كلية القيادة والأركان للقوات المسلحة.. ريادة في التأهيل والتطوير    تتويج الفائزين بجوائز التصوير البيئي    نائب أمير تبوك يشهد حفل تكريم طلاب وطالبات مدارس الملك عبدالعزيز النموذجية بالمنطقة    تأكيد على متانة اقتصاد المملكة في مواجهة التحديات    استخدام التكنولوجيا يعزز السياحة البينية الخليجية    70 مليار دولار حجم سوق مستحضرات التجميل والعناية الشخصية الحلال    بحضور سمو نائب أمير عسبر التدريب التقني بالمنطقة تحتفل بخريجيها للعام 1445 ه    المملكة تدين مواصلة «الاحتلال» مجازر الإبادة بحق الفلسطينيين    رفح تحت القصف.. إبادة بلا هوادة    مؤتمر بروكسل وجمود الملف السوري    الإسراع في بناء المجتمع الصيني العربي للمستقبل المشترك نحو العصر الجديد    تتويج الهلال ببطولة الدوري الممتاز للشباب تحت 19 عاماً .. بمقر النادي في الرياض    الاتحاد يودع مدافعه عمر هوساوي    القيادة تهنئ رئيسي أذربيجان وإثيوبيا    القادسية يُتوّج بدوري يلو .. ويعود لدوري روشن    الملك يرأس جلسة مجلس الوزراء ويشكر أبناءه وبناته شعب المملكة على مشاعرهم الكريمة ودعواتهم الطيبة    بلدية الخبر تصدر 620 شهادة امتثال للمباني القائمة والجديدة    أمير الرياض ينوه بجهود "خيرات"    فيصل بن مشعل يكرم الفائزين بجائزة القصيم للتميز والإبداع    هيئة تنظيم الإعلام: جاهزون لخدمة الإعلاميين في موسم الحج    «جائزة المدينة المنورة» تستعرض تجارب الجهات والأفراد الفائزين    مكتب تواصل المتحدثين الرسميين!    هؤلاء ممثلون حقيقيون    تعب محمد عبده    أمير المدينة يستقبل السديس ويتفقد الميقات    الهلال الاحمر يكمل استعداداته لخدمة ضيوف الرحمن    في أقوى نسخة من دوري المحترفين.. هلال لا يهزم اكتسح الأرقام.. ورونالدو يحطم رقم حمدالله    أخضر الصم يشارك في النسخة الثانية من البطولة العالمية لكرة القدم للصالات    إرتباط الفقر بمعدل الجريمة    مثمنًا مواقفها ومبادراتها لتعزيز التضامن.. «البرلماني العربي» يشيد بدعم المملكة لقضايا الأمة    أمريكي يعثر على جسم فضائي في منزله    وزارة البيئة والمياه والزراعة.. إلى أين؟    ضبط 4,77 ملايين قرص من مادة الإمفيتامين المخدر    أسرة الحكمي تتلقى التعازي في محمد    «أوريو».. دب برّي يسرق الحلويات    القارة الأفريقية تحتفل بالذكرى ال 61 ليوم إفريقيا    «نفاذ» يحقق التكامل مع المنصات الحكومية    ولاء وتلاحم    وزير الحرس الوطني يرأس الاجتماع الثاني لمجلس أمراء الأفواج للعام 1445ه    بطاقات نسك    الحسيني وحصاد السنين في الصحافة والتربية    اختتام معرض جائزة أهالي جدة للمعلم المتميز    تواجد كبير ل" روشن" في يورو2024    في نهائي دوري المؤتمر الأوروبي.. أولمبياكوس يتسلح بعامل الأرض أمام فيورنتينا    شاشات عرض تعزز التوعية الصحية للحجاج    دعاهم للتوقف عن استخدام "العدسات".. استشاري للحجاج: احفظوا «قطرات العيون» بعيداً عن حرارة الطقس    النساء أكثر عرضة للاكتئاب الذهاني    عبدالعزيز بن سعود يلتقي القيادات الأمنية في نجران    افتتاح قاعة تدريبية لتدريب وتأهيل مصابي تصلب المتعدد    «نايف الراجحي الاستثمارية» و«مسكان» تطلقان شركة «ارال» لتطوير مشاريع عقارية عملاقة مستدامة تحقق بيئة