أمير القصيم يهنئ القيادة الرشيدة بمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك    وزير الخارجية يستعرض العلاقات التاريخية مع رئيس المجلس الأوروبي    نيمار يُعلق على طموحات الهلال في كأس العالم للأندية    يامال يصف ظهوره الأول في كأس أمم أوروبا بأنه «حلم»    متحدث الداخلية: اكتمال المرحلة الأولى من خطط أمن الحج    ثنائي إنجليزي يتنافس لضمّ سعود عبدالحميد    فسح 2.1 مليون رأس من الماشية استعدادًا للحج    ضبط 25 مخالفًا نقلوا 103 غير مُصرَّح لهم بالحج    بدء نفرة الحجاج إلى مزدلفة    الرئيس الشيشاني يُغادر المدينة المنورة    وزير الداخلية يؤكد اعتزاز المملكة واهتمام القيادة بخدمة ضيوف الرحمن    «الرياض» ترصد حركة بيع الأضاحي.. والأسعار مستقرة    النفط يسجل مكاسب أسبوعية بفضل توقعات الطلب القوية رغم انخفاضه    خبراء صندوق النقد: استمرار ربط الريال بالدولار مناسب للاقتصاد    بدء مفاوضات انضمام أوكرانيا للاتحاد الأوروبي    40 نيابة قضائية لمباشرة قضايا موسم الحج    حرس الحدود بعسير يقبض إثيوبي لتهريبه 45 كيلوجرامًا من مادة الحشيش المخدر    رئيس مصر يزور المتحف الدولي للسيرة النبوية    العيد في غزة حزين وبلا أضاحي    الشيخ المعيقلي في خطبة عرفة: الحج إظهار للشعيرة وإخلاص في العبادة وليس مكانًا للشعارات السياسية ولا التحزبات    خالد الفيصل يطمئن على سير الخطط المقدمة لضيوف الرحمن    «دله الصحية» تقدم عبر مستشفى مركز مكة الطبي رعاية طبية عالية الجودة لخدمة ضيوف الرحمن    إسبانيا تقسو على كرواتيا بثلاثية في افتتاح مشوارها بيورو 2024    خادم الحرمين وولي العهد يتلقيان برقيات تهنئة بمناسبة عيد الأضحى المبارك    نائب أمير منطقة مكة يستقبل وزير الحج والعمرة في مقر الإمارة بمشعر عرفات    تصعيد أكثر من 42 مليون سلعة تموينية للحجاج في عرفة ومزدلفة    وزير الخارجية يترأس وفد المملكة بقمة السلام في أوكرانيا    أكثر من 1.8 مليون حاج وحاجة يقفون على صعيد عرفات لتأدية ركن الحج الأكبر    وزير الحج يعلن نجاح خطط التصعيد من مكة ومشعر منى إلى صعيد عرفات    (621) مليون مستفيد ومستمع لترجمة خطبة عرفة عالميًا    تصعيد في جنوب لبنان.. واشنطن تخشى الانزلاق لحرب    سياسي مصري: قصف مخيمات النازحين «جريمة حرب»    مع دخول الصيف.. سكان مخيمات غزة يواجهون «الجحيم»    "الصحة" تُحذر الحجاج من أخطار التعرض لأشعة الشمس    وزير الإعلام يتفقد مقار منظومة الإعلام بالمشاعر المقدسة    رجل أمن يحتضن الكعبة.. خدمة وشوق    الأجواء المناخية بطرق المشاعر المقدسة    أبحاث تؤكد: أدمغة الرجال تتغير بعد الأبوّة    انضمام مسؤول استخباراتي سابق إلى مجلس إدارة شركة Open AI    نائب أمير مكة يتابع أعمال الحج والخدمات المقدمة لضيوف الرحمن    السعودية تتسلم علم استضافة أولمبياد الفيزياء الآسيوي 2025    2000 إعلامي من 150 دولة يتنافسون في الأداء    مركز العمليات الأمنية ل«عكاظ»: نرد على المكالمات في ثانيتين    مصادر «عكاظ»: الشهري يدرس عروض أندية «روشن»    «السيادي السعودي» يعتزم