قبل سنوات ظهرت سيدة لا تبدو عليها سمات الأتباع التقليديين لحزب الله على قناة المنار لتقول أمام العالم: أريد من حسن نصر الله بعد الحرب أن يمنحني عباءته لأمرغ وجهي ووجوه أبنائي بعرقه, كانت تقول ذلك والقلوب جميعها مع المقاوم الذي تهاجمه إسرائيل في معركة يوليو - تموز 2006, بل إن تلك السيدة زادت من رغبتها لتقول: سأقطع هذه العباءة أجزاء صغيرة لتوزيعها على أكبر عدد ممكن من العرب لعل كرامتهم الضائعة أن تعود! وقبل ذلك الموقف بسنوات كنت أستمع إلى مجموعة من الطلاب الخليجيين والعرب في بريطانيا يتحدثون عن فارس مغوار قادم من عصور المجد والرفعة اسمه السيد حسن نصر الله.. كان حديثهم مشبعاً بالعاطفة والانبهار وحين أفصحت عن قناعتي لهم بأن الرجل جزء من أجندة إيرانية تستهدف المنطقة سخر الجميع من قولي وانتهى حديثي بأن الزمن كفيل بإسقاط الأقنعة.. لم يكن بين الموجودين آنذاك لبناني أو شيعي واحد، بل كان أحدهم ممن قد يراه السيد حسن اليوم سلفياً متعصباً. أجمل وصف أجده اليوم مناسباً للسيد حسن هو ما قاله الباحث Christian Bovee والذي قال ذات يوم إن عدم المصداقية هي العمل على مجد مؤقت لتضييع مجد باقٍ.. وقد فُرض على حسن نصر الله أن يصنع ذلك المجد وفق أجندة محددة استنفدت شروطها, وحين حانت ساعة الحقيقة سقط القناع الذي يختبئ خلفه ليكشف أنه مجرد أداة صغيرة لا يمكن أن تعمل إلا حيث يريد سيدها.كان حسن نصر الله ومن خلال سادة المشروع الذي يُعد أحد الأدوات في تنفيذه يستغل مرحلة السبات العربي وعدم قدرة الساسة العرب المثقلين بعلاقات دبلوماسية واستحقاقات داخلية ودولية ومناخ عدم ثقة بينهم لدعم التعاون والتكامل في المواقف ليظهر بين الفينة والأخرى لإلهاب المشاعر وخطف الأضواء بلغة تحدٍ وحركات جسد مفتعلة لا يمكن وصفها بأكثر من «راب» سياسي.. كان جزءاً من متعة حسن نصر الله في الخطابات الكبرى التقليل من مواقف الحكومات العربية لمزاً وتصريحاً حسب ما يقتضيه الموقف واتهامها بعدم تمثيل الشعوب وخذلانها!! حين سقط صدام حسين وبرز الحكم الإيراني للعراق بالوكالة انتظر الجميع من البطل المغوار موقفاً يصدق مبادئه التي طالما تغنى بها لكنه ظل ملتزماً بالأوامر في جحره دون حراك.. وسرعان ما تدارك الموقف من خلال هامش مناورة مناسب يمكنه من اللعب على تناقضات الأحداث دون ثمن.. لتتكالب عليه المواقف والأحداث فتنزع عنه ورقة التوت الأخيرة مع الثورة السورية, فالرجل الذي كان يقول في مهرجان الانتصار الذي وصفه أتباعه بأضخم تجمع جماهيري في تاريخ لبنان إن قلبه ومشاعره وأحزانه في غزة ورام الله ونابلس وجنين والقدس وأنه يتألم لكل بلدة وقرية فلسطينية تُقصف وتُهدم ويُقتل شبابها ورجالها ونساؤها.. متسائلاً عن سبب سكوت العالم والعرب طالباً رفع هذا العار والخزي.. أصبح أكبر داعم ومؤيد ومشارك في آلة القتل الأسدية, فالكلمات الملهبة للمشاعر تجمدت وتحولت إلى النقيض حين حدث ذات السيناريو من قِبل حليفه وولي نعمته الأصغر بشار الأسد وجيش مقاومته البطل.. فجثث الأطفال الرضع وعبرات النساء المغتصبات وبقايا الأجساد التي هدمت بيوت أصحابها على رؤوسها ومحاولات كسر كرامة المواطنين بالركوع والسجود لصور السفاحين لم تكن في نظر السيد المأجور أكثر من مؤامرة على حصن المقاومة والممانعة الورقي.. وبدلاً من أن تذرف دموعه على شهداء الشعب السوري الذي ساهم هو وعصابته في قتلهم شريكاً بالكلمة والرجال والعتاد خرج بكل وقاحة أمام العالم ليبكي على جزاري الشعب السوري ويصفهم بأبطال المقاومة.. بل إن مفاوضاته التي ما فتئ يصوّرها بالانتصار والبطولة لإطلاق سراح أسرى حزبه من إسرائيل تحولت إلى مفاوضات مع السوريين المكلومين لإطلاق سراح 11 شبيحاً من عصابته وقعوا في أسر المقاومة السورية ضمن من أرسلهم لدعم قلعة الصمود والمقاومة!!كل ما أتمناه اليوم أن تلتقي قناة المنار بتلك السيدة التي أتذكر أن اسمها ريم بعد أن تكشفت الأحداث لتسألها عن مصير عباءة نصر الله, لأني أعتقد بأنها تحولت إلى قطع صغيرة هذه المرة ليس لتوزيعها على العرب، من أجل عدوى الكرامة وإنما لكي لا تمسها يد فتصاب بمرض عضال من تلون المواقف وعدم المصداقية الذي يعاني منه صاحب العباءة. دمتم بود وإلى لقاء. عبر تويتر: fahadalajlan@