وصف محللان سياسيان القمة التشاورية الخليجية ال15 التي اختتمت أعمالها في الرياض أول من أمس (الثلثاء) ب«المفصلية في تاريخ المنطقة، وستؤسس لما بعدها»، وتوقعا أن يشهد الإقليم معالجات «ناجعة» لعدد من الملفات العالقة، خصوصاً في شمال الجزيرة العربية (العراق وسورية)، وجنوبها (اليمن)، من غير إهمال الجار الشرقي (إيران)، التي يتوقع أن يتم تقليم أظافرها، بعد أن عاثت في المنطقة «فساداً وتخريباً». وأشارا إلى أن دول الخليج أسست ل«قواعد اشتباك» جديدة في المنطقة، قائمة على «القوة الموازية». كما عقدت هذه الدول تحالفات مع قوة إقليمية ودولية (فرنسا خصوصاً) لحماية أمنها الإقليمي. واعتبر المحلل السياسي السعودي الدكتور محمد الخرعان، الخطوات التي اتخذها قادة مجلس التعاون الخليجي في اجتماعهم الأخير «أكثر قوة مما يصدر من جامعة الدول العربية»، موضحاً أن قوة المجلس تجلت بعد «سلسلة من القرارات الحازمة»، كان آخرها الاجتماع التشاوري ال15 الذي عقد في الرياض برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، لافتاً إلى أن «عاصفة الحزم» أسهمت بشكل كبير في «تشكيل وحدة إقليمية متماسكة في المنطقة». وقال الخرعان في تصريح ل«الحياة»: «إن مجلس التعاون الخليجي هو أهم تجمع عربي بعد الجامعة العربية، خصوصاً في الأعوام الأخيرة، إذ استطاع أن يكون وحدة متماسكة سياسياً وإقليمياً من بين الكثير من الاتحادات العربية التي تشكلت ولم تستمر حتى الآن»، مضيفاً: «أن عمر المجلس 30 عاماً، لكنه استطاع خلال هذه العقود الثلاثة أن يتطور ويتماسك، ويثبت أنه اتحاد خليجي قادر على تشكيل قوة إقليمية تدير الصراعات والأزمات التي تواجه المنطقة، وكذلك المنطقة العربية». ورأى المحلل الخرعان، أن دور المجلس كان «واضحاً في الكثير من الأزمات، بداية من الحرب العراقية - الإيرانية، وكذلك العدوان العراقي الغاشم على دولة الكويت، وأخيراً عاصفة الحزم التي استطاع فيها أن يثبت أنه أكثر قدرة واستعداداً لمواجهة الأزمات في المنطقة العربية على وجه العموم»، معتبراً تحالف «عاصفة الحزم» خطوة جريئة نحو قرار عظيم اتخذه خادم الحرمين الشريفين، خصوصاً أن المملكة رأس الهرم في التحالف. وهذا القرار يدل على أنه مجلس يواجه الأزمات ويصمد أمامها، ويواصل دوره في إدارة الصراعات ومواجهتها والتصدي لها بكل قوة. وعن دور المجلس في الأزمة اليمنية قال: «دور المجلس واضح، وهو دور مباشر وفعال منذ عامين، والكثير من نقاط الحوار والتوجهات السياسية كان المجلس هو المؤسس والراعي والداعم لها، وهذا يدل على أن دوره مؤثر وواضح. وتأتي عاصفة الحزم لتكون امتداداً لهذا الدور»، موضحاً أن المجلس خلال اجتماعه الأخير «أسس لدور واضح في الأزمة السورية، من خلال نقطتين الأولى التأكيد على أن النظام السوري الحالي برئاسة بشار الأسد، لن يكون له دور مستقبلي في حل الأزمة السورية لأنه أساس الأزمة، وهذه نقطة تظهر قوة دول المجلس، وقدرتها على مواجهة هذه الأزمة، وأن لديها الاستعداد الحقيقي للتصدي لها». أما النقطة الثانية