الاستثمار في الهيدروجين الأخضر و«المتجددة»    النائب العام يجري جولة تفقدية على مركز القيادة والتحكم للإشراف المباشر على أعمال النيابة العامة بالحج    «الزامل للتنمية القابضة» شريكٌ في «عنان إسكان»    «SSF» قوات النخبة.. تدخل سريع للحماية والتأمين    حجاج صندوق الشهداء والمصابين والأسرى والمفقودين يحطون رحالهم في منى    4 أطعمة مناسبة أثناء تناول حقن التنحيف    40 عاماً لتخطي سوء معاملة طفل !    مركز البحوث السرطانية: لا تتجاهل البقع الزرقاء !    الأخضر تحت 21 عاماً يخسر من بنما بركلات الترجيح في بطولة تولون الدولية    فيلم "نورة" من مهرجان "كان" إلى صالات السينما السعودية في رابع العيد    120 مليون نازح في العالم    صحفيو مكة يشيدون بمضامين ملتقى إعلام الحج    هدايا بروح التراث السعودي لضيوف الرحمن    العيسى: تنوع الاجتهاد في القضايا الشرعية محل استيعاب الوعي الإسلامي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



للزوجة الحق في طلب القضاء إذا تعرضت للضرب أو الإساءة أو الهجر
د. قيس آل مبارك .. عضو هيئة كبار العلماء ل«الجزيرة»:
نشر في الجزيرة يوم 25 - 04 - 2014

حث فضيلة الشيخ د. قيس بن محمد آل مبارك عضو هيئة كبار العلماء على الزواج والبحث عن الزوج الصالح، حيث إنه استقرار وأمن وطمأنينة وسكن ونواة للمجتمع، وإنه اقران بين طرفين على سبيل الدوام والاستمرار، وأكد د. آل مبارك أن للطلاق آداباً لابد الالتزام بها فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان محذراً من الذين يسيئون لزوجاتهم .. جاء ذلك في حوار مع الشيخ قيس آل مبارك، فيما يلي نصه:
* كيف ترون أهمية الزواج كاستقرار ونواة للمجتمع المسلم ومن يسيئون إلى زوجاتهم؟
- الزواج اقترانٌ بين طرفين على سبيل الدوام والاستمرار، فهو مبنيٌّ على التَّأبيد ومُنافٍ للتوقيت، فقِوامُهُ رغبةُ الزوجين في اقترانٍ دائم، لتحقيق مقصود شريف وميثاق عظيم وهو النسلُ والألفة، فإذا وقع شقاقٌ وتنازعٌ بينهما، بأنْ قصَّر أحدُهما في حقوق الآخر، ومن باب أولى في حقوق الله كالصلاة والصيام، فقد وضعت الشريعةُ علاجاً لهذا التقصير الذي يُسمَّى نشوزاً، فإن كان النشوز من الزوج، وذلك حين يُخلُّ ببعض حقوق الزوجة، فيمنعها من التجارة، أوكان يضربها أو يهجرها بلاسبب أو كان يشتمها، فلها أن تطلب الطلاق إن شاءتْ، أما إن كانت راضيةً به راغبةً في إصلاحه والبقاء معه، فعليها أنْ تبدأ بنُصحه، فإنْ أبَى فلها أن ترفع الأمر للقاضي، وعلى القاضي أن يسعى في إصلاحه بثلاث وسائل، فَيَبدأ بوعْظه، فقد يتَّعِظ، فإن لم يصلح حالُه، يأمر الزوجةَ بأنْ تَهجرَه، فإنْ نفع هَجْرُها له وصلح حالُه فالحمد لله، وإن لم يصلح حاله، فيجوز للقاضي أن ينتقل إلى الوسيلة الثالثة، فيضربه إن ظنَّ أن الضرب يُصلحه، فإنْ ظنَّ القاضي أنه ليس ممن يَصلح بالضرب فلا يضربه، بل يكتفي بوسيلتين، وهما الوعْظ والزجر، وأما إن كان النشوز من الزوجة فللزوج أن يسعى في إصلاحها بتلك الوسائل الثلاث وبنفس الترتيب، فيعظها أوَّلا، ويُعرِّفها بحُسْن العشرة معه، والوفاء بحقِّه