الوزاري الخليجي: ثروات المنطقة المغمورة للكويت والسعودية فقط    وزير الدولة للشؤون الخارجية يلتقي وزير الدولة للبيئة الإسباني    صالة إضافية بمطار الطائف لانسيابية توافد الحجاج    تحذير من مواقع تنتحل هوية «تقدير»    «الموارد البشرية» ترصد 399 مخالفة على المنشآت في تشغيل العمالة الموسمية بالمدينة المنورة    أمير تبوك يواسي الغرير في وفاة زوجته    وزير الخارجية يشارك في الاجتماع الوزاري للحوار الاستراتيجي الخليجي-التركي    «مسام»: إتلاف 602 لغم وعبوة ناسفة وقذيفة غير منفجرة في أبين    كيف أصبح هيكل ملكية أرامكو بعد طرح 1.545 مليار من أسهمها    التصنيف الآسيوي كلمة سر الأخضر أمام الأردن    جماهير الأهلي تتصدر "إكس" بسبب كيميتش    بلجيكا تُعول على دي بروين ولوكاكو في يورو 2024    «غورست» يتوّج ببطولة العالم للبلياردو «9 كرات» بنسختها الأولى في المملكة    ضبط 18 شخصا لنقلهم 103 مخالفين ليس لديهم تصريح الحج    "لذة الوصول" يوثقها الحجاج في ميقات ذي الحُليفة    نائب أمير الشرقية يستقبل رئيس وأعضاء لجنة الحج في مجلس الشورى    سمو أمير منطقة القصيم يوجه ادارة التعليم بالمنطقة بتوثيق أسماء الطلبة المتفوقين    "كلية العلوم" بجامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل تختتم معرض الملصقات العلمية لمشاريع التخرج    محاولة من الاتحاد لضم رحيمي    فريق طبي "ب"مركزي القطيف" ينقذ حياة مقيم    ( نقد) لقصيدة ( في رثاء بدرية نعمة) للشاعرالحطاب    أمير الرياض يستقبل رئيس نادي الهلال    استقبال 683 حاجا من 66 دولة من ضيوف خادم الحرمين الشريفين للحج    محافظ البكيرية يتفقد مشاريع الإسكان بالمحافظة    نمو الأنشطة غير النفطية 3.4% بالربع الأول    التدابير الوقائية تخفض ضربات الشمس بالحج 74%    الأرصاد: ابتداء من غد الاثنين استمرار ارتفاع درجات الحرارة لتصل إلى 48 درجة مئوية    وصول الفوج الأول من حجاج أمريكا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا    شرائح إنترنت واتصال مجانية لضيوف خادم الحرمين الشريفين للحج    السعودية للكهرباء (SEC) تكمل استعداداتها لموسم حج 1445ه ب20 مشروعاً جديداً    ليس للمحتل حق «الدفاع عن النفس»..!    مستشفيات وعيادات دله تواصل تقديم رعايتها الصحية خلال إجازة عيد الأضحى المبارك    صور مولود عابس.. تجذب ملايين المشاهدات !    رصد 1000 مخالفة نقل بمكة والمدينة    مليون ريال مخالفات أسواق ومسالخ الرياض    تعامل سريع لإنهاء إجراءات الحاج في صالات مطار جدة    بارقة أمل.. علاج يوقف سرطان الرئة    ختام العام الدراسي الحالي غداً.. العام الجديد في 14 صفر    الجبير يؤكد التزام المملكة بالتعاون مع المجتمع الدولي لحماية المحيطات والموارد البحرية    قميص النصر يلفت الانتباه في ودية البرتغال وكرواتيا    إعلانات الشركات على واتساب ب«الذكاء»    استفزاز المشاهير !    مَنْ مثلنا يكتبه عشقه ؟    