نافذة ثرية تربط بين الإعلام القديم والإعلام الجديد عبر المادة الثقافية الرصينة بأقلام لها حضورها في عالم الفكر والأدب. وقد كنت أتابع المجلة منذ أيام صدورها كل يوم اثنين فأستمتع بمقالات نقدية وأدبية جادة كانت تؤكد أن المقالة النقدية خصوصًا، والمقالة بوجه عام، ليست سريعة التحضير، فهي تعطي القارئ انطباعًا بالتقارب بين البحث العلمي المحرر والمقالة الصحفية الجادة في السياق النقدي والثقافي، وهذا الأمر يعود بنا إلى زمن الصحافة المؤسِسة التي كانت تنتج الأدب والنقد وتصلح أن تكون مادة للدراسات الأكاديمية، كما كانت مجلة الرسالة التي نقرؤها اليوم بوصفها مادة علمية مؤرشفة في ذاكرة الأدب حيث انتقلت من مستواها التداولي آنذاك إلى مستواها التوثيقي والتاريخي فصارت ترفد الدراسات الأدبية وتعد في الوقت الراهن من أهم مصادر تلك الفترة الذهبية والحيوية لأدباء مصر، بل وأدباء العالم العربي. وبمناسبة صدور العدد (600) من المجلة الثقافية واحتفائها بهذا الرقم المهم في الرصيد الثقافي عدتُ بالذاكرة إلى مقالة للأديب علي الطنطاوي رحمه الله كان قد كتبها بمناسبة صدور العدد (1000) من مجلة الرسالة، تلك المجلة الرائدة التي كانت تحتضن الفكر والأدب بتنوّع وتحتوي الخصومات والمعارك الأدبية باقتدار، ما يعني أن مسافة العمر التي تقطعها المجلات الثقافية سواء على المستوى الورقي التقليدي أو المستوى التقني يشكّل تراثًا ثقافيًا مهمًا للباحثين في المستقبل، وقبل ذلك للأدباء والمثقفين الذين شاركوا في بناء الثقافة المحلية والعربية على حد سواء في الفترة التاريخية الممتدة من عمر المجلة، وهو الأمر الذي يجعل حفاوتنا بعمر من الأعداد الثرية يأتي في سياق الاحتفاء بالثقافة على مستويين، مستوى تداوليّ لا يزال يرفد المشهد الثقافي بالرؤى والأفكار، ومستوى تاريخي توثيقي يستحق منّا المراجعات والدراسات العلمية والنقدية في إطار البحث العلمي المؤسسي الذي يعيد إنتاج المعرفة في سياق الدراسات البحثية. لهذا أهيب بالباحثين في الشأن المحلي من متخصصي الأدب السعودي الالتفات إلى المادة الثرية في هذه المجلة، كما أتمنى للمجلة دوام الاستمرار والتقدّم و»عقبال» الألفية الأولى من العمر الثقافي المتجدد. ** ** - د. سعود الصاعدي