في الصُّحبة، فإنْ استقام حالُها، وإلا جاز له أنْ يهجرها بترْك المبيت معها في الفراش، كما قال تعالى: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} (34) سورة النساء، إذْ لا يجوز له أنْ يهجرها بالخروج من البيت، فإنْ لم ينفع معها الهجر، وظنَّ الزوج أنَّها يمكن أن تتَّعظ بالضرب جاز له أن يضربها، أما إذا علم أنَّ الضرب لا يُصلحها فلا يجوز له أنْ يضربها، ومن جميل كلام سعيد بن جبير: (يَعِظُهَا فإن هي قَبِلَتْ وإلا هجرها، فإن هي قَبِلَتْ وإلا ضربها، فإن هي قَبِلَتْ وإلا بعث حَكَمًا مِن أهلها وحكما من أهله، فينظُران مِمَّن الضَّرر، وعند ذلك يكون الخلع) فالمصير للضرب خلاف الأصل، ولذا كان مشروطاً بأنْ يُعلم أنه العلاج، لأن المقصود هو التخويف فقط كما قال الفقهاء، وهذا هو هدْيُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقد قالت أمُّنا عائشةُ رضي الله عنها: (ما ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - امرأةً له ولا خادماً قطُّ) ثم إنَّ ترتيب هذه المراحل العلاجية واجبٌ، فلا يجوز الهجر قبل الوعظ، ولا الضربقبل الهجر، والأفضل في الأحوال جميعها ألا يؤدَّب بالضرب، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ولن يَضرب خيارُكم) فأباحَ التأديب بالضرب، غير أنَّه استحبَّ تَرْكَه، قال الحافظ أبوبكر بن العربي: (ومِن النساء بل ومِن الرجال مَن لا يُقيمه إلا الأدب، وإنَّ في الهَجْرِ لَغَايَةَ الْأَدب) فعدم الضرب هو الأفضل والأليقُ بعموم الرِّجال، وخاصَّة أهل المروءات منهم، ثم إنَّ الضرب المقصود هو ضرب الأدب كما قال الفقهاء، أي ضرباً على سبيل التأديب، فشرْطُه أن يكون خفيفاً غير مبرح، أي غير مؤثِّرٍ ولا شاق، قال عطاء رحمه الله: (قلت لابن عباس: ما الضرب غير المبرِّح؟ قال: بالسِّواك ونحوه) هذا هو فقه الشريعة الإسلامية، وأين هذا الفقه من واقعِ كثيرٍ من أشباه الرجال، الذين بلغَ بهم الضَّعفُ أنْ يستقووا على نسائهم بالضرب، فالحرُّ تأبى عليه رجولتُه أنْ يمدَّ يده لضرب زوجته، كيف وقد تزوَّجها بشرط إكرامها! ثم إنَّ الضرب إن كان بغير سببٍ، فإنه جنايةٌ، وللمرأة أنْ تطلُبَ القصاصَ منه، وأما إن كان الضرب بسببٍ صحيح، فإنَّه من العيب الذي يُعابُ به الرجال، فحين لَطمَتْ امرأةٌ حاتمَ الطائيَّ قال: (لو غيرَ ذاتِ سوارٍ لطمَتْني) يريد أنه ليس من الرجولة أنْ يقتصَّ الرجلُ من المرأة، ومثله ما جاء عن التابعي الجليل شريح القاضي، وكان تزوج امرأةً من بني تميم تسمى زَينب، وكان له جارٌ يضرب امرأته، فقال شريح:
رأيتُ رجالاً يضربون نساءَهم
فشُلّت يميني يومَ تُضرب زَيْنب
أأضربها في غير ذَنْب أتتْ به
فما العدل منِّي ضرْبُ مَن ليس يُذنبُ
ومما ذكره الفقهاءُ، وينبغي أنْ يَعِيَهُ الأزواج، أنَّ الزوجةَ إذا ضربها زوجُها ضرباً خفيفاً غير مبرِّح، فإن عليه أن يُثبتَ - ببيِّنةٍ أو إقرارٍ منها- أنه ضربها بسبب معصيةٍ ارتكبتْها، وأنه استنفد المرحلتين السابقتين للضرب، فإنْ لم يُثبِت أنها أذنَبَتْ، وأنكَرَت الزوجةُ أنها أخطأتْ، فلها أن ترفع الأمر للقاضي ليؤدِّب هذا الزوج.