مرسم حر    تحتفل برحيل زوجها وتوزع الحلوى    نفائس «عروق بني معارض» في لوحات التراث الطبيعي    أثر التعليم في النمو الاقتصادي    الجامعات منارات التقدم    اطلاق برنامج أساسيات التطوُّع في الحج    توفير الأدوية واللقاحات والخدمات الوقائية اللازمة.. منظومة متكاملة لخدمة الحجاج في منفذ الوديعة    نصيحة للشعاراتيين: حجوا ولا تتهوروا    وزير الدفاع يؤكد دعم المملكة للحكومة اليمنية    التنظيم والإدارة يخفِّفان الضغط النفسي.. مختصون: تجنُّب التوتّر يحسِّن جودة الحياة    «إنجليزية» تتسوق عبر الإنترنت وهي نائمة    رئيس وزراء باكستان يعود إلى بلاده بعد زيارة رسمية للصين    القلعة الأثرية    الجهات الحكومية والفرق التطوعية تواصل تقديم خدماتها لضيوف الرحمن    فقدت والدها يوم التخرج.. وجامعة حائل تكفكف دموعها !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نظرات في كتاب قصة مكتبة للدكتور العسيلان
نشر في الجزيرة يوم 28 - 10 - 2017

عنوان الكتاب ((قصة مكتبة .. خمسون عاماً في صحبة الكتب والمكتبات في الوطن العربي وخارجه)) تأليف الأستاذ الدكتور عبد الله عبد الرحيم عسيلان وصدر الكتاب عن دار الثلوثية ونادي المنطقة الشرقية الأدبي, وقد صادف في نفسي هوى , فأقبلت عليه إقبال الصديان على الماء العذب في يوم قائظ, فتناولته بلهفة وشوق وأبحرت في عوالمه الرحيبة.
وأما مؤلفه فغني عن التعريف إذ هو علم شامخ وطود أشم ..
((قصة مكتبة)) كتاب يحكي قصة مكتبة ضخمة عريقة عامرة ؛ فيها كتب قيمة غَبَرَ صاحبها في جمعها نصف قرن سلخه من عمره المبارك بإذن الله - في خير وطاعة خدمة للعلم وطلابه.
تفتحت عينا الدكتور عسيلان على الكتاب مذ كان طالباً في المرحلة الإعدادية (المتوسطة), ثم استمر عشقه للكتاب وصحبته إياه إلى يوم الناس هذا والهيامُ بالكتب والنهمُ في القراءة منذ الطفولة , دليلُ وعيٍ فكريٍّ ناضج وعقل متفتح.
وإذا كانت صلته بالكتب قد توثقت منذ الإعدادية , إلا أن إلمامه بالكتاب كان منذ طفولته , فقد قيض الله له جارة عجوزاً, كان الصبيان يتحلقون حولها مشدوهين , بما تقصّ عليهم من غرائب الأخيار وعجائب القصص.
فدفعه - ذات يوم - سنه الصغير وعقله الكبير أن يسأل تلك المرأة - ومن أين لك - يا ستي - كل هذه الحكايات ؟ فقالت له : هذه القصص يا بني أخذتها عن أمي, وقد كان جدي يقرؤها لهم من كتاب اسمه: ((ألف ليلة وليلة)). فوقر اسم هذا الكتاب في سمع الطفل, واختزنته ذاكرته الواعية, ومنذ ذلك الحين وإلى يوم الناس هذا والدكتور عسيلان لا يتوقف عن هوى الكتب والقراءة, حتى كان من فضل الله عليه وحسن توفيقه إياه, ورعايته له أن أنشأ مكتبة ضخمة عامرة بالكتب القيمة التي تربو على خمسة آلاف كتابٍ - بدأ بجمعها منذ المرحلة الإعدادية والثانوية والجامعية, إلا أن أغزرَ فترات اقتنائه وأثمنها كانت المرحلة الجامعية ومرحلة الدراسات العليا, فقد عجم عيدان الكتب, ووقف على أكثر ما يردُّ عليه نفعاً منها, وفي هذه المرحلة المشرقة من حياته العلمية الجادة اتصلت أسبابه بالأستاذ الكبير فارس التراث, العلامة محمود محمد شاكر رحمه الله, وهو سليل العلم والعلماء, فأفاد من صحبته ما أفاد وأوقفه على أمات الكتب وفتح عينيه على عالم رحيب ثرٍّ بالكتب والمخطوطات, وإن كانت صلته بالمخطوطات قد بدأت قبل ذلك منذ أواخر المرحلة الثانوية .. فقد كان كثير الاختلاف إلى مكتبة شيخ الإسلام عارف حكمت بالمدينة المنورة , وهي مكتبة ثرية بأنفس المخطوطات النادرة.
