الثانية لتوثيق عقود التشغيل والصيانة إلكترونياً    مشروع الطاقة الشمسية في المركز الميداني التوعوي بالأبواء    جامعة الطائف ترتقي 300 مرتبة بتصنيف RUR    مدينة الحجاج بحالة عمار تقدم خدمات جليلة ومتنوعة لضيوف الرحمن    ثانوية ابن باز بعرعر تحتفي بتخريج أول دفعة مسارات الثانوية العامة    وزير الداخلية للقيادات الأمنية بجازان: جهودكم عززت الأمن في المنطقة    الأمير فهد بن سلطان: حضوري حفل التخرُّج من أعظم اللحظات في حياتي العملية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جازان لؤلؤة الجنوب وعروس الفل والكادي 5/6
فرسان جزيرة اللؤلؤ والأحلام بمنتجعات سياحية فرسان مرشحة لتكون من أجمل شواطئ العالم 15000 نسمة سكانها..وتعد من أكبر جزر البحر الأحمر
نشر في الجزيرة يوم 11 - 09 - 2002

يلفها السحر وتكسوها الروعة كلما خطوت على أرضها فهي الجمال دون مبالغة.. تزداد شوقاً لها كلما ابتعدت عنها ويزداد شوقك كلما اقتربت.. طبيعتها، أرضها، مياه بحرها وهدوءها بين طيات ذلك البحر المكتسي بالحمرة يبعث في نفسك الهدوء والسكنية. هذه هي جزيرة فرسان إحدى جزر المملكة العربية السعودية والواقعة في الجهة الجنوبية الغربية منها، والمأهولة بالسكان الذين وصل تعدادهم إلى أكثر من خمسة عشر ألف نسمة.. تعرف الآن عليها، على موقعها، وعلى تضاريسها وحتى على تكوينها الجيولوجي، تعرف على جميع قراها وجزرها، وعلى المواسم التي يختص بها سكان الجزيرة دون غيرهم، تعرف على آثارها الضاربة في القدم التي قد يصل عمرها إلى عصور ما قبل الإسلام حسب رأي الخبراء والمختصين، تعرف على المناطق السياحية التي تستحق الزيارة..
الموقع والمساحة
جزيرة فرسان من أكبر جزر البحر الأحمر مساحة إن لم تكن أكبرها مساحة وأكثرها سكاناً وأخصبها تربة، وموقعها بين خطي العرض 5 ،16ْ-17ْ وخطي الطول 42-41ْ تقريبا. تبعد عن مدينة جازان غرباً خمسين ميلاً بحرياً، وأطول جهة فيها رأس جبل البقر في الجنوب الشرقي إلى طرف صير غرباً 75 كيلاً ويقصر في غيرهما إلى 40، 35، 30 كيلاً.
وأعرض جهة هي فيما بين رأس «عْبَرَةَ» إلي مرسى الجص 40 كيلاً.
ويقصر في غيرهما إلى 30، فلو اعتبرنا متوسط طولها «35» وعرضها «30» لبلغت مساحتها «1050» كيلاً وهي جزيرة صخرية يقدر عدد سكانها مع القرى التابعة لها أكثر من 15 ألف نسمة تقريباً.
فرسان في التاريخ
ذكر الهمداني في كتابه «صفة جزيرة العرب» فقال: «.. وفرسان قبيلة من تغلب وكانوا قديما نصارى ولهم كنائس في جزيرة فرسان قد خربت وفيهم بأس وقد يحاربهم بنو حميد ويحملون التجارة إلى بلاد الحبشة ولهم في السنة السفرة فينضم إليهم كثير من الناس، ونساب حمير يقولون إنهم من حمير». ويوجد بها إلى تاريخنا الحاضر جبل يسمى جبل كنيسة يقال إنه كان فيه آثار بناء قديم زال منذ عهد قريب، وفرسان غنية بالاثار وقد سبق ذكرها في الحلقة الثانية.
