تعد رواية «مت فيك» لكاتبتها هديل محمد نتاجاً جديداً لرواية الحب السعودية، ويستحضر قارئها نماذج الكتابات المشابهة في الأدب العالمي والعربي والسعودي، وبالقراءة الأولى تعود إلى الذاكرة أعمال مثل «آلام فرتير» غوتة، و«فوضى حواس» مستغانمي، و«سقف كفاية» علوان. في الصفحات الأولى من الرواية تحكي البطلة أن تعريف الحب لديها اتخذ شكلاً نهائياً لن يتغير، وهو: عساف. ومنذ لحظات القراءة الأولى يدرك القارئ أن الرواية تسرد أحداثاً ماضية من خلال تقنية الفلاش باك، إذ تستيقظ البطلة في يوم جديد باحثة عن مكالمة جديدة من عساف، لكنها لا تجد منه أملاً، في يوم جديد تكون فيه ابنة مطيعة في عيني والدها، وعانساً عنيداً في عيني إخوتها، وموظفة مثالية في عيني مديرتها، وعاشقة منتظرة في عيني القدر، فيما لا ترى نفسها إلا روحاً تصطلي. يتخذ الحب في رواية «أموت فيك» صبغة نوستالجية، معروفة في الثقافة الحكائية العربية، وفي الموروث الأدبي العربي، منذ القصيدة الجاهلية وحتى اليوم، وهي الصيغة التي تتقنها الفئة الشبابية أثناء اقتحامها للحظة الكتابة الروائية، ربما لأنها تجربة سهلة التناول، ولكنها في الوقت نفسه غير مستهان بها، لأن التعبير عنها بعمق لا يتمتع به إلا روائي لديه ملكة تعبيرية مميزة. وهذا الأمر تعيه الكاتبة هديل فتجعل بطلتها تتقمص دور الكاتبة، قائلة: «حان الوقت لأستكمل روايتي، تفاصيلك خير مدخل لتفاصيلي». تتمادى مقاطع الرواية وأبوابها، التي تتقدمها مقاطع غنائية من كتابات شعراء، خلافاً لظاهرة الاقتباس التي سيطرت على سقف كفاية علوان، وبعيداً عن أجواء الحب التي تبزغ شموسها في أماكن غير متاحة يبدأ طفل الحب في الظهور بين مكتبين متجاورين في مشفى حكومي، فيتبادلان الرسائل، ويخوضان معمعة من التوق الأعمى، إلى أن ينتهي بهما المطاف للوقوع تحت طائلة الافتضاح، وتتحول الحياة تحت جحيم المجتمع إلى عالم مغلف بالسوداوية. ويتميز بطل «مت فيك» عساف، بأنه قادم من خلفية دينية، وتتنازع وجدانه صراعات نفسية لها تعلق بالأيديولوجيا التي يقوضها سلوكه الذي يوحي بفصام ما بينه وبين رسائل الحب ووقائع الوصال، ويتسيد الهاتف الجوال في فضاء المشهد المكاني والزماني، فهو المنتظر دائماً، وهو الذي يحسم الأمور ويوجهها إلى مصيرها شيئاً فشيئاً. ونتيجة لحادثة مرورية تنجو بها حياته يقرر عساف أن يتوب، وينجر شيئاً فشيئاً إلى عالم التطرف، ويخبر محبوبته بطريقة مازحة: هل سترافقينني إلى أفغانستان، وعندما تسأله يستغرق في الضحك ويقول لها إنها مزحة. من هنا تتجه عقدة الرواية إلى موقف خادع، ليكون موعد البطلة مع الوفاء، ولكن الأمر ينقلب رأساً على عقب، فالعاشقة التي كانت تثق بفتاها، تمر ليال طويلة وهي تنهار في ابتهالاتها، لكن جدار الحقيقة المصمت يأتيها بالرسالة الآتية التي تنطق بتأثير الواقع السياسي والأمني للمنطقة على رؤى الشباب:«أنا وأنت نسير في خطين متوازيين يمد كل منا يده بأقصى قدرته حتى تلتقي أطراف أصابعنا، خطوطنا لا تتقاطع على امتداد نظري، فلماذا نواصل الجهاد في قضية خاسرة؟». يلتقي عساف مع شيخ الجماعة الإرهابية المكنى بأبي مصعب، في قهوة شعبية في الكويت، ويتحدث مع مجموعة من الشباب عن آثار الغزو العراقي على الكويت، عساف ابن الشمال القريب جداً، فتح عينيه ليجد أهل الكويت ضيوفاً على شعبه، وكيف جاءت القوات الغربية بقواعدها، لتمتص النفط وترحل، وتحت تأثير هذه الفكرة يقتنع عساف بأن أميركا هي الشيطان الأكبر، فيزين له ذلك عداوته للغرب... ويبدأ عساف في تبني أفكاره، ويوماً تلو يوم يصير يمقت حتى الصناعات الأميركية فضلاً عن البشر. وبعد شهرين يجد نفسه يداوم على الصلاة في مسجد كل مرتاديه يشبهون أبا مصعب في سماحة الوجه وعذوبة الحديث، ولما شعر رفيقه بما يجده من المشقة في سفره للكويت، فيرشده لشخص اسمه قتيبة، ويكبر في داخله شاب اختار له قتيبة اسم سيف الدين، ويستمر مدة عام كامل في مرحلة الإعداد، ويطلب أن يصل لأفغانستان كي يقاتل هناك، فيبيع كل ما يملكه، ويصل إلى أفغانستان قائلاً في رسالته: «بعد الجنة يا ريم لن أريد سواك، فجدي في المسير كي تأتي إلي يا حوريتي». لكن البطلة لا تقتنع بذلك ولا تقرر أن تجد في المسير كي تصل إليه، لكنها تكتفي بأنها لن تنساه.