وما كان الدكتور عسيلان بدعاً في عشق الكتب والغرام بها, فإن له أسلافاً نزعوا إلى هذا المنحى, وهم كثر في كل زمان ومكان ولعل الجاحظ أشهرهم ومن منا لم يقف على قوله في الكتاب ..
ولقد بلغ من هيام بعضهم بالكتب وعشقها أن ضحّى بأنفس ما لديه في سبيل الحصول عليها, وهذا المؤلف الدكتور العسيلان يبيع ساعته النفيسة الغالية الأثيرة لديه - ليشتري بثمنها كتباً - وهو في مرحلة الطلب.
ولقد بلغ من غرام بعضهم بالكتب وشدة تعلّقه بها ما روى ابن خلكان عن أبي زكريا الخطيب التبريزي في (مشكاة المصابيح) أن الأديب اللغوي أبا الحسن علي بن أحمد الغالي, كان لديه نسخة نفيسة من كتاب الجمهرة لابن دريد وكانت أثيرة عنده عزيزةً لديه, فألجأته الحاجة إلى بيعها فاشتراها أحد القضاة فلما تصفحها وجد في أوراقها رقعة كتبها الغالي صاحبها يقول:
مقالة مكويّ الفؤاد حزين:
والبيت الأخير لبعض الأعراب ضمن أبياته - كما ذكر ذلك الزبير بن بكار - فرقّ له الأديب وأعاد نسخة الجمهرة ونزل له أيضاً عن ثمنها .. هكذا كان بعض غرام العلماء والأدباء بالكتب , والكلام في هذا المجال كثير , ولو أرخينا القول لطال بنا المقام .. وفي كتاب قصة مكتبة أخبار من هذا القبيل وفيه مثل وشاهد على ما سبق. وهذا الكتاب يصور تداعي المواقف والذكريات الجميلة عن الكتب, لدى مؤلفه الأستاذ الدكتور عبد الله عسيلان.
الغرض من هذا الكتاب
ذكر المؤلف مبتغاه من هذا الكتاب فقال : ((وقد حرصتُ من باب إسداء الفائدة للقارئ, أن أقف معه وقفة تأمّل , وتعريفٍ بأشهر ما تضمّه المكتبة من كتب ومؤلفات, حول بعض الموضوعات والتخصصات الأساسية فيها, وأما طريقته في الكتاب فقد أوضحها قائلاً : ((ودرجت أن أختار أهمّ ما اقتنيته من كتبٍ ونوادر لإعطاء لمحة سريعة عنها, وما يتبع ذلك من ملحوظات, ولم أقصد إلى عرض كل ما اقتنيته حول موضوع بعينه... , وصنعت ذلك مع أبرز الشخصيات العلمية والأدبية وما تضمه مكتبتي من مؤلفاتهم وأخبارهم العلمية..
ويؤكد المؤلف هذا الأمر في عدم الحصر, وإنما ينتقي الأشهر والأبرز والأهم في كل موضوع وفن.. , ص (7). كان ذلك بعض منهجه في عرض الكتب والموضوعات, أو التطرق إلى سير العلماء الأجلاء والأدباء العظام والشعراء الفحول وآثارهم العلمية والفكرية والأدبية...
