مركز «911» يتلقى (2.635.361) اتصالاً خلال شهر أبريل من عام 2024    حرس الحدود بجازان يحبط تهريب 90 كيلوجرامًا من نبات القات المخدر    مجمع الفقه الإسلامي الدولي يثمّن بيان هيئة كبار العلماء في المملكة بشأن عدم جواز الحج دون تصريح    الإصابة تنهي موسم المصري طارق حامد مع ضمك    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على عبداللطيف بن عبدالرحمن آل الشيخ    فيصل بن بندر يرعى حفل أهالي محافظة شقراء    الإصابة تهدد مشاركة لوكاس هيرنانديز مع فرنسا في (يورو 2024)    وزير الطاقة يشارك في جلسة حوارية في منتدى طشقند الدولي الثالث للاستثمار    ضبط عمالة مخالفة تمارس الغش بتزوير تواريخ الصلاحية لمنتجات غذائية    النفط ينتعش وسط احتمالات تجديد الاحتياطي الاستراتيجي الأمريكي    محافظ بلقرن يرعى اختتام فعاليات مبادرة أجاويد2    مباحثات سعودية فرنسية لتوطين التقنيات الدفاعية    "إنفاذ" يباشر المساهمات العقارية محل "تصفية"    قتل مواطنين خانا الوطن وتبنيّا الإرهاب    "شرح الوصية الصغرى لابن تيمية".. دورة علمية تنفذها إسلامية جازان في المسارحة والحُرّث وجزر فرسان    "جواهر" الثالثة عالمياً بمسابقة "آبل"    فيصل بن فهد بن مقرن يستقبل مدير فرع "الموارد البشرية"    تعليم عسير يحتفي باليوم العالمي للتوحد 2024    مبادرة «يوم لهيئة حقوق الإنسان» في فرع الاعلام بالشرقية    هاكاثون "هندس" يطرح حلولاً للمشي اثناء النوم وجهاز مساعد يفصل الإشارات القلبية    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين جراء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة إلى 34596    الشرطة الأمريكية تقتحم جامعة كاليفورنيا لفض الاعتصامات المؤيدة لغزة    العدل تُعلن عن إقامة المؤتمر الدولي للتدريب القضائي بالرياض    السعودية تدعو لتوحيد الجهود العربية لمواجهة التحديات البيئية التي تمر بها المنطقة والعالم    المنتخب السعودي للرياضيات يحصد 6 جوائز عالمية في أولمبياد البلقان للرياضيات 2024    انعقاد أعمال المنتدى العالمي السادس للحوار بين الثقافات والمؤتمر البرلماني المصاحب في أذربيجان    مبادرة لرعاية المواهب الشابة وتعزيز صناعة السينما المحلية    الوسط الثقافي ينعي د.الصمعان    سماء غائمة بالجوف والحدود الشمالية وأمطار غزيرة على معظم المناطق    تيليس: ينتظرنا نهائي صعب أمام الهلال    برئاسة وزير الدفاع.. "الجيومكانية" تستعرض خططها    يجيب عن التساؤلات والملاحظات.. وزير التعليم تحت قبة «الشورى»    حظر استخدام الحيوانات المهددة بالانقراض في التجارب    اَلسِّيَاسَاتُ اَلتَّعْلِيمِيَّةُ.. إِعَادَةُ اَلنَّظَرِ وَأَهَمِّيَّةُ اَلتَّطْوِيرِ    هذا هو شكل القرش قبل 93 مليون سنة !    الهلال يواجه النصر.. والاتحاد يلاقي أحد    سعود عبدالحميد «تخصص جديد» في شباك العميد    جميل ولكن..    أمي السبعينية في ذكرى ميلادها    الدراما السعودية.. من التجريب إلى التألق    «إيكونوميكس»: اقتصاد السعودية يحقق أداء أقوى من التوقعات    هكذا تكون التربية    ما أصبر هؤلاء    «العيسى»: بيان «كبار العلماء» يعالج سلوكيات فردية مؤسفة    زيادة لياقة القلب.. تقلل خطر الوفاة    «المظهر.. التزامات العمل.. مستقبل الأسرة والوزن» أكثر مجالات القلق    «عندي أَرَق» يا دكتور !    النصر يتغلب على الخليج بثلاثية ويطير لمقابلة الهلال في نهائي كأس الملك    «سلمان للإغاثة» ينتزع 797 لغماً عبر مشروع «مسام» في اليمن خلال أسبوع    في الجولة ال 30 من دوري روشن.. الهلال والنصر يواجهان التعاون والوحدة    إنستغرام تشعل المنافسة ب «الورقة الصغيرة»    العثور على قطة في طرد ل«أمازون»    أشاد بدعم القيادة للتكافل والسلام.. أمير نجران يلتقي وفد الهلال الأحمر و"عطايا الخير"    أغلفة الكتب الخضراء الأثرية.. قاتلة    مختصون: التوازن بين الضغوط والرفاهية يجنب«الاحتراق الوظيفي»    مناقشة بدائل العقوبات السالبة للحرية    نائب أمير مكة يقف على غرفة المتابعة الأمنية لمحافظات المنطقة والمشاعر    وزير الدفاع يرعى حفل تخريج الدفعة "37 بحرية"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مقاربة نقدية للمجموعة القصصية: اعتذار قبل الموت
جماليات القصة القصيرة جداً
نشر في الجزيرة يوم 23 - 02 - 2019

(1) ... بين يدي إحدى الجماليات الكتابية التي احتضنتها مكتبتي منذ إصدارها عام 1437ه. وهي مجموعة قصصية من ذوات ال (ق.ق.ج) تشي بجماليات فنية ومضامين مجتمعية، وأساليب لغوية فاتنة.