معيشية متكاملة    مخفية في شحنة قوالب خرسانية .. ضبط أكثر من 4.7 مليون قرص من الإمفيتامين المخدر    سلمان بن سلطان: رعاية الحرمين أعظم اهتمامات الدولة    السجن والغرامة لمن يتأخر عن الإبلاغ بمغادرة مستقدميه    ملك ماليزيا: السعودية متميزة وفريدة في خدمة ضيوف الرحمن    ولادة 3 وعول في منطقة مشروع قمم السودة    إخلاص وتميز    القيادة تعزي حاكم عام بابوا غينيا الجديدة في ضحايا الانزلاق الترابي بإنغا    سكري الحمل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الملك عبدالعزيز إمام دعوة التوحيد .. وهذه أبرز نصائحه لطلاب العلم
د. أبا الخيل : الملك عبدالعزيز مصلح فذ يمتلك القدرة على كسب الناس ومحبتهم وتكوين أمة صالحة مترابطة ذات غايات وأهداف واحدة (2-2)

ويودع معالي الدكتور سليمان أبا الخيل مؤلف الكتاب في هذا الفصل أقولاً للملك عبدالعزيز يبين خلالها ما يجب على جلالته تجاه الرعية بكافة أجناسهم ومستوياتهم وأعمارهم من أداء حقوقهم والحفاظ على أرواحهم وممتلكاتهم وأعراضهم وأموالهم وأفكارهم وحتى كمالياتهم.
ويحلل معاليه في هذا السياق شخصية الملك عبدالعزيز فيركز على ذلك الجانب الإنساني فيها (العدل) ليبين أن القائد الذي يجمع بين توجيه شعبه وأبنائه إلى العمل والاهتمام به، ويحقق العدل بينهم سواء أكانوا قريبين أو بعيدين أصدقاء أو أعداء بطريقة موضوعية ومتوازنة تتميز بالنزاهة والصرامة والصراحة والحكمة، وبصورة فريدة يندر أن توجد، كما فعال الملك عبدالعزيز مع ما تتوافر فيه من الآداب والخلال العالية التي يندر أن تجتمع في شخص واحد؛ ويؤكد المؤلف ذلك بقوله: (إنه مربي عظيم ومصلح فذ يمتلك القدرة على كسب الناس ومحبتهم، وتكوين أمة صالحة مترابطة ذات غايات وأهداف واحدة).
وفي الفصل الخامس يناقش معالي الدكتور سليمان خصال (الكرم والسخاء وأثرهما في حياة الملك عبدالعزيز -رحمه الله-) وعند حديثه عن هذه الصفات في جلالته يوضح أنها غير مستغربة عليه ؛ فهو أحد رجالات الإسلام والعروبة وواحد من الأعلام الذين يشار لهم بالبنان، فقد نشأ في بيئة عربية وإسلامية نقية وصافية وترعرع بين يدي والده الإمام عبدالرحمن الفيصل -طيب الله ثراه- فقد ورث منه هذه الصفات الحميدة، ويسترسل في حديثه عن كرم الملك عبدالعزيز ليضرب بعض الأمثلة والمواقف لجلالته التي سطرها التاريخ على مر العصور وحفظتها الأجيال واستفادت من عبرها، فكرمه لا يقف عند حدود معينة حتى في أحلك الظروف وأقاسها فقصوره كانت مفتوحة للضيوف والفقراء والمساكين والمحتاجين وغيرهم دون تمييز أو محاباة، ويذكر موقفاً أورده للزركلي يقول فيه: (بينما هو في إحدى نزهاته في الرياض ومعه أحد صغار أبنائه، وسنه يومئذٍ حول الخامسة، أعطاه عبدالعزيز قبضة من الأريل، وارتقب ماذا يفعل بها، وبدأ الصغير يقلبها، فقال له: أعط إخوانك، فوزعها، وبعد هنية التفت عبدالعزيز سائلاً: أين الأريل؟ فمد الابن يديه فارغتين، فقال: أنفقت ما معك؟ فقال: أي، قال: لا تخف يعوضك الله عنها، وأعطاه غيرها، وما زال يعطيه وذاك يوزع حتى أدركنا أن الأب يلقن ابنه درساً عملياً في الكرم ويشعره من الطفولة بأن الجود لا يفقر) ويختم هذا الفصل بالحديث النبوي شريف: (ما من يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً).