وكذا رحلته الشاقة الشيقة مع المخطوطات, وعوالمها المتعددة والمضنية وما تستدعيه من همّة عالية وصبر جميل مكدّ مضنٍ ودأب ونشاط واطلاع ونباهة ومعرفة وثقافة , وعلم وفن في اتباع النهج الأمثل في تحقيقها وإخراجها..
ثم عرض للجولات المباركة في مكتبته, واستعرض أهم ما ضمته هذه المكتبة العامرة من كتب قيمة نافعة في شتى الفنون المتنوعة.
وقد بدأ جولته بالقرآن الكريم وعلومه, وأهم ما وضع فيه من مصنفات وثنّى بالحديث الشريف وعلومه الواسعة الناضجة ثم الفقه الإسلامي, وانتقل بعده إلى قسم التاريخ والتراجم وكتب الرحلات.. وخصص مكاناً رحباً للموضوع الأثير لديه, وهو المدينة المنورة فقد جمع المؤلف كلَّ ما أمكنه الوصول إليه مما كُتب عن المدينة المنورة, من الجوانب كافة التاريخية والدينية والاجتماعية والسياحية والاقتصادية والأدبية وما فيها من تراجمَ وأعلامٍ, وما وُضع عنها وعن أدبائها وشعرائها قديماً وحديثاً وكل ما يخصها , حتى اجتمع لديه ما يربو على سبع مئة كتاب, تحدث بإيضاح مفصّل عن أهم هذه المؤلفات واصفاً الكتاب ومنهج مؤلفه, أو محققه والطبعات المتعددة وتاريخه وأمكنتها والموازنة بين الطبعات المتعددة للكتاب الواحد.. ونجم عن ذلك تأليفه كتاب (المدينة المنورة في آثار المؤلفين والباحثين قديماً وحديثاً.
وعلى هذا النهج سار الأستاذ الدكتور العسيلان في كل ما كَتَبَ في الفن الواحد مما تضمه المكتبة.
ثم انصرف إلى تخصصه الأساس وهو علوم اللغة العربية وآدابها , فأطنب ما شاء, وأرخى القول في العربية وفروعها المتعددة من أدب وشعر ونحو وصرف وبلاغة ونقد وعروض وموسيقى الشعر, وإذا كان حظ القصة والمسرحية زهيداً فقد أوفى المؤلف القول في الرواية ووفّاها حقها غير منقوص, برؤية نقدية سديدة كما كشف عوار كثير ممن تصدوا للكتابة في هذا الفن, وهم ضعاف مهازيل لم يتحلّوا بأداة فنية بل أصبحتِ الرواية مركباً سهلاً فتهافت على كتابتها كلٌ من أمسك القلم فطغت على الساحة روايات هابطة شكلاً ومضموناً )) ص206
وقد كان للأدب الأندلسي نصيبٌ طيبٌ وحظ وافر في المكتبة, والحديث عما أُلف في ذاك العصر ومتونه وشعره ونثره وكتبه وسائر ما وُضع فيه من مؤلفات, ووصفِ كل كتاب ومنهج مؤلفه.. أما الشعر العربي المشرقي القديم والحديث, فالمكتبة حافلة بدواوينه الجمةِ المختلفة منذ العصر الجاهلي, ففصّل القول فيما لديه من شعر كل شاعر, بدءاً بامرئ القيس .. إلى عهود الشعر المتألقة في الأدب العربي وعصوره المشرقة إلى العصر الحديث, ولا يكاد يمرُّ الحديث عن ديوان دون أن يعرج المؤلف على ذكرياته عن الشاعر وما يحفظ مما يستجاد من شعره وعن أهم المواقف والطرائف لدى الشاعر, وصلتها بالمؤلف بها, فالحديث مثلاً عن امرئ القيس ودارة جُلجل الواردة في معلّقته, ذكّره ذلك بكتاب نفيس, يعدُّ من النوادر, اقتناه