البيئة الطبيعية
جزر فرسان تغلب عليها الشعاب المرجانية وتكثر بها مكونات القواقع والكائنات البحرية المتحجرة ويقدر عمر الجزر الجيولوجي ما بين ثلاثة ملايين وخمسمائة ألف سنة تقريباً.
القرى التابعة لفرسان
تشتمل بلدة فرسان قاعدة الجزيرة وتتبعها القرى الآتية:
قرية المحرق.
قرية الحُسَيَن.
قرية القصار: وهي واحة موفورة المياه العذبة التي تخرج من آبار صخرية قريبة الغور وبها من النخيل ما يقارب 9000 نخلة وهي مصيف بلدة فرسان.
قرية «أبو الطوق».
قرية الحذور.
قرية الخسفين.
قرية المقيد.
قرية المحصور.
قرية ختب.
قرية خولة
قرية صير.
قرية قد الخيمة
جزيرة قماح.
فرسان والسياحة
تتمتع جزر فرسان بشواطئ ذات جمال خلاب ورمال بيضاء ومياه ملونة وجذابة تدخل السرور في نفس من رآها ووقع بين أحضانها وفي الحقيقة هي شواطئ بكر تنتظر من يمد إليها يده لتصبح مستقبلاً من أجمل شواطئ العالم ومن هذه الشواطئ الجميلة والساحرة:
ساحل العبرة
منطقة ساحلية تمتد لعدة كيلو مترات تقع في الجنوب الغربي من فرسان يقصدها سكان الجزيرة لصيد السمك وهذه المنطقة هي المكان المفضل للرحلات بالنسبة لهم إضافة إلى كونها منطقة صالحة للتخييم مثلها مثل باقي سواحل الجزيرة، وقرية المحرق هي أقرب قرية من سواحل عبرة.
خليج جنابة
أكبر خلجان جزيرة فرسان وأكثرها وفرة من حيث الأحياء المائية ويقصده بعض الشباب إلى الآن لمزاولة هواية استخراج اللؤلؤ. إضافة إلى كونه منطقة للتخييم بالنسبة لزوار جزيرة فرسان في فترة العطلات. وعلى ساحله يقع أحد فنادق فرسان الذي قد تم تجهيزة على أعلى مستوى.
منطقة القندل
تقع في شمال جزيرة فرسان والطريق إليها وعر قليلاً ويحتاج إلى مرشد خبير بالطريق، ولكن عند الوصول إليها سيجد الزائر أن الجهد للوصول إلى القندل يستحق كل هذا العناء لما سيشاهده من مناظر غاية في الروعة والجمال وسط غابة من أشجار الشورى «المانجروف» وأشجار القندل التي تتخللها الممرات المائية حيث تعطي تلك المنطقة المزيد من السحر والجمال.
ساحل العشة
ساحل «العشة» الواقع في جنوب فرسان هو أجمل سواحل جزيرة فرسان من حيث نظافة رمالها وصفاء مائها لذلك فإن الكثيرين يقصدون هذا الساحل للسباحة. ويمكن القول بأنه من أفضل مناطق التخييم والسباحة بالجزيرة.
ساحل الفقوة
يقع ساحل الفقوة في شمال قرية الحسين ويعد من المناطق الجميلة التي يرتادها سكان الجزيرة من وقت لآخر وخاصة لصيد السمك بالشباك والتمتع بمناظرها الخلابة.
موانئ فرسان
ميناء تبتا.. في الجزء الجنوبي الشرقي للجزيرة وتعد منطلقاً للسفن المسافرة لليمن.
ميناء جنابة.. يقع جنوب غرب الجزيرة يتميز بعمق مياهه ويستقبل السفن الكبيرة ومنطلق أهل فرسان للسفر إلى جزيرة دهلك من جزر البحر الأحمر.
ميناء خلة.. شمال فرسان ميناء صغير يستخدمه الأهالي أصحاب السفن الشراعية بالإبحار إلى مدينة جازان.
