في معرضه المقام في قاعة «أفق» في القاهرة، يسعى الفنان التشكيلي المصري أحمد نوار إلى تمثل فعل العبور وإعادة صوغه تشكيلياً في بناءات بصرية وتكوينات مجسمة في المكان، محيلاً فراغ المعرض إلى عالم تخيلي يماثل المشهد التاريخي ويكونه: طاقة وفعلاً وزمناً لا بشراً أو حدثاً أو وقائع. المعرض – في هذا المعنى – ليس مجرد تجميع لوحات في وقت ومكان، بل عمل كلي يستكشف موضوعه الخاص متدرجاً في صياغاته الفنية وفق تصميم مسبق، واللوحة – بهذا المعنى كذلك – ليست وحدة تشكيلية منفصلة بل جزء من نسيج بصري قائم على التتابع والحركة والانتقال المتدرج في اللقطة والعلامة والدلالة والأثر. الطابع الأساسي للمعرض هو وحدة الشكل، وأقصد بذلك معنى شبيهاً بوحدة الحدث إذا كان لنا أن نستخدم جزئياً مصطلحات المسرح واستعاراته. وإذا كان لنا أن نمضي أبعد قليلاً، فإن المعرض يبدو كأنه خشبة مسرح ممتدة من زمن العبور (حرب 1973) إلى اللوحة. فهناك تراوح خفي بين الحركة الدفينة والصمت، بين المشهد والصوت، بين الإحالة إلى واقع جزئي واللقطة المجردة، بين الأعضاء البشرية المتقطعة، والمنتظمة والمتجمعة مع ذلك في رؤية العين، فندرك بذلك المفارقة الكامنة في اللوحة التي تحيل إلى أعضاء منفصلة، ومتوحدة مع عناصر أخرى في بناء بصري موحد. ولا بدّ من استعراض أسماء اللوحات للاستدلال على وحدة الشكل وإرادة التنظيم القصدي والنظام الذي يكاد أن يكون هندسياً، أو هو كذلك يقيناً لا احتمالاً. الأسماء – ابتداء – ليست اعتباطية أو مجرد توصيف لغوي للبنية التشكيلية، وليست كذلك – وتلك مفارقة ثانية – إحالة إلى عالم اللوحة أو كشفاً أولياً للدلالات يوجه القراءات المحتملة ويصوغ استجابة المتلقي، ولكنها – أو هكذا تسعى في ما أتصور – نسيج لغوي جامع متدرج مثل اللوحات ذاتها، ومتكون من الاسم، فالثاني وهكذا حتى تنتظم الأسماء كلها دفعة واحدة مشكلة دلالة كلية ونهائية للعالم البصري. الأسماء هي: الصعود (لوحتان) الهرم (ثلاث لوحات) الانكسار (وهd اللوحة الوحيدة التي تحيل إلى زمن 1967)، اعتصار، التحدي، ترقب، الطاقة، الروح، نبض الطاقة، صعود الشهيد، عزف، الهجوم، الاقتحام (لوحتان)، حامل المدفع، العبور، معزوفة النصر (عشر لوحات). ونلاحظ عبر هذا الاستعراض المتتابع للأسماء أن اللوحات تسعى إلى تمثل الفعل التاريخي لا فاعله البشري (فيما عدا لوحة «حامل المدفع») وإحالة الحدث إلى صورته المكونة (الطاقة – نبض الطاقة) وتشكيله عبر حركته الفعلية التي تكاد أن تكون احتذاء واقعياً عبر الاسم لا التشكيل (الاقتحام – الهجوم – العبور) وأيضاً عبر تجسداته غير المحددة والمختزنة (الروح والاعتصار، الترقب والتحدي والصعود) ونلاحظ كذلك التقابل بين اللوحة وصداها أو أثرها وانعكاسها (الطاقة – نبض الطاقة). تلك إشارة كلية للأسماء واللوحات معاً، وتمهيدية بدرجة ما للاقتراب من اللوحات ذاتها. في لوحة «الانكسار» الأولى التي تحيل إلى عام الهزيمة كما أشرت، تتكون كتلة سوداء مرتمية أسفل اللوحة تتخللها أو تنبعث منها أو تلتقي معها خيوط أشعة ضوئية حادة وقاطعة (وهي تقنية متكررة) مكونة من أقواس وخطوط تتلاشى كأنها خارجة من اللوحة ومتهربة منها، أو كأنها أقواس تمتد من فضاء غير مرئي خارج اللوحة إلى كتلة السواد المرتمية لكي تسحبها أو تدفعها بقوة جذب وطاقة التقاط، لا يمكن اختزال اللوحة قطعاً في دلالة أحادية أو معنى كلي. اللوحة لدى نوار بطبيعتها عصية على التأويل المجمل. في اللوحة الثانية التي تحمل الاسم ذاته «الانكسار» تتكون الكتلة السوداء أيضاً، ولكنها هذه المرة متسعة قليلاً مع القوس الذي يبدو وكأنه التقط السواد ساحباً كتلته إلى خارج اللوحة، فيما تظل خيوط الأشعة منبعثة من الكتلة أو تتخللها، ولكن خيط شعاع أبيض يتميز هنا ويشق وسط الكتلة ويخترقها.