ويحلو لي -هنا- أن أؤخر التعريف بصاحبة هذا الإنجاز الذي أتداخل معه الآن مؤمنا -مؤقتاً- بموت المؤلف، ليكون النص هو المسيطر، المشع، والحاث على استجلاء الدلالات واستجلاب الجماليات. يقوم هذا المنجز على تقنية النص المكثف الذي أسميته ذات قراءة ناجزة «النص البخيل»*1 وهو نص (الومضة) أو (نص القصص القصيرة جدا ق.ق.ج) . ومن مميزات هذا النوع من النصوص السردية ثلاثة ملامح أساسية
الأول: التكثيف اللغوي والتركيز
الثاني: الإيحاء والرمزية
الثالث: المفارقة أو العجائبية أو الدهشة
ومن هذه الملامح الأساسية تأتي تفرعات أسلوبية تؤكد أدبية هذا النوع السردي الجاذب لشريحةٍ كبيرة من كتاب السرد المعاصرين ومنها: الإضمار والاختزال، والخاتمة المتوهجة المحيرة، وطرافة اللقطة والمشهد، والعلاقة المباغتة بين العنوان والخاتمة، وتفعيلة الجملة وقصرها إطناباً جمالياً.
* * *
(2) ولعل من الدلائل المثبتة لهذه الجماليات التنظيرية في هذا المتن القصصي قول القاصة في نص بعنوان: أحلام اليقظة:
«رسم الطفل درفة الباب مفتوحة ..
انشغل الجميع ..
أخذ قطته الصغيرة وهرب منه..» ص33
في هذا النص تتحقق كل عناصر ال(ق.ق.ج) فبطل القصة طفل يرسم درفة باب مفتوحة، ويتحول ذلك المرسوم إلى حقيقة حياتية حيث البطل يأخذ قطته ويهرب!
لم تقل (القاصة) أن البطل رسم صورة قطة هاربة من الباب المفتوح، ولم تقل (القاصة) أن البطل أشغل الجميع بالرسمة فغادر في الحقيقة، كل هذه الدلالات تشي بالدهشة والعجائبية والإضمار والترميز والتكثيف اللغوي!
كما تتجلى هذه السمات في نص آخر بعنوان: تضحية ص50
«تنازلات كثيرة قدمتها له، أصبح ذا شأن
ظنت أنه خلق من أجلها فقط ..
أهداها عقد نكاح جديد.»
قضية حياتية واجتماعية تشغل حيزا كبيرا في وجدان وثقافة المجتمع.
تتعاطاها القاصة في نص الومضة فنجد التكثيف والترميز وتفعيلة الجملة والدهشة في نهاية النص!
والأمثلة كثيرة جداً ومنها: صداقة مالية ص 39، راقصة محترفة ص45، تعاويذ ص60، عقوق ص62، نهاية ص72.
* * *
(3) ومن الجماليات الأسلوبية التي تتعاطاها هذه القاصة من خلال المتن القصصي الذي نتداخل معه الآن، تلك التناصات الدينية والشعرية والأدبية الدالة على الاكتناز المرجعي والمعرفي (دينيا وأدبيا) وتوظيف تلك التناصات بشكل جمالي وبارع.
ومن تلك التناصات الجمالية مايلي:
* «كان صديقه الكتاب .. لا يهمله ولا يحقره» قصة شوق ص15
تناص مع الحديث النبوي «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره».
* «هبت ريح عاتية ، فر الزوج
عن أمه وأبيه، وزوجه وبنيه» قصة أغصان جافة ص24
تناص قرآني مع قوله تعالى ({يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ} سورة عبس 34-35.
* «شجرها قطوف دانية» قصة فيضان نهر ص26
تناص قرآني مع قوله تعالى {قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ} سورة الحاقة 23.