ميناء الخور.. الميناء الرسمي للجزر توجد به المباني الحديثة والمنشآت الحكومية وبه رصيف حديث لاستقبال السفن القادمة من جازان.
أهالي فرسان تربطهم مع البحر علاقة حميمة ومن هذا العشق والحب للبحر نتج عدد من العادات و التقاليد التي مارسها أهالي هذه الجزيرة الساحرة.
فرسان واللؤلؤ
الإنسان ابن بيئته كما يقولون، وبطبيعة الحال فإن البيئة تفرض عليه أن يتأقلم معها وتفرض عليه نوع الحياة التي يجب أن يعيشها. والبحر بجماله الأخاذ ومعطياته المتنوعة الوفيرة غالباً ما يجتذب سكان السواحل إلى امتطاء أمواجه وارتياد أعماقه للحصول على تلك المعطيات خاصة إذا كانت ذات قيمة مالية كبيرة كاللؤلؤ الذي توجد مناطق صيده بكثرة على سواحل هذه الجزيرة أو الجزر المجاورة لها. ومن هذا المنطلق فرض البحر على سكان جزر فرسان حياة خاصة من الناحية المعيشية والاقتصادية. فهي ليست ذات موارد مائية تساعد على الزراعة فيها، وإن الزراعة البسيطة الموجودة بها ليست إلا استثناء في حياة سكان هذه الجزر أو من الشواذ اللواتي تثبت القاعدة، فهي حياة زراعية لا تكاد تذكر إذا قورنت بغيرها خاصة وأنها تعتمد على الأمطار غير المنتظمة في الغالب. ومن ذلك كله اتجه هؤلاء الناس إلى البحر يجوبون أرجاءه ويغامرون بحياتهم في مداه الواسع، ويقضون الأسابيع بعيدين عن الأهل والوطن يصارعون أمواجه وأنواءه ويستمتعون بسويعات تجمعهم فيها لياليه المقمرة أحياناً، والضاحكة نجومها أحيانا أخرى فيرسلونها آهات وزفرات شجية خلفت لنا ثروة هائلة من الألحان والكلمات الرقيقة التي أبدعها الحرمان والفراق والمعاناة. لقد كانت السفن الفرسانية تسافر إلى الغوص في مواسم معينة من العام بحثا عن اللؤلؤ الذي توجد مصائده قريبة من شواطئ هذه الجزر أو بالقرب من الجزر المجاورة لها الواقعة على الساحل الجنوبي الغربي للبحر الأحمر مثل جزائر «دهلك» ثم تعود محملة بالمحصول الجيد الوفير الذي يتركز فيما بعد في أيدي قلة من تجاره المشهورين إذ يقومون بشرائه من الغواصين في الأسواق المحلية، وعندما تتجمع لديهم الكميات التجارية الكافية للتسويق والبيع في الخارج فإنهم يسافرون لبيعه في «عدن» عندما كانت سوقاً مفتوحة أو في إمارات الخليج العربي آنذاك «دول الخليج حالياً».
