قدماه تؤلمانه، أمواس حادة تمزق عضلات فخذيه، ألم غريب ظهر فجأة في ركبته اليمنى.. تذكَّر كلمة الطبيب: «هذا بسبب كثرة القيادة». قال بلهجة تملؤها التوسل: «أرجوك.. ألقِ نظرة أخرى؛ إن الملف لديك. هذا ما قاله لي زميلك عبد الرحمن؟». وبكل برود رد كجهاز آلي: «إذن، لتذهب إلى عبدالرحمن. ما شأني أنا؟». ثم صاح بصوت غليظ: «التالي». تقدم شخص أقل منه عمرًا يلهث، والعرق يندى من جبينه حاملاً أوراقًا لُطخت بعشرات الأختام والتواقيع. وضعها برفق أمامه كما تضع الأم ابنها؛ فأمسك الأخير بالأوراق، وقذفها في جوف مكتبه، وقال: «راجعنا الأسبوع القادم». ثم صاح: «التالي». استغلها فرصة فرمى نفسه أمامه، وقال: «عبدالرحمن في إجازة، وقال إن الموضوع لديك. أرجوك ساعدني؛ لي شهر وأنا أصول وأجول حول هذه المعاملة». التفت إليه شزرًا وقال: «عبدالرحمن ليس هنا، ولم يقل شيئًا». ثم صرخ: «التالي». فدلف شاب أنيق، يحمل ملفًا رفيعًا. ألقى التحية، ثم قال له: «يسلم عليك أبو وليد». فتهلل وجهه العابس، وبانت أسنانه الصفراء، وفاحت منه رائحة النيكوتين، وانخرطا في حوار جميل دافئ ناعم. وقَّع الورقة، وسلمها إياه مع الابتسامات، ثم صاح: «التالي». تقدم رجل مسن بملف ضخم، فأخذه منه ورماه في الدرج. في أثناء هذا بان طرف ملف قديم؛ فصاح «ها هو، ها هو، إنه ملفي». التفت إليه، وأخرج الملف، ونظر إليه، وقال: «أحد التواقيع ناقص. هيا خذه؛ لكي أنهي المعاملة». «أرجوك، توقيع مَنْ الناقص؟». رد بلا مبالاة: «توقيع عبدالرحمن». ثم زأر بهم: «التالي».