المؤلف في وقت مبكر من طلبه العلم, وهو كتاب (البلغة في شذور اللغة) وفيه كتاب عن الدارات للأصمعي, وقد حفز المؤلف اطلاعه على هذا الكتاب أن يبحث عن الدارات في معاجم البلدان , وكتب اللغة والشعر والأدب , وكان من ثمرة ذلك أن أعدَّ بحثاً بعنوان (دارات العرب في تراثهم اللغوي والجغرافي) بعثه إلى مجلة العرب, التي كان يصدرها العلامة حمد الجاسر, وكم كانت فرحة الباحث الشاب عظيمة إذ قرأه منشوراً في المجلة سنة (1389ه) , ثم أرسل إليه صاحب المجلة حمد الجاسر خطاب شكر وثناء على جهده القيم في ذلك البحث الرصين .. ويحثّه على مواصلة جهوده في هذا المضمار , وقد كان هذا الخطاب حافزاً للمؤلف على مواصلة الدراسات الأدبية والتوغل فيها, كما أن الخطاب وصل أسباب الباحث الشاب بالأستاذ العلامة حمد الجاسر, وأحكم عُرى المودة بينهما.. , وبعد هذا الاستطراد يرجع الحديث به ثانية إلى امرئ القيس, فيعرض للدراسات التي حظي بها أمير الشعراء في العصر الجاهلي وحامل لوائهم, ولا ينسى أن يعرج على ما سطّره الأستاذ الدكتور ناصر الدين أسد عن امرئ القيس في مصادره للشعر الجاهلي, ويكاد يستوفي الحديث عن كلّ ما كتُب وألّف عن امرئ القيس قديماً وحديثاً.. وفي هذا النهج يمضي بنا الدكتور عسيلان, مع كل شاعر ... يفصّل القول عن ديوانه وطبعته وتحقيقه, والملاحظات عليه مقارناً بين الطبعات.. بدراسة علمية جادة - وكل ذلك من خلال الدراسات والمؤلفات والبحوث التي تضمها مكتبته عن هذا المترجم أو الشاعر أو الأديب , وينحو المؤلف هذا النحو مع سائر الشعراء حتى إذا ما جاء إلى أبي تمام كان له معهأن آخر , فأبو تمام موضوع رسالته العلمية ودراسته وقد حقق حماسته, وتحقيق الحماسة موضوع ذو شجون وشؤون , أو كما يقول المؤلف في لازمته : ((الحديث عنه يبدأ ولا يكاد ينتهي ..)) وقد استغرق منه عشر صفحات كوامل .. فإذا ما وصل المؤلف إلى أبي الطيب المتنبي انشرح صدره معه أيضاً, وانبسطت أساريره, فالمتنبي رأس كبير والكلام عليه أكبر, قديماً وحديثاَ لما كان للمؤلف وأستاذه العلامة محمود شاكر مع المتنبي..
وهكذا يمضي بنا الكتاب متدرجاً من شاعر إلى آخر كالبحتري والمعري وغيرهما ومن أديب إلى ثانٍ ومن موضوع إلى موضوع ..
ولأن صلة المؤلف وثيقة بالنقد والأدب والبلاغة وهو باري قوسها فقد أفرد لها حيزاً واسعاً من مكتبته العامرة القيمة, مستعرضاً فنونها وما تضمّه مكتبته من المؤلفات العديدة فيها قديماً وحديثاً..
وما زال حتى وصل إلى أعلام الأدب العربي في العصر الحديث , فخصّ كل أديب بحديث مفصل عنه وعن مؤلفاته , بدءا بأستاذه العلامة محمود شاكر فارس التراث, فأفاض القول فيه, وعن جهوده في خدمة الأدب واللغة والتراث , وتحدّث عن لقائه العلامة محمود شاكر وصلته الوشيجة به إلى أن لقي ربه عليه رحمة الله.