وللحقيقة والتاريخ فإن الحياة المليئة بالشاعرية والوجدان والكفاح والمعاناة والانصهار قد شوه ملامحها تجبر وجشع أصحاب رؤوس الأموال وملاك السفن الذين كانوا يسلطون سيوف جشعهم وطموحاتهم المادية على المشتغلين بالغوص الذين كانوا يقضون الشهور والأيام بعيدين عن أهلهم وذويهم بحثا عن الجوهر الثمين «اللؤلؤ» هؤلاء التجار أو من يسمونهم «بالنواخيذ» كانوا يعطون هؤلاء الغواصين من بضائعهم ما يقيمون به الود أو ما يخرجهم قليلا من دائرة الكفاف، فهم يعطونهم ما يدعونه «السلاك» وهو بعض المواد الغذائية الضرورية كالذرة والدقيق والسمن وزيت السمسم والسكر وقشر البن، وكذلك يعطونهم «الوسية» وبعض النقود لشراء بعض احتياجات الأسرة كالسمك والحطب وأشياء أخرى، جانبية، هذا السلاك وهذه الوسية يعطيها البحار لأسرته قبل سفره لينفقوها أثناء غيابه بحذر شديد، وهي في الوقت نفسه مقيدة «مسجلة» عليه بدفتر الناخوذة بأسعار قد تصل إلى ضعف ثمنها العادي بحكم أنها مال معطل عن التحرك التجاري، وهذا ما يجعل البحار دائما مدان للناخوذة بالإضافة إلى أنه عندما يأتي بمحصوله من اللؤلؤ إن رزقه الله فالناخوذة هو الذي يحدد أسعار الشراء وبالثمن الذي يناسبه، وبطبيعة الحال فإن هذه الأسعار تقل كثيرا عن الأسعار الحرة في السوق، وفي هذه الظروف يجد البحار نفسه مرغما على البيع بتلك الأسعار الجائرة، فإذا ما تمرد على ناخوذته أقام الدنيا عليه وأقعدها وطالبه إما بتسديد الديون التي قد أرهقه بها أو البيع منه مجبرا. وأحيانا يكون البحار عنيدا ويلجأ إلى ناخذوة آخر يقوم بشراء محصوله منه وبتسديد الديون التي عليه للناخوذة الأول، ولكن المسكين يكون كما قال الشاعر: كالمستجير من الرمضاء بالنار. ومن الأشياء القاسية أيضاً أن من حق الناخوذة الدائن بتسفير الغواص إلى الغوص مع من يريده الناخوذة وغالبا ما يقع الاختيار على سفينة اشتهر ربناها بالقسوة والشراسة. وإلى كل هذا تضاف صور خشنة جدا منها إصابات بعض البحارة بمرض الأسقربوط «نزيف الدم من اللثة» الناتج عن نقص فيتامين «ج» ومنها تقنين ماء الشرب أثناء فترة الغوص حيث لا يوجد منه سوى كميات في آنية فخارية يسمونها «مواعين» يتسع الواحد منها لعشر صفائح وربما اثنتي عشرة صفيحة. كذلك توجد قوارير زجاجية كبيرة تتسع الواحدة منها لخمس أو ست صفائح ويسمونها «دبجان» والبعض صور سوء الحال عندما يدخل فأر إلى إحدى هذه الآنية ويتعفن بداخله فالماء لا يكفي في هذه الحالة ولكن يتم تعقيمه بطريقة تدخين بدائية حيث يغمس فيه عود من الحطب نصف مشتعل يسمونه «كسكوس» ثم ينزع هذا العود ويغطى الإناء ليظل الدخان محبوساً فيه أطول وقت ممكن. وبالنسبة للطعام فكل بحري لديه كمية من الذرة زوده بها الناخوذة قبل سفره، ولديه أيضاً صبي يتراوح عمره بين العاشرة والخامسة عشرة يقوم بتعليمه العوم والغوص والصبي يقوم في مقابل ذلك ببرح الغواص من البحر بعد أن يملأ سلته بالمحار. ويقوم أيضاً بطحن ما يكفي لإطعامه من الذرة المحلية يوميا على قطعة حجر منحوت تسمى «مطحنة» وبعض الأسر الفقيرة التي لا يوجد لها عائل تأخذ مبلغا من المال مقابل أتعاب ابنها، والبحري يتمتع بالصلاحية الكاملة في تربية ذلك الابن حتى ولو أدى ذلك إلى الضرب والعض في الرجلين ليعود إلى أهله وقد أتقن العوم والغوص وليصبح في المستقبل بحارا يعتمد عليه وتعتمد أسرته عليه.
