تبدو السمة البارزة في الأجواء الرمضانية التي يعيشها هذه الأيام معظم البلدان العربية والإسلامية، هي الروحانية والصفاء النفسي. ويصف بعضهم الصيام بمثابة دورة تدريبية تعلّم النفس على التقوى والصبر وقوة الإرادة، وتصقلها حتى يكون الصائم طيب النفس في تعامله مع الآخرين، مهذباً وفق إطار من أخلاق ومشاعر سامية، باعتبار أن كثيرين يؤمنون بأن الصيام ليس عن الطعام والشراب فحسب، إذ أن الجوارح كلها تُلجم عن بذيء الكلام، وإيذاء الغير. بيدَ أن ثمة بيوتاً تفتقد ذلك الحس الذي يمثله الشهر الكريم من معان وقيم جميلة في حياة الإنسان، فيغدو الإمساك عن الطعام والشراب شرارة من غضب مستقرة في دواخلهم، تنفجر حال ملاقاتها مؤثراً سواء من قبل الأسرة أم من مجتمع الحي وحتى الطريق، في حين يصب آخرون جام غضبهم في عقر دارهم، زوجاتهم وأولادهم وهو الأمَرّ الأشدّ قسوة. ولا تخلو الحياة الأسرية بمجملها من الكدر أحياناً ومن مشكلات تظهر بين أفراد الأسرة، إذ أن الحياة كما يقال عنها حلوة ومرة، ولولا الكدر لم يطب العيش لأهله، لكن حين تزداد تلك الوتيرة حدة في شهر الخير، عندها تنقلب المقاييس رأساً على عقب. وهذا ما ظهر مع هند (أم لخمسة أولاد)، إذ تؤكّد حرصها على إرضاء زوجها خصوصاً في رمضان كي تتفادى غضبه وتكسب وده، وأضافت أن بعض الرجال تزيد لديهم الرغبة في الخلافات والشجار مع الزوجات، مثل زوجها الذي «إستشاط غضباً عندما تذوق كأساً من مشروب «الفيمتو» «يفضله السعوديون على مائدة الإفطار». ولم يجد درجة برودته عالية، فقام بسكب ما في القنينة على سفرة الطعام، على مرأى من أطفاله وزوجته ثم غادر البيت!». وعزت هند سبب الخلافات إلى انقلاب نظام النوم وتغيّر نمط الحياة في رمضان «النهار يصبح سباتاً والليل سهراً، وفيما الزوج والأبناء يغطون في النوم طيلة النهار يفوّتون عليهم أداء الصلوات في وقتها»، وهو سبب في الخلافات على حد قولها. وتضيف: «كما أن تغيير وقت النوم يقلل من اللقاءات الحميمة بين الزوجين، ما يؤدي إلى إرتفاع معدل الخصام بينهما». أما منى محمد فوضعت حلاً لمشكلتها مع زوجها بالإنفصال الموقت خلال شهرالصيام. يمكث زوجها عند أهله، بينما هي تتنقل بين بيتها وبيت أهلها حتى ينقضي الشهر ثم يعودان إلى بعضهما بعضاً، وقالت: «زوجي كتلة من اللهب وتزيد عصبيته في رمضان، إذ أن الوضع يتفاقم بسبب إمتناعه عن التدخين في النهار، ما يجعله في دوامة من العصبية وتثير غضبه أتفه الأمور، فإعتمدنا هذا الوضع حلاً للمشكلة». في حين يختلف الأمر مع بيان كثيراً، إذ أنها تعتبر شهر الصيام فرصة هي وزوجها للهدوء والسكينة والتقارب النفسي في ما بينهما، وتوضح: «أجد الصيام صفاء روحانياً وفترة راحة من السباق المحموم وراء مشاغل الحياة طيلة أشهر السنة. في هذا الشهر يزيد الإنسان تقرّباً إلى الله، والصيام يهذّب النفس وتسمو الأخلاق، وتعم روح التسامح بين الزوجين». من جهة أخرى، كشف المدير التنفيذي في مركز «واعي» للإستشارات الأسرية التابع لوزارة الشؤون الإجتماعية الدكتور خالد النقية، أن النساء يستحوذن على 88 في المئة من إجمالي الإتصالات الواردة إلى المركز، ويدور معظمها حول الجفاف العاطفي والبيوت الصامتة، إضافة إلى خيانة الزوج أو هروبه من البيت، وإستشارات أخرى تخص تربية الأبناء، فيما يصل معدّل الإتصالات يومياً بين 300 إلى 400 إتصال هاتفي من داخل السعودية وخارجها، طلباً للمساعدة في مجال الإستشارة النفسية والإجتماعية والزوجية والأسرية والتربوية. وزاد: «على رغم تخصيص 25 مستشارة ومستشاراً لمعالجة القضايا التي يتلقاها المركز، لا نتمكن من الردّ على الإتصالات كلها، إذ لا تتجاوز الحالات التي يتم الرد عليها 120 حالة فقط في اليوم لضيق الوقت». بدوره إعتبر الأستاذ المشارك في قسم علم النفس في جامعة الملك سعود الدكتور إبراهيم النقيثان، صيام من ترتفع لديهم نسبة الخلافات الزوجية لأسباب عدة في رمضان عبئاً وواجباً ثقيلاً على نفوسهم، وقال: «هؤلاء يصومون من دون أن يستشعروا بأهمية هذه الفريضة وقيمتها»، مبيّناً أن «عبودية الصيام تتضح بترك عادات معينة سواء كانت سيئة أم حسنة طاعة لله»، مضيفاً: «حينها يتحول ألم الإمتناع عن تلك العادة إلى لذة في العبادة كالتدخين مثلاً، فلا ينعكس الصيام عن تلك العادة إلى سلوك سلبي». ويصف مشهد توتر الصائم أثناء قيادته للسيارة أو تعامل الموظف في شكل غير لائق مع مراجعيه بالسلوك الذي يفتقد تحقيق الغاية من الصيام». ولفت النقيثان إلى أهمية دور وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي في تبصير المجتمع والأفراد وتوعيتهم بمعنى عبودية الصيام.