* وماذا عن الطلاق ولماذا تفشى في المجتمع؟ وما هي الضوابط المطلوبة؟
- لا غرابة في أن يكون للطلاق آداب، فالشريعةُ كلُّها آداب وأخلاق، وإنما بُعِث عليه الصلاة والسلام ليتمم مكارم الأخلاق، وكان خُلقُهُ صلوات ربي وسلامه عليه القرآنَ، فكلِمةُ «أنتِ طالق» شاقَّةٌ على لسان الكريم، ووقْعُ كلمة «فلانٌ طلَّق زوجته» شديدٌ على نفوس السامعين، وإنما أباحَه الشرعُ استثناءً، إذا عسُرَ الوفاق بين الزوجين، وتعذَّر الصلحُ بينهما، فالطلاق في هذه الحال خيرٌ للزوجين من البقاء في أُسرةٍ لا أُلْفةَ بينها ولا ترابط، فكان الطلاقُ ارتكاباً لأخفِّ الضررين ودفعاً لأعظم المفسدتين، فأُبيحَ بضوابط وآداب، فمنها ألا يطلِّق قبل التفكُّر والتبصُّر في العواقب، لئلا يُضطرَّ بعدها أنْ يستجدي مَن يُعيد له زوجته، فحرَّم اللهُ أنْ يطلق الرجلُ زوجتَه لأدنى خلاف يقع بينهما، فهذا ليس من المروءة، وليس من صفات الرجال، بل هو إثمٌ ومعصية، ولوعَلِمَت الزوجةُ أنه يُنهي الرابطة الزوجية لخلاف بسيط، لما قَبِلَتْهُ زوجاً، فحين طرق بابَها خاطباً، كان غايةً في التَّوَدُّد لها ولأهلها، فيتزوَّجها بالحسنى، فقبيحٌ به أنْ يطلِّقها بغير الحسنى، وقد جعل اللهُ الطلاقَ بيد الرجل، على أنْ يكون رجلاً بحقّ، فما أكثر المتصلين بي وبغيري، الذين طلَّقوا نساءهم بسببٍ تافه ثم عضَّوا أصابع الندم، وبعضهم أخذ يبكي حسرةً لفراقها، وأقبح من ذلك أن يعلِّق طلاقَها على أمور خارجية، مثل أنْ يقول لضيفه: عليَّ الطلاق إلا أنْ تَقبل بالغداء عندي، فهذا يجب على القاضي تأديبه، بل إنْ اعتاد ذلك فهو ضعيف المروءة، وعلى المحاكم ألا تَقبل شهادتَه، ولو حافظ عليها محافظة الرجال، لَما بكى بكاء النساء، ولكنه عدم الالتزام بأدب الطلاق، وقد قال سيِّدُنا عليُّ رضي الله عنه: (لو أنَّ الناسَ أصابُوا حَدَّ الطلاق، ما ندمَ رجلٌ على امرأةٍ يُطلِّقها) ومما ذكره الفقهاء مِن آداب الطلاق تحريم تطليقها وهي حائض، فالواجب على الزوج أنْ ينتظر إلى أن تَطهُر، فإذا طهرت وهو لايزال على قناعةٍ من تطليقها جازَ له أن يطلِّق قبل أن يَقربَها، فيطلِّقها طلقة واحدة وهو هادئٌ غير غضبان، فهذا هو التسريح بإحسان، فإما أنْ تقبل بها، أو تُفارقها بالحسنى، وبهذا يكون وَقْعُ الطلاق عليها أخفَّ، ولاتطول عليها العدَّة، وأيضا فهذا الأمر يمنع الزوج من اتخاذ قرارٍ متهوِّر، فلعلَّه يعودُ لِعقله خلال هذه المدَّة، أمَّا المبادرة بالتطليق فحماقة، فمن رحمة الله بعباده أنْ جعلالطلاق محدوداً بطلقة واحدة، بمعنى أنه لا يجوز للزوج أن يطلِّق زوجته أكثر من طلقة، فإن طلق بأكثر من طلقة، ولو بلفظ واحد، لَزِمَتْهُ الطلقات الثلاثُ كلُّها، ويكون آثماً عاصياً لله ورسوله، بل وعلى القاضي أن يؤدِّبه، فقد طلق رجلٌ امرأتَه ثلاث تطليقات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيُلعب بكتاب الله وأنا بين أظهرِكم) فكلُّ طلاق حصل والزوجة في غير طهر فهو بدعة، وكذلك الطلاق بالثلاث بدعة، فقد صحَّ عن سيدنا عمر رضي الله عنه أنه كان إذا أُتيَ برجلٍ طلَّق امرأته ثلاثا، ضربَه وأدَّبه، فليت قضاتنا يقتدون بعمر، وقد صحَّ أنَّ رجلاً طلَّق امرأتَه ثلاثاً، ثم جاء إلى سيدنا عبد الله بن عباس ليعيدها له، فقال ابنُ عباس: (يَنطلقُ أحدُكم فيركب الأُحموقة، ثم يقول: ياابن عباس ياابن عباس! إنَّ الله قال: «وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا» وإنَّك لم تتَّقِ اللهَ، فلا أجدُ لك مخرجاً، عصيتَ ربَّك وبانَتْ منكَ امرأتُك) ثم إنّ للزوجين أنْ يتراضيا ويعودا لبيت الزوجية قبل انتهاء العدَّة بلا عقدٍ جديد وبلا مهر، فإنْ اختلفا مرَّة ثانية، وأراد الزوجُ التطليق، فَلْيطلِّقها بالحسنى، كما فعل في الطلقة الأولى، ثم عليه بعد الطلقة الثانية أن يكون على حذر، فإما أنْ يُحسن عشرتها ومعاملتها، وإما أن يطلقها طلقة ثالثة، ولْيَعلم أنها لن تحلَّ له بعد الثالثة، ولا يُمْكِنُه أنْ يراجعها خلال العدَّة، بل ولا الزواج منها مرَّةً أُخرى، إلا أنها إنْ تزوجَت غيرَه، ثم لم تتوافق مع هذا الزوج الثاني فطلَّقها، فحينئذ يجوز لزوجها الأول بعد تطليقها من الثاني أن يخطبها ويتزوجها بعقدٍ جديد، فعلى الرجال أن يتَّقوا الله ولا يتلاعبوا بالطلاق.
* كيف ترون طلب الزوجة الطلاق بلا سبب؟
- أباح الله النكاح، وجعل مقصودَهُ الأعظم وجود النسل وأن تشيع الأُلفة بين أفراد الأسرة، وتحصُل الطمأنينة والسكن والتوادُّ والتراحم {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} وجعله سبحانه مبنيَّاً على التَّأبيد، فلا يجوز أن يكون له أمَدٌ محدود، فتحديده بفترة زمنية يُقرِّبُه من عقد الإجارة، ويَنزِع منه معنىً عظيماً، وهو تَطلُّبَ الزوجين للمودَّة ولدوامها، ولهذا أَبْطلَه الشرع، أما الطلاق فهو حَلٌّ للعصمة المنعقدة بين الزوجين، ومقصودُه رفعُ الضرر الواقع على أحد الزوجين من الآخر، والأصل فيه أنه ممنوع، لأنه كفرانٌ لنعمة النكاح، وإيذاءٌ للزوجين ولأولادهما، وهو هدمٌ لبيتٍ وتشتيتٌ لأُسرة، فتتضرَّر المرأة التي سلَّمتْ نفسها لرجلٍ على أملِ أن يكون سبباً لسعادتها، وعَقَدَتْ آمالاً على أن تكون شريكةً له في تكوين بيتٍ هانئ، فكان الطلاقُ هدماً لكل هذه الآمال، فللزوجة إن وقع عليها ضررٌ من زوجها، أنْ تَطلب الطلاق، فيُجبرُه القاضي على تطليقها، ومن صور الضرر تَرْكُ الحديث معها، بل لو انشغل الزوج بكثرة التعبُّد عنها، جاز لها أن تطلب الطلاق، لأنه إضرارٌ بها، أما طلب الطلاق بلا سبب فلا يجوز لها، غير أن الشرعَ الشريف أذنَ لها أن تطلب الطلاق إنْ كرِهَت البقاء معه، ولو لدَمامةِ خَلْقِه، فإذا رأتْ الزوجة أنَّها تتأَذَّى مِن البقاء