ويجدر بنا أن نشير إلى مكامن اللؤلؤ أو معادن اللؤلؤ كما تسمى في فرسان التي كانت منتشرة بالقرب من الجزيرة وأيضا إلى تلك المعادن التي كان الفرسانيون يتكبدون عناء السفر لها لاستخراج اللؤلؤ حيث انها لا تعد ولا تحصى ولكن مع كثرتها فإن الفرسانيين كانوا يضطرون إلى الذهاب إلى ما هو أبعد من الجزيرة فإلى جانب مكامن اللؤلؤ التالية: «جنابة» ويقع في خليج جنابة، «أبو شوارية» بالقرب من جزيرة سولين شمال غرب فرسان«السليل» ويقع بالقرب من جزيرة قماح في الجنوب، سلوبة فقد كانت هناك مكامن «معادن» أخرى بالقرب من دهلك واليمن وربا الواقعة بين اليمن وجزيرة فرسان وتستمر هذه الرحلات البحرية إلى عدة أشهر وذلك لاستخراج اللؤلؤ، وقد يضطر الناخوذة للتوقف في بعض الجزر للراحة، مثل جزيرة نورة بالقرب من دهلك التي كانت بمثابة مركز تجاري مصغر يرتاح فيها المسافرون من الصيادين والتجار حيث كانت مورداً للماء ولأخذ بعض الحاجات من سمن وسكر وغيره. وعن حصيلة اللؤلو التي تجمع في عملية جمع اللؤلؤ أو «القماش» كما يسميه الفرسانيون فقد كانت تباع إما في فرسان أو في عدن واللحية إحدى مدن اليمن التي كانت مركزاً تجارياً للؤلؤ آنذاك الذي كان يصدر فيما بعد إلى الهند.
فرسان والعنبرٌ
سواحل جزر فرسان التي تميزت بغناها بمصائد اللؤلؤ ومصائد الأسماك وتنوعت فيها الحياة المرجانية والأحياء المائية من رخويات وقواقع. إلى جانب ذلك كله فهي تعد مناطق غنية بمادة «العنبر الخام» الذي يشكل وجوده على سواحلها مصدرا من مصادر الرزق بالنسبة لبعض سكانها الذين يمارسون هواية البحث عنه في موسم الشتاء. ففي هذا الفصل من كل عام تهب الرياح العكسية الجنوبية الغربية الشديدة التي تهيج معها الأمواج هذه الرياح يسمونها محليا «الأزيب»، ففي هذا الموسم يخرج بعض الفرسانيين فيما يشبه النزهة على السواحل الجنوبية والغربية لهذه الجزر للبحث عما يسمونه «الصوابي» وهي الأشياء التي تطفو على سطح البحر كالأخشاب وبعض الآنية أو الزجاجات الفارغة التي يرميها بحارة البواخر العابرة للبحر الأحمر، وفي بعض الأحيان تكون هذه الصوابي «متفجرات» تأتي طافية على شكل معلبات أعطى تكرار وجودها للفرسانيين خبرة بعدم الانخداع بها وفتحها بل يقومون بدفنها في أماكن بعيدة عن حركة الآخرين خوفا على غيرهم من انفجارها. غير أن هذا ليس هو المهم، ولكن المهم هو أن البحث عن هذه الأشياء يكون استثنائيا، والهدف الأساسي من وراء المشي لمسافات طويلة على الساحل هو البحث عن العنبر الذي يكون وجوده صدفة وحظ. والبحث عن العنبر لا يتم أثناء اشتداد الرياح ولكن بعد سكونها حيث يكون البحر هادئاً، ويوجد على شكل كتل طافية على الساحل أومنبوذة في العراء بعد انحسار البحر عنها وهي متفاوتة الأحجام بين صغير وكبير، وبعضها على شكل حبات «الكمثرى». ومن لا يعرفه لا يفرق بينه وبين كتل «الزفت» الذي يوجد أيضاً بكثرة على الساحل. وخبراء العنبر الفرسانيون يقسمونه إلى نوعين:
1- النوع «الدخني» نسبة إلى لونه الذي يشبه لون الدخن، وهذا النوع هو النوع الجيد وثمنه في العادة مرتفع، ومحظوظ من يجد منه كمية كبيرة لأنها ستعود عليه بمردود نقدي حسن إذا كان ممن يعرفون نوعيته وقيمته.
