الرحلات من أوسع أبواب المعرفة والثقافة والتاريخ وفي صبيحة يوم الثلاثاء الموافق 29-1-1432ه توجهت مع نخبة من الأصدقاء تلبية لدعوة من محافظ القويعية الأستاذ عبدالله بن محمد الربيعة وقد مررنا ببلدة (ضرما) والمزاحمية وتبراك وجو وقد ورد ذكرها في معجم البلدان لياقوت وذكرها الشاعر جرير والأعشى والسليك وكنت أردد قصائدهم في هذه البلدان حتى لاحت لنا محافظة القويعية أرض الذهب والمعادن والتاريخ والواقعة في قلب نجد وتبعد عن الرياض (170) كيلا حيث يخترقها الطريق السريع (الرياض - مكةالمكرمة) وتحدها من الشمال محافظة الدوادمي ومن الجنوبوادي الدواسر ومن الشرق محافظة الحريق ومن الغرب عفيف وتعتبر من أكبر محافظات منطقة الرياض من حيث المساحة حيث تقدر مساحتها بحوالي (95) ألف كيلا ويتبعها حوالي (600) قرية وهجرة وعند الوصول إلى القويعية لاح مبنى المحافظة وعليه شعار إشراقة نحو المستقبل واستقبلنا المحافظ بكل بشاشة وترحيب كما وجدنا عدداً من أعيان المحافظة والمسؤولين فكانت فرصة للتعارف وللحديث عن هذه المنطقة ونهضتها الحضارية وتاريخها المجيد وما قاله المؤرخون والشعراء قديماً وبعد جولة في مرافق المحافظة كان حفل الغداء ثم جولة في أنحاء المدينة والاطلاع على مظاهر النهضة والمشاريع التنموية ومراكز العلم والمؤسسات التربوية ومستشفى القويعية الشاهق ببنائه الحديث ثم توجهنا بعد ذلك لمشاهدة بعض المعالم التاريخية والآثارية حيث إن القويعية إحدى بلدان نجد القديمة وتدل الآثار القديمة على أنها استوطنت منذ أكثر من (5000) سنة ويوجد بها مواقع أثرية تعود إلى العصر الأشوري ونقوش ورسوم ثمودية على صخور جبالها ونقوش وكتابات إسلامية والتي تنتشر على بعض القمم وسفوح الجبال بها ومن معالمها جبل (شمام) والذي يقف شامخاً على مر العصور وهو يبعد مسافة (40) كيلا من القويعية وقد أشار ياقوت الحموي إلى أن اسم هذا الجبل مشتق من الشمم والعلو وقد اكتسب أهمية تاريخية وورد ذكره في قصائد الشعراء من أمثال لبيد بن ربيعة وامرئ القيس القائل: كأني إذا نزلت على المعلى نزلت علي البواذخ من شمام وكذا النابغة الذبياني القائل: لقد أقريتهم خزياً مبيتا مقيماً ما أقام أبنا شمام وجرير القائل: عاينت مشعلة الرعال كأنها طير تناول في شمام كورا وكذا الفرزدق: ثقلت علي عمايتان ولم أجد سببا يحول لي جبال شمام ومن المعالم جبل صبحا «يذبل» وهو أعلى قمم الجبال في نجد ويقع جنوب غرب القويعية وهو جبل مكون من الصخور الجراتينية الحمراء وقد تغنى بذكره عدد من الشعراء في العصر الجاهلي فقد ذكره امرؤ القيس قائلا: فيا لك من ليل كأن نجومه بكل مغار الفتل شدت بيذبل وذكره النابغة الجعدي وذكرته الخنساء قائلة: أخو الجود معروف له الجود والندى حليفان ما قامت تعار ويذبل وكذا جبل الدخول وحومل وهما موضعان بارزان ويقعان في جنوب غرب مدينة القويعية ويعدان من أشهر شواهد الشعر حيث قيل: قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل ثم توجهنا إلى منجم الأمار التابع لشركة التعدين على بعد خمسين كيلا وقد ورد ذكره في معجم البلدان لياقوت ويحتوي على المعادن والذهب والنحاس والزنك والفضة والرصاص وقد قمنا بزيارة المنجم بصحبة سعادة المحافظ والمسؤولين في الشركة الذي شرحوا لنا عن تاريخ وإنتاجه ثم جولة داخلية بين أعماق المنجم وصخوره وسررنا بمشاهدة الفنيين العاملين فيه من الشباب السعودي المؤهل الذين هم أمل المستقبل وبعد ذلك قمنا بزيارة لمنازل بعض الأهالي الذين وجدنا منهم كل ترحيب وتكريم ولا غرو فالكرم من خصائصهم المميزة. كما اطلعنا على عدد من المشاريع والنهضة التي تنعم بها المحافظة وتزين مدينة القويعية وشكرنا المحافظ وكافة العاملين في خدمة هذا الوطن المعطاء وتحية للجميع من محافظ وأعيان ومسؤولين كل الشكر والامتنان والدعاء لهم بالتوفيق والنجاح.. وبعد تلك الجولة والزيارات ودعنا هذه المنطقة الغالية من وطننا العزيز والنفس مفعمة بالحب والشوق لها مردداً قول الشاعر: أشوقا ولما يمضي لي غير ليلة فكيف إذا جد المسير بنا شهرا