ثم يأتي الحديث بعده عن شيخ أدباء العروبة والإسلام في العصر الحديث الأستاذ مصطفى صادق الرافعي, وقد لقي الحديث عن الرافعي هوى في نفس المؤلف الدكتور عسيلان, فأرخى القول عنه وسطرت براعته فيه نحواً من ثلاثين صفحةً لم يحظ أديب أو شاعر أو عالم بمثل ما ظفر الرافعيُّ به من عناية المؤلف, بحيث يمكن أن يعد حديثه عنه من أهم المراجع عن هذا الأديب الكبير, فكتب عن حيواته كافة العلمية والأدبية والاجتماعية ومؤلفاته وخصوماته ومعاركه الأدبية مفصلاً القول بما له وما عليه..
ثم جاء إلى الأستاذ العقاد فتحدث عنه وعن عصاميته, وشغفه بالقراءة والكتب, لكنه أشار إلى تناقضه في ذلك, فبينما أشيع عن العقاد انهماكه في القراءة وإيثار الكتب, إذ به يفاجئنا بأبيات هجائية دون المستوى نظمها متبرماً بالقراءة والكتب ضجراً منها , يقول مخاطباً الكتب :
ثم ختمها ببيت جمع فيه الحيف والشطط , بله الإثم والخطل إّ يقول :
وما ندري كيف غاب عن مظنة الأستاذ العقاد – غفر الله لنا وله – مكانةُ العلم والقراءة والكتابة , وأنها فريضة إسلامية فقد أقسم الله بالعلم والقراءة, والعلم وهجٌ نبوي سديدٌ إذ جعل النبي صلى الله عليه وسلم من تعليم القراءة والكتابة من فداء أسارى بدر .. مع هذا أنصفه المؤلف فلم يبخسه فأفاض عليه أوصاف العلم والعبقرية ..
ثم تحدث المؤلف عن الدكتور طه حسين مجلياً مكانته وما له وما عليه وما وقع فيه من الحوبِ في كلامه عن الشعر الجاهلي في القضية المشهودة, وقد اغتنم المؤلف سانحة الحديث عن طه حسين لينتصف لأستاذه العلامة محمود شاكر وليبيّن سرقات طه حسين فيما كتب عن المتنبي .. ولم ينس أن يذكر ما في مكتبته العامرة من مؤلفات وبحوث ودراسات عن الدكتور طه حسين .. وهكذا صنع مع الدكاترة زكي مبارك والمازني وسواهما.
ثم أفرد المؤلف مكاناً أثيثاً رحيباً للحديث عن أستاذه العلامة حمد الجاسر ومجلته العريقة الرصينة, وصلته الوشيجة به .. مثل صنيعه مع الشيخ العلامة ناصر العبودي, وما برع فيه في مجالات شتى كالرحلات واللغة والمعاجم المتعددة وسوى ذلك , مما سطّره قلم الراعف السيّال..
ثم تحدّث المؤلف عن مآل المكتبات الخاصة.. حتى وصل إلى قسم الكتب المهداة إليه من أصحابها العلماء والأدباء والشعراء والباحثين , كما أفرد جزءاً للحديث عن الكتب النادرة التي تضمها مكتبته العامرة المحروسة وثبتٍ طويل بها.
كما خصص موضعاً للحديث عن مطبوعات دور النشر المختلفة مما حوته مكتبته وأسماء المطابع وتواريخ الطبع, ونوادر المخطوطات والدوريات في المكتبة ثم ختم الكتاب ببعض الصور والملاحق ومنها: ملحق وسمه بعنوان: ثمار المكتبة وهو ما أكرمه الله فيه من الإنتاج الأدبي والتأليف العلمي, ثم ملحقٍ لنماذج الطبعات النادرة التي حوتها المكتبة وملحقٍ لإهداءات العلماء والأدباء والشعراء في الفنون كافةً ثم ختم الكتاب بفهرس لموضوعات الكتاب.