* «لما اشتد ساعده رماه» قصة صداقة مالية ص39
تناص شعري/ أدبي مع البيت المعروف:
أعلمه الرماية كل يوم فلما اشتد ساعده رماني
* «خدعوها بقولهم حسناء» قصة غرور ص55
تناص شعري مع قول الشاعر أحمد شوقي في قصيدته المعروفة بهذا المطلع.
ومن خلال هذه المقتبسات (التناصية) يبدو للقارئ أن القاصة شديدة الصلة بالثقافة الدينية/ القرآن والحديث النبوي. وموروثنا الأدبي والشعري تحديدا، فهي توظف هذه الصلة من خلال نصوصها القصصية توظيفا لغويا وأسلوبيا يثبت لنا أن القاصة تملك إمكانيات ثقافية عالية ومفيدة.
* * *
(4) ومن الجماليات الفنية في هذه المجموعة القصصية ذلك الارتباط النصوصي بين العنوان والمتن القصصي، فيكتشف القارئ الواعي تلك القدرة الأسلوبية لدى القاصة على جعل العنوان يتنامى ويتشظى داخل القصة رغم قصرها وومضيتها فمثلاً في قصة: ذوبان ص25 نجد التماهي بين العنوان وخاتمة القصة «يأتي سيل العرم وتذوب كل الأحرف» ف(القلم) أساس هذا ال(ذوبان) حيث (حبره) يسطر عذابات البشر و(تذوب) كل الحروف التي سطرها !!
وفي قصة: راقصة محترفة ص45 نجد هذا التماهي بين العنوان وفعاليات/ أحداث القصة حيث الراقصة هي البطلة التي تُفاجأ بأن طليقها هو العريس في ذلك العرس الذي ترقص فيه!! وهنا تتجلى فجائية ال(ق.ق.ج) والدهشة والعجائبية التي تمتاز بها هذه النصوص.
وانظر هذه الجماليات في قصة تضحية ص50، وشرف عانس ص 54، انفصال نهائي ص69، إحسان ص 71.
* * *
(5) وأخيرا نقف عند بعض الملاحظات التي أشعر أنها تخرج المجموعة القصصية من صورتها الوامضة أو فضاءاتها القصيرة جدا. ففي قصة انتظار ص65، يشعر القارئ أنها قصة قصيرة لما فيها من التطويل والتفاصيل الواقعية المملة التي تخرجها عن جماليات ال(ق.ق.ج).
وكذلك بعض التفاصيل التي لا تخدم النص القصصي الوامض كما جاء في القصة فضاء حر ص 61 فال (ق.ق.ج) من شرطها التكثيف والإيجاز واللقطة المركزة.
وهناك قصص متشابهة في فكرتها وإن اختلفت أسلوبيا وقصصيا مثل (قصة أمل تبخر ص20) التي تكررت فكرتها وثيمتها الأساسية في (قصة راقصة محترفة ص45) وقصة (تضحية ص50) ومثل هذه الأمور تحتاج من القاصة أن تكون عينا ناقدة قبل طبع المجموعة ونشرها بين القراء.
* * *
(6) ... وبعد:
فهذه المداخلة لا يمكن أن تختم دون الوقوف عند النص الموسوم ب(تعاويذ ص60) ففيه جماليات ال(ق.ق.ج) حيث نجد الثنائيات التي يكتنز بها النص ويحولها إلى نموذج عالي ورائع لهذا الفن القصصي المثير!!
وهذه الثنائيات هي:
الأرض المجدبة / المطر والغيث
الفتى الصالح / الفتاة التقية
السماء تمطر / العشب ينبت / الشجر يثمر
والرمزية هنا أن الفتى والفتاة ينجبان أولاداً صالحين لأنهما تقيان صالحان! وهذا ما يستنتج أو يمكن تأويله من دلالات الجدب والغيث والإنبات والشجر المثمر!
وهكذا تكون الفتنة القولية، والنصوص الإبداعية التي تجبر الأقلام الناقدة على التماهي معها والإشارة إليها والتثاقف الواعي عليها.
ولعلنا الآن نحيي المؤلف الذي أمتناه -نقديا- في مطلع هذه المقاربة النقدية - كما هي المنهجية المتعارف عليها والتي اتخذناها كذلك في كثير من طروحاتنا النقدية - فصاحبة هذا المنجز القصصي هي القاصة الأديبة مريم خضر الزهراني - إحدى الناشطات ثقافيا وأدبيا ومجتمعيا من خلال أعمالها التطوعية وحضورها المبهج في أغلب الفعاليات الثقافية، وهي عضو الجمعية العمومية لنادي مكة الأدبي الثقافي .
وتعتبر هذه المجموعة القصصية باكورة إنتاجها المطبوع، وقد صدرت عن دار النابغة في سلسلة الإبداع العربي عام 1437ه.
ندعو لها بالتوفيق ومزيد من الإبداعات.
** ** **


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.