وينتقل في الفصل السادس من الكتاب للحديث عن (النصيحة الثمينة من الملك عبدالعزيز -رحمه الله- لطلاب العلم) ؛ ويفتتحه بكلمة الملك عبدالعزيز -رحمه الله- لخريجي المعهد العلمي السعودي في مكة المكرمة والتي نشرتها صحيفة أم القرى عام 6-3-1350ه، والتي تحوي توجيهات سديدة من الملك عبدالعزيز لهؤلاء الخريجين ؛ حيث يوصيهم بتقوى الله في السر والعلن، وألا تفاضل إلا بتقوى الله مستشهداً بقوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}، ولا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى، إلى غير ذلك من الإرشادات السديدة الجامعة المانعة، حيث كان -رحمه الله- كما يقول المؤلف قدوة في بذل النصح والإرشاد إلى المسلمين.
أما الفصل السابع (أسس التربية عند الملك عبدالعزيز-رحمه الله-)، وفيه يكشف معاليه عن الجانب الشخصي من حياة الملك عبدالعزيز القائد الفذ والمجاهد المخلص، الذي كان والداً حنوناً ومربياً فاضلا وحاذقا، وهذا التواصل الحميم بينه وبين أبنائه سببه إصلاح الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- ما بينه وبين ربه، ويذكر حديثاً للملك فيصل مبيناً فيه بعض أساليب الملك عبدالعزيز -رحمهما الله- في تهذيب وتربية أفراد أمته: (وأما جلالته كأب فأستطيع أن أقول: إن كل فرد في شعبه يعتبره أباً ولما عرف عنه من عنايته بأبناء رعيته وعطفه الكبير، وحنانه الواسع، إن والدي في تربيته لنا يجمع بين الرحمة والشدة، ولا يفرق بيننا وبين أبناء شعبه، وليس للعدالة ميزانان يزن بأحدهما لأبنائه، ويزن بالآخر لأبناء شعبه، فالكل سواء عنده، والكل أبناؤه، وأذكر أن أحد إخوتي الأطفال اعتدى على طفل آخر، فما كان من جلالته إلا أن عاقبه، ولم يشفع له أنه ابن الملك.
وليس لشفقة والدي وحنانه على أبنائه وأحفاده حدود، بل يغمرهم بعطفه في كل آن، وهو يحب أن يراهم يومياً، وخاصة صغارهم، فيجتمعون بعد مغرب كل يوم في قصره، ويجلس إليهم فيلاطفهم واحداً واحداً ويقدم إليهم الهدايا والحلوى، فجلالته يحب المباسطة على المائدة خلال تناول الطعام، ويمازح أبناءه وجلساءه، ويحادثهم أحاديثاً طويلة لا أثر للكلفة فيها، ويعاملهم معاملة الصديق للصديق)، ويذكر المؤلف أيضاً حديثاً لخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله- في حوار مع منسوبي جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في 1-8-1404ه، موضحاً المبادئ والأسس التي كان يركز عليها الملك عبدالعزيز في تربيته لأبنائه، يقول: (الشيء الذي تأثرت به من الملك عبدالعزيز هو ما فيه شك أنه مرب كبير، ودائماً عندما نكون في حضرة الملك عبدالعزيز التركيز الأساسي هو: كيف يوضح لنا مفهوم العقيدة الإسلامية، وكيف يمكن إذا تمسكنا بهذه العقيدة أن الخير والسعادة والبركة سوف تكون دائماً حوالينا، وإذا لا سمح الله خرجنا عن نطاقها فلن يكون لنا أي نصيب من الحياة التي ممكن أن يتمتع بها الإنسان...)، ويذكر بعد ذلك قولاً للأمير سلمان بن عبدالعزيز في سياق استشهاد معاليه بحرص الملك عبدالعزيز على تربية أبنائه وفق أحكام الشريعة الإسلامية وعدم التساهل معهم في أداء الطاعات والعبادات وخصوصاً الصلاة التي هي عمود الدين يقول سموه: (الملك عبدالعزيز كان يتفقدنا في الصلاة في الفجر والظهر والعصر، ما عدا المغرب، فالمغرب يتمشى فيه، فهو يصلي المغرب بالبر، وكذا العشاء، ويا ويل من لا يصلي، كانت توجد غرفة مخصصة شبيهة بالسجن لمن لا يصلي، أو كذا يوضع فيها، فلذلك لا تجد والحمد لله من أبناء عبدالعزيز إلا كل واحد منهم يحافظ على صلواته ؛ لأن هذه تربية عبدالعزيز له...)، فهذه النصوص لأبنائه البررة تكشف ذلك الجانب المشرق المضيء من حياته -رحمه الله- فقد كان ملتزماً بالشريعة الإسلامية السمحة في جميع أموره.
ويخصص المؤلف الفصل الثامن من هذا الكتاب للحديث عن (الملك عبدالعزيز -رحمه الله- في عيون أئمة الدعوة)، ويستهل المؤلف هذا الفصل بوصف الملك عبدالعزيز إمام دعوة التوحيد خلال قرن من الزمن الماضي؛ فهدفه من توحيد الجزيرة ولم شتاتها هو نشر الدعوة وإقامة الدين الإسلامي الصحيح فالملك عبدالعزيز كان كثيراً ما يوصيهم بتقوى الله وطاعته، وفي رسالة كتبها كلٌّ من الشيخ عبدالله بن عبداللطيف، والشيخ حسن بن حسين، والشيخ سعد بن عتيق، والشيخ محمد بن عبداللطيف: (ثم بعد ذلك، من الله على المسلمين بولاية الإمام عبدالعزيز حفظه الله، ما جرى عليه من صولة أهل الباطن وكراهتهم للدين وظهوره، ولم يزل بحمد الله في زيادة ظهور حتى استقر الأمر واضمحل الباطل... والإمام تدرون غايته أنّ ما عنده إلا النصح للإسلام والمسلمين، والاجتهاد في ذلك اللسان والمال)، ويورد أيضاً قولاً للشيخ عبدالله بن عبدالعزيز العنقري: (فقد منّ على المسلمين بولاية عادلة دينية، وهي ولاية إمام المسلمين عبدالعزيز ابن عبدالرحمن آل فيصل، لا زالت رايته منصورة، وجنود الباطن بصولته مكسورة ومقهورة، أقام الله به أود الشريعة، وأزال به الأفعال المنكرة الشنيعة، وبالجملة: ففضائله كثيرة لا تحصى، وعد ما من الله به على يده على أهل نجد عزيزٌ لا يُستقصي)، وهذه الصورة المشرقة المضيئة لجلالته التي نقلها لنا علماء عصره ما هي إلا شاهدٌ من بين عدة شواهد تدل على صلاحه وتقواه وتمكين الله سبحانه وتعالى له في الأرض.
(الملك عبدالعزيز -رحمه لله - في عيون المفكرين والكتاب) بهذا العنوان كان الفصل التاسع؛ الذي يتحدث فيه معالي د.أبا الخيل عن حجم الأثر الذي تركه الملك عبدالعزيز في المفكرين والكتاب الذين أعجبوا بشخصيته المتنوعة الشاملة مؤكدين أن هذه الشخصية الاستثنائية تستحق وبكل اقتدار أن تقود هذا البلد المترامي الأطراف ليجمع أهله على التوحيد والإيمان ؛ وفي هذا السياق يورد المؤلف ما دونه أحمد حسن الزيات بمناسبة زيارة المؤسس لمصر: (من بوادي نجد منبت العرار والخزامى، ومهب الصبا ومسرى النعامى، فاحت عطور الإسلام والعروبة من جديد وباحت الرمال الصامتة بسرها المكنون منذ بعيد...) وتشير هذه الكلمات إلى إعجاب الزيات بشخصية الملك عبدالعزيز وهو يصفه بتلك الصفات المنصفة، فهو يصور ما يراه ويشعر به هو وغيره من المفكرين المصريين.
ويورد المؤلف أيضاً ما دونه الدكتور محمد نصر مهنا عن الملك عبدالعزيز والذي يكشف فيه عن حرص جلالته على تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية على الجميع دون استثناء أو تمييز حيث يقول: (إن الرجل يعتبر ظاهرة فريدة، كان أكثر من ملك، وأكثر من مؤسس دولة، وأكثر من مصلح، وإمام، وجعل الأمن والاستقرار وتأمينها من أول بديهيات الدول، صحيح أنه كان حازماً غير متسامح في إقامة الحدود، أو متهاون مع كل من يخل بالأمن والنظام...)، ولا يبتعد العقاد كثيراً عنه عندما يقول: (أما الأمن في المملكة السعودية فقد رأينا في الطريق تلك القلاع التي أقامتها الدولة العثمانية على مسافات متقاربة بين جدة ومكة، لحراسة الحجاج والمسافرين، وما كانت مع ذلك تمنع السطو أو تؤمن الناس على الحياة والمال، رأيناها بأعيننا متهدمة مخربة اليوم ؛ لأن الأمن في غنى عن حراستها)، وهذه الشهادات المتنوعة التي انتقاها المؤلف بعناية لهذه النخبة من المفكرين والكتاب والأدباء تؤكد وبوضوح المكانة العالية لجلالته في الداخل والخارج.
وفي الفصل العاشر يتناول الدكتور سليمان أبا الخيل اهتمام الملك عبدالعزيز -رحمه الله- وأبناءه بالحج والحجاج، فقد كان للحرمين الشريفين وزوارهما من الحجاج والمعتمرين أهمية كبيرة في نفس المؤسس منذ أن وحد كيان هذا الوطن وجمع شتاته فقد أمن طريق الحج إلى الحرم المكي الشريف بعد أن كان مفتوحاً للسلب والنهب ومرتعاً لقطاع الطريق؛ ويبين المؤلف في هذا الفصل مدى اهتمام الملك عبدالعزيز بالحجاج والمعتمرين وخدمتهم وتذييل كل الصعاب لهم لكي يتمكنوا من أداء شعائرهم بكل يسر وسهولة وطمأنينة، وأن هذا الاهتمام والحرص استمر في عهود أبنائه البررة حتى هذا العهد الزاهر عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- الذي تلاقى فيه تراث الأجداد التليد العتيد بوفاء الأبناء والأحفاد، فاتضح من خلاله قوة الأسس، وسلامة البناء وصدق التوجه المفعم بصحة المعتقد والتوحيد الخالص إلى صدق الولاء وسلامة المنهج فكل من أدى مناهج الحج في الأعوام الماضية رأى ما يثلج الصدر، وترتاح له النفس، ويشير المؤلف أيضاً في هذا الفصل إلى المشاريع الجبارة التي حظيت بها المشاعر المقدسة فأصبحت التضاريس والمناخ والجبار الشاهقة والأودية الضيقة والطرق الوعرة والحر الشديد والطرق الوعرة إلى أماكن سهلة ميسرة تعين الحاج على أداء فريضته دون عناء أو جهد وتعب، وكما ينوه أيضاً بالتواجد الأمني في هذا المشعر العظيم وتفانيهم في خدمة ضيوف الرحمن وإعانتهم والحفاظ عليهم، وإلى غير ذلك كمن المشاريع الجبارة التي أقيمت لخدمة ضيوف الرحمن.
وفي الفصل الحادي عشر الذي عنونه المؤلف ب(نماذج من رسائل الملك عبدالعزيز -رحمه الله- وأقواله ووصاياه)، وفيه يطرح خمساً من رسائل جلالته التي يحث الناس فيها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة حدود الله وعدم التهاون في أداء الواجبات والفرائض الدينية، ويبين فيها أيضاً بعض المسائل الدينية، والبدعة من تسمية المذهب السلفي الصحيح الذي قامت عليه هذه البلاد بالمذهب الوهابي مبيناً أن هذا خطأ فاحش نشأ عن الدعاية الكاذبة التي كان يبثها أهل الأغراض فيقول -رحمه الله-: (نحن لسنا أصحاب مذهب جديد أو عقيدة جديدة، ولم يأت محمد بن عبدالوهاب بالجديد فعقيدتنا هي عقيدة السلف الصالح التي جاءت في كتاب الله وسنة رسوله وما كان عليه السلف الصالح، ونحن نحترم الأئمة الأربعة، ولا نفرق بين مالك والشافعي وأحمد وأبي حنيفة، كلهم محترمون في نظرنا.
هذه هي العقيدة التي قام شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب يدعو إليها، وهذه هي عقيدتنا، وهي عقيدة مبنية على توحيد الله عز وجل، خالصة من كل شائبة ومنزهة من كل بدعة، فعقيدة التوحيد هذه هي التي ندعو إليها، وهي التي تنجينا مما نحن فيه من محن ومصائب) فلم يكن الملك عبدالعزيز حاكماً إدارياً فقط بل كان كما يذكر المؤلف عالماً دينياً من الطراز الأول يفند مسائل الدين ويرد على الأباطيل التي تبتدعها المذاهب المخالفة لمذهب أهل السنة والجماعة، فهو يفسر الآيات والأحاديث ويستنبط منها الدلالات والحكم الربانية فقد كان يبين للناس أمور دينهم ودنياهم.
لم تشغل المؤسس أمور الحكم عن الدعوة إلى الله والتذكير بفرائض الله فها هو يقول في إحدى رسائله يقول مخاطباً المسلمين:)... رأيت بعض التغافل والتمادي في أمر هذه الدنيا وذكر لي أن الناس معهم كسل في الصلاة والمبادرة لها، واللهو في مطالب الدنيا، وهذا شيء ما هو بدليل خير.
فالرجاء أن تقوموا على أنفسكم وتناصحوا إخوانكم المسلمين، وترجعوا إلى ربكم، وتتوبوا إليه، وتقوموا بالواجب بالاعتراف بنعمة التوحيد، والاعتراف بما أعطاكم الله من الخير الجزيل من الأمن والصحة وغير ذلك، وتجتهدوا في الاستغفار والتوبة، وتنفقوا مما أعطكم الله على ضعفاء إخوانكم المسلمين، تؤدوا النصيحة للخاص والعام كل على حسبه ؛ العالم على قدر علمه وموقفه، وطالب العلم على قدر اقتداره، والباقي ممن كان يقدر يقوم بما اوجب الله عليه من الأمر بالمعرف والنهي عن المنكر، فعليه أن يقوم بذلك على قدر استطاعته على الأمر المشروع، وأما العاجز فيقوم على نفسه ؛ لأن الوقت الفائت هو وقت الدعاء والرجاء، والوقت الحاضر هو وقت الخوف والعمل، نرجو أن الله سبحانه ينصر دينه ويعلي كلمته، ويجعلنا وإياكم من أنصاره، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم)، هذه الرسالة التي يوردها مؤلف الكتاب الأستاذ الدكتور سليمان أبا الخيل للملك عبدالعزيز تؤكد عدة أمور في شخصية جلالته ؛ وهي أن الدعوة إلى التوحيد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كانت من المهام الدورية التي يمارسها جلالته بل كانت من أساسيات الحكم ولا يمكن أن يتنازل عنها؛ كما أن جلالته كان دوماً ما يذكر الناس بالله وباليوم الآخر كما هي عادته في خطبه ورسائله وفي نصائحه وتوجيهاته لأبناء شعبه، وفي إحدى رسائله التي يوردها المؤلف في هذا الفصل يخاطب الملك عبدالعزيز ابنه سعود -رحمهما الله- لما تمت البيعة للملك سعود ويوصيه أن يعقد نيته على ثلاثة أمور: النية الصالحة، وأن يجد ويجتهد في النظر في شؤون الذين سيتولى أمرهم من المسلمين، وأن عليه النظر في أمورهم عامة وفي أمور أسرته خاصة؛ ويوصيه بعلماء المسلمين خيراً ويحرصه على توقيرهم ومجالستهم والأخذ بنصائحهم.
ويختم مؤلف الكتاب بالفصل الثاني عشر وهو بعنوان (الدروس والعبر المستفادة من رسائل الملك عبدالعزيز -رحمه الله- ووصاياه) وبيبن الدكتور أبا الخيل أن الدافع الأساسي من تدوين دروس ووصايا الملك عبدالعزيز هو بيان المنهج والمبدأ الذي قامت وسارت عليه المملكة، وكذلك النصح الخالص لأبناء هذا البلد الذين قد تخفى عليهم بعض هذه الحقائق والمواقف والسير أو كلها من أجل أهداف معروفة مكشوفة لدى كل ذي عقيدة صحيحة ومنهج سليم وغيرة صادقة على دينه ووطنه وأهله كما يذكر المؤلف.
ويلخص معاليه ما تضمنته هذه الرسائل في عدد من النقاط وهي:
الأولى: العلم الغزير الذي كان يمتلكه الملك عبدالعزيز بين جنباته، فالأسلوب والاستدلالات فيها وفي غيرها شاهدة على ذلك، مع ما كان يعرف عنه من حفظ كتاب الله واهتمام بسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقرب من العلماء واحترام وتقدير لهم.
الثانية: الديانة الحقة الصافية المنطلقة من كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم - وما كان عليه السلف الصالح، مع الغير الملتهبة على العقيدة، وشرائع الإسلام، حتى كان لا يقبل الجدل أو المسامحة في فرع من فروع الشريعة فضلاً عن أصولها وقواعدها.
الثالثة: الإخلاص منه -رحمه الله- الظاهر لدين الله ولأهل الإسلام قربوا أو بعدوا بصورة نادرة الوجود، والذي لولاه لما استطاع توحيد هذه الديار الشاسعة، والرقعة الواسعة المترامية الأطراف، المتباينة الأجناس، المختلفة التضاريس، صعبة المنال، قاسية الرجال، وإخلاصه وولاؤه لعقيدة التوحيد ظاهر في أقواله، متحقق في أفعاله، مصدق في تصرفاته وتربيته لأبنائه.
الرابعة: المحبة الصادقة لأهل بلده على اختلاف أجناسهم ولكل مؤمن ومسلم أيا كان مكانه، وسيرته العاطرة فيها من المواقف والدلائل والقصص والأخبار المروية عن الثقات الشيء الكثير والكثير مما يجعل الإنسان عند قراءتها أو سماعها يعتز ويفخر ببلاده وولاة أمره، وصدق الأمير سلمان بن عبدالعزيز عندما قال في إحدى المقابلات معه: (أنا أستغرب عدم إعطاء الكتاب والمؤلفين الملك عبدالعزيز حقه في التأليف عن سيرته، وإظهار صورته الحقيقة والمضيئة).
الخامسة: القوة في الحق حيث كان لا تأخذه في الله لومة لائم حتى مع خاصته وأبنائه.
السادسة: حرصه الشديد على إبراز مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مجتمعه بحدوده وشروطه وضوابطه.
السابعة: ولاء الملك عبدالعزيز لعقيدة التوحيد ومنهج سلف هذه الأمة، وبراءته من كل ما يخالفهما من المحدثات والبدع والخرافات والأديان.
الثامنة: المعرفة التامة منه -رحمه الله- لحقوقه على الرعية وما يجب عليهم تجاهه من السمع والطاعة بالمعروف.
التاسعة: إقراره -رحمه الله- فيها وفي غيرها بما من الله به عليه وعلى البلاد من نعمة الإسلام والإيمان والأمان والاطمئنان.
العاشرة: الحكمة الفائقة والنظرة البعيدة الصائبة التي كان يتمتع بها في تعامله، سواء كان ذلك في أمور دينية أو دنيوية، ففي هذه الرسائل مثال حي على ذلك، فقد نبه ونصح وأقام الحجة وأوجد العذر ثم ذكر ما سيترتب على عدم قبول الأمر الذي أمر به أو التهاون في تنفيذه.
وفي نهاية هذا العرض لهذا الكتاب القيم (قبسات مضيئة من حياة الإمام عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود رحمه الله) لا يسعنا إلا أن نتقدم بالشكر الجزيل لمعالي الأستاذ الدكتور سليمان بن عبدالله أبا الخيل مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية مؤلف الكتاب على هذه الإضاءات النفيسة من حياة المؤسس طيب الله ثراه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.