وبعد:
فقد أنشأت قراءةُ هذا الكتاب لي بعض الخواطر حوله, ولئن أقبلت على قراءته بنهم لقد أعادني إلى صدر شبابي الأول بأيام دراستي الجامعية فقد كنا ندرس مادةً اسمها: المكتبة العربية وقد كانت مادة صارمة جاسية, لم يكن فيها من صفاء الرونق وطلاوته ورقة الديباجة وعذوبتها ما قرأته في هذ ا الكتاب, الذي يقتسرك اقتساراً على المضي معه من باب إلى باب وأنت مستغرق في قضاياه الأدبية ومسائله العلمية وجمال أسلوبه الأخاذ الذي لا تستطيع فكاكاً من براعته وبلاغته ..
فقد عرض لقضايا علمية وأدبية بخبرة ودراية قد لا تجدها في مكان آخر فمن ذلك مثلاً ما كشفه عن حقيقة كتاب : ((شرح ديوان الحماسة لأبي تمام)) المنسوب لأب العلاء المعري , فقد كان عزم على تحقيقه , لكنه وجد فيه نقولاً استوقفته , إذ هي من مصادر المؤلفين البعيدين عن أبي العلاء المعري زمناً طويلاً , فضرب صفحاً عنه, وجعله أحد مصادره لشروح الحماسة وكان الدكتور عسيلان قد أثبت بالأدلة أن هذا الشرح المعزوَّ لأبي العلاء ليس له. وهو أول من اكتشف هذا وبنى عليه.. , وكذا في حديثه عن زيف ما نسب إلى أبي العلاء المعري أيضاً من شرح شعر المتنبي الموسوم ب ((معجز حمد)), وكذا فيما تحدث به عن كتاب تعريف القدماء بأبي العلاء وما فيه من المعلومات القيمة النادرة فقال : ((وهذا التنوع في المصادر يتيح للباحث فرصة اقتناص ما يحتاجه في بحثه عن أبي العلاء.. وكذا في حديثه عن كتاب : (المثل السائر) لابن الأثير, وقيمته العلمية وفنه البياني الرفيع , ويشير الدكتور المؤلف ((أن الذي دفع ابن الأثير إلى تأليف هذا الكتاب هو إعجابه بتفسير الكشاف للزمخشري, وما تجلى فيه من مقدرة في الكشف عن أوجه البلاغة والبيان في القرآن الكريم, ((والكشاف كما تعلمون أيها الأفاضل واحد من آلاف الكتب في نفسير القرآن الكريم يقول عنه صاحبه:
إن التفاسير في الدنيا بلا عدد
وليس فيها لعمري مثل كشافي
إن شئت تبغي الهدى فالزم قراءته
فالجهل كالداء والكشاف كشافي
ومن القضايا الأدبية التي نجدها في هذا الكتاب أيضاً : قصة ما شجر بين الدكتور طه حسين والعلامة محمود محمد شاكر حول المتنبي مما قد لا تجد تفاصيله في موضع آخر, وقد ذكرني هذا الباب بما كان يقدمه الأستاذ أنور الجندي في كتابه : ((المعارك الأدبية)) في الحقيقة فإن هذا الكتاب ((قصة مكتبة)) ثريٌّ بمناقشة القضايا الأدبية والمسائل العلمية , وقد اكتفيت بما قدمته من أنماطٍ عن ذلك وأما السِّمة الأخرى لهذا الكتاب (قصة مكتبة) فإن أول ما يجب الإشارة والتنويه به هو بلاغة الأستاذ الأديب الدكتور عبد الله عسيلان, وجزالة أسلوبه, ولن أطيل في الاستشهاد على ذلك, وسوف أُحيلُ القارئ على بعض ما استهواني من بدائع هذا الأدب وروائع المنشيء الأديب الدكتور عسيلان, فمنذ صفحاته الأولى إلى خاتمته تلمس إشراق اللفظ وجزالة العبارة وفصاحة التركيب, وبلاغة التعبير, ولنقفْ وقفة سريعة عند هذا النمط العالي من جمال البلاغة وفصاحة القول وتألق الصور البيانية وجمالها وسمو الخيال المجتمع وطرافة مصدق المعاني نستمع إليه وهو يحدثنا عن رحلته مع المخطوطات:
((رحلتي مع المخطوطات لها تاريخ يتغلغل في أعماق وجداني, ويلقي ظلّه الوارف على دروب حياتي, إذ منها كانت بداية انطلاقتي في مدارج العلم والمعرفة فقد فتحت عينيّ على مجالي هيبتها ووقارها منذ وقت مبكر .. أتلمّس الطريق إلى النبع الذي يسدّ الغلّة, ويطفئ أُزر الظمأ وأبحث عن مصادر النور الذي يبدد ظلمات الجهل , ويريد الله أن أجد ضالتي في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وهنا بدأت رحلةُ الشوق والحنين إلى لقاءِ الكتب واقتنائها, وفي هذا المضمار ساقتني قدماي إلى مكتبة شيخ الإسلام عارف حكمت.. وراح الشوق العارمُ يشدني إليها ويتزايد يوماً إثر يومٍ عند كل ومضة نورٍ تطوي في مساربِ دروبي اللاهثة مُزعةً من بساطِ الظلمة .. الخ)) وكله من هذا النمط العالي , وفي موضع آخر يتحدث عن الرواية وكتابتها ومؤلّفها , يقول :
((فمن حيثُ الشكل : نجد كثيراً من الروايات تشكو الوهن في بنائها الفني ومن حيث المضمون؛ تئنّ من الخواء الذي لا ينطوي إلا على الصراخ في وادٍ مهجور, لا يسمع فيه من يجأر بمضمونه سوى صوته يرجع إليه ليصفَعَه في وجهه على بشاعة الصوت الذي يحمل بنيرانه تشويهَ الصورةِ الناصعةِ للمحكي عنه, حين تغيب الصورةُ المشرقةُ الهادفةُ وتطل بأعناقها الصور المشوهةُ التي لا تعكس الواقع على حقيقته ..الخ)) وكذلك حين يتحدث عن مشاعره نحو أديب الأمة العربية المسلمة الأستاذ الرافعي رحمه الله , يقول الدكتور العسيلان: ((لا بد من الاعتراف أنه جعلني أصغي إليه .. لأتلقّى إبداعاته المنبثقةِ من (وحي قلمه) وأحلّق في عَنان السماء لأتربع معه على (السحاب الأحمر) أستنشق العبير الفواح من (أوراق الورد) وأتعاطف مع كل خفقة قلب تتصاعد منه ألماً .. وشفقةً في رحاب (المساكين) , وأتذوّق بإعجابٍ روعة البلاغة والبيان في (إعجاز القرآن والبلاغة النبوية) , وأستمتع بفنون وضروب النقد الأدبي البديع المبتكر , وأنتشي فخراً بتراثنا التليدِ (تحت راية القرآن) وأقف على ملامح ِ نقده وأسلوبه فيه من خلال (على السفود) ثم أعرف من هو الرافعيُّ الشاعر في (ديوانه).
وبعد:
فهذا في خواطر مرسلة سنحتْ لي وأنا أطالع الكتاب القيم الذي يمكن أن أقول إنه الكتاب الفذ البديع الذي ينسج على منوال غيره, ولم يترسم مؤلفه فيه خطى أحدٍ فيما أعلم فهو كتاب علم وأدب ومعرفة وثقافة وفن.
وما أحرى أن تقتطف بعض ثماره وأزهاره فتوضع بين يدي أبنائها الطلبة في مناهجهم وكتبهم المدرسية لتكون هذه المقتطفات مُثلاً وأنماطاً للأدب السامي الرفيع والبلاغة الغالية.
وبقي أن أشير أن في الكتاب بعض الأخطاء في الطباعة يمكن استدراكها في طبعة قادمة إن شاء الله. كما أريد أن يتم كمال الكتاب بوضع الفهارس الفنية اللازمة.
ولا يسعني في نهاية رحلتي الماتعة مع هذا الكتاب إلا أن أحمد الله على حسن التوفيق الذي للمؤلف في هذا الكتاب الفريد الفذ , والله ولي التوفيق.
** **


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.