مع زوجٍ لا تحبُّه، فلها أنْ تتفق معه على مبلغٍ من المال تدفعُه له على أنْ يُطلِّقها، ويسمّى هذا خَلعاً، فقد جاءت امرأةُ ثابتِ بن قيس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت: إني لا أَعْتُبُ على ثابتٍ في دِينٍ وَلاَ خُلُقٍ، ولكنِّي لا أُطِيقُهُ، فطلَّقها رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، على أنْ تَرُدَّ عليه حديقتَه، كما أن للزوج أن يطلِّق إن شاء، متحمِّلاً خسارة ما أنفقه وبذله من مهر وتكاليف النفقة والسكنى، وما سيبذل من مهر وغيره إذا أراد الزواج مرة أخرى، فالزوج عادةً لا يطلِّق إلا إذا تعذَّرت العشرة الزوجية، فأُبيحَ الطلاق حين تتعذَّر الأُلفة ويُخشى من حصول الضرر لأحد الزوجين، فيباحُ رخصةً ورحمة من الله بعبادِه، لئلا تكون الرابطةُ الزوجية سجناً مغلَقاً يُحبَس فيه الزوجان، وتشتدُّ بسببه الكراهية بينهما، وتنفتح عليهما أبوابٌ من افساد، كما في بعض الطوائف التي تحرِّم الطلاق، فكانت إباحتُهُ باباً من أبواب الفرج، وخروجاً من مذلَّةٍ قد تتعرَّض لها الزوجة إذا أُجبرَت على البقاء في بيت الزوجية بلا محبة ولا أُلفة، فإنها إنْ أُجبِرَتْ على البقاء، فلن تكون زوجةً تتمتع بكامل الحقوق الزوجية، ولا طليقةً تفارقُه فيغنيها الله بزوج يناسبها كما قال تعالى: {وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ} ويندب للمطلِّق أنْ يعطي طليقتَه شيئاً من المال، قال تعالى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} ومن رحمة الله أنْ شرع قَبْلَه الصلحَ ونَدَب إليه، لمنع الشقاق المفضي إلى الطلاق، قال تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا}، وقد أجمع العلماء على أن المخاطَبَ بقوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ} ليس الزوجان وحدهما، بل هما الحَكَمان، ومِن ورائهما المجتمع كلُّه، وهذه إشارةٌ قرآنية إلى أنَّ تفشِّي ظاهرة الطلاق مخيفٌ للمجتمع كلِّه، فظاهرة الخلافات الزوجية تعتبرُ همَّاً كبيراً من هموم المجتمع، كما يُفهم من الآية الكريمة، وهذه الآية أصلٌ من أصول الشريعة المهجورة، وقد عَابَ الحافظُ أبو بكر بن العربي رحمه الله على قضاةِ زمانه إهمالَ هذا الأصل، والأصل في الحَكَمَين أن يكونا من أهل الزوجين، لأنهما أعرف بأحوالهما، فإنَّا إذا عَدِمْنا مَن يَصلح لذلك مِن أقاربهما، فعلى القاضي أن يختار حَكَمين من عموم المسلمين، فما أعظم أنْ يكون في المحاكم هيئةً لإصلاح ذاتِ البين، ولها لجانٌ متعدِّدة الأغراض، تَعمل بِهذا الأمر الربَّاني، بعضُها تقدِّم نصائح وتوجيهات للزوجين، وبعضها تتولَّى عملية الإصلاح والتوفيق بينهما، وبعضها للبتِّ في النزاعات، فإذا عزَّت الحيلة، وعَسُر التوافق، جاز الطلاق بضوابط وآداب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.