2- النوع الأسود وهذا أقل جودة وأقل ثمناً.
والفرسانيون يفسرون هذا التفاوت في النوعية بأن العنبر عبارة عن شجر ينبت في قاع البحر يسقط منه ثمره «الكمثرى» الذي يعتبر غذاء رئيسياً للحوت «حوت العنبر» الضخم، فإذا كان هذا الثمر قد وصل إلى الشاطئ بشكله الخام فهو نوع جيد، يدل على ذلك لونه الأشهب وشكله الكمثري. أما إذا كان هذا العنبر قد ابتلعه الحوت وقذفه من جوفه مره أخرى فإن هذا يعني أنه عنبر من الدرجة الثانية لأن شيئاً من فائدته ورائحته قد استهلك ويسمونه «العنبر المبلوع». ما أجمل فرسان وتميزها في وجود مواسم خاصة بها زادتها جمالاً لفرسان مواسم معروفة عند أهلها منذ القدم.
موسم الحريد
موسم الحريد «سمك الببغاء» ويعد من الظواهر الفريدة من نوعها وتتكرر سنوياً في جزيرة فرسان في منطقة تسمى بنفس المسمى المتداول للسمك ألا وهي منطقة «الحريد» وبالتحديد في «ساحل حصيص» وذلك خلال شهري أبريل ومايو ويأتي هذا السمك دائما على شكل مجموعات يسميها الفرسانيون «بالسواد» وجمعها «أسودة» أما المجموعة الصغيرة فيطلقون عليها اسم «القطعة». وقديما كان الناس يتوجهون إلى منطقة الحريد في موسمه طبعا على ظهور الحمير والجمال وذلك بعد صلاة الفجر مباشرة إلى أن يصلوا هناك مع طلوع الشمس ويبدأون بالتجمع على طول الجبال القريبة من الساحل بغية مراقبة سطح الماء ويمكن معرفة وجود سمك الحريد من وجود بعض الاضطرابات الخفيفة التي تظهر على سطح الماء وما أن يلحظ الناس تلك الاضطرابات التي بصدرها الحريد حتى يتوجه بعض صيادي الأسماك ممن قد اختيروا من قبل كبار البلد الموجودين هناك ويقومون بإحاطة الأدوال «الشباك» حول السواد مع العلم أنهم لا يخرجون ما اصطادوا من حريد من الماء حتى لا يموت ومن الممكن رؤية سمك الحريد أثناء وجوده في وسط حلقة الشباك وهو يدور دون الاصطدام بالشباك ا لموجودة حوله ويكررون الطريقة نفسها لاصطياد أسودة «مجموعات» أخرى من الحريد ومن ثم يقومون بسحب تلك المجموعات لإدخالها داخل حلقة واحدة وبعدها ينادون على الشباب والأطفال لجمع شجيرات «الكِسْب» الموجودة على طول الساحل ويقال إن جزيرة فرسان تنفرد بهذا النوع من الشجيرات الساحلية وبعد جمع كمية لا بأس بها يبدأون بإحاطة السواد «مجموعة سمك الحريد» بالأشجار وإزالة الأدوال «الشباك» من حول سواد الحريد بحيث تكون الشجيرات هي التي تحيط بالحريد في عمق لا يتجاوز النصف متر أحياناً وعندما يكون كل شيء جاهزاً تماما يصيح كبير الصيادين بأعلى صوته.. «الضويني» فما يلبث الناس الموجودون على الجبال وعلى الساحل بالركض كل يحمل كيسه المطوق ليجمع ما يستطيع من الحريد وسط جو مليء بالفرح والسرور.
موسم الجراجيح
يبدأ موسم الجراجيح أو موسم «الطيور المهاجرة» خلال شهري أبريل ومايو من كل عام، وتأتي هذه الجراجيح في أسراب كبيرة جداً من دول أوروبا الشرقية وأوروبا الغربية لتتوقف للراحة على جزر فرسان ويهب الكثير من سكان فرسان وخصوصا سكان جزيرة قماح لصيدها لغرض أكلها وذلك لطعمها اللذيذ والمميز وهذا حسب عادة متوارثة منذ زمن قديم ولا يعرف متى بدأت هذه العادة بالضبط، ويتوجه من يريد صيد هذه الطيور إلى جزر بعيدة مستوية قليلة الأشجار والمرتفعات ويبدأون بوضع الشباك على الشجيرات الموجودة على الجزيرة أو وضع ما يسمى بالصمص على الأماكن المرتفعة لخبرة الأهالي ومعرفتهم بأن أغلب هذه الطيور تفضل الأماكن المرتفعة والصمص هو عبارة عن عصوين مرتبطتين بحلقة معدنية في الأسفل وخيط مربوط بالطرف العلوي لإحدى هاتين العصوين ويمر خلال فتحة صغيرة في العصا الأخرى وبعد أن تضم العصوان إلى بعضهما تثبت عصا صغيرة في الفتحة التي يمر الخيط من خلالها ويوضع هذا الخيط الذي هو على شكل حلقة على العصا الصغيرة وما أن يقف الطائر عليها حتى تسقط العصا ويشد الخيط ليمسك بالطائر وقديما عند حلول موسم الجراجيح كان الناس يرقصون احتفالاً ببدايته وينشدون في فيها أشعارا رقيقة.. وتبدأ هذه الأفراح والرقصات بمجرد صيد أول طائر من النوع الذي يسمونه «بالأكحل» أو «اليعقوبي» إذ يحمل أحدهم الطائر على إشارة بارزة «عصا طويلة مثلاً» ويدور به في الشوارع وبين المنازل، وعندئذ يتجمع الناس حوله ينقرون دفوفهم وطبولهم يغنون ويرقصون معلنين بداية الموسم الراقص ومن أغانيهم البسيطة الشعبية:
أكحل قال يعقوبي شلوا بي وحطوبي
في السطح تهنو بي ما أسوى بروحي
أكحل جيت لك عاني قد تركت خلاني
وأنت ما تهنيني ما أسوي بروحي
موسم البيض
يأتي هذا الموسم بعد موسم الجراجيح «الطيور المهاجرة» مباشرة، تتجمع فيه الطيور البحرية لتشكل مستعمرات كبيرة لأجل وضع البيض في جزر فرسان وفي بقع مختلفة منها والمسميات المحلية لأنواع هذه الطيور كثيرة جداً، نظرا للعدد الهائل من الطيور البحرية المتنوعة وهي «الدقيق، الدخيس، العجام، الحنكران، الحليل،...» في هذا الموسم يتوجه عدد من أهالي الجزيرة إلى الجزر البعيدة لجمع بيض بعض هذه الطيور وتعتبر هذه عادة أهالي الجزيرة التي توارثوها عن أجدادهم وما زالت مستمرة إلى الآن ولكن ممارسة هذه العادة باتت في تناقص مستمر. ولم يبق عن فرسان ما نذكره سوى أن نناشد المسؤولين بضرورة النظر في مستقبل هذه الجزيرة الحالمة التي ينتظرها مستقبل سياحي مشرق بشرط أن تتوافر بها الخدمات الحيوية كافة.. فهل يتحقق حلم هذه الجزيرة؟؟
كما أن على رجال الأعمال دوراً كبيراً في استثمار تلك الطبيعة الجميلة بالمنتجعات السياحية التي ستجعل فرسان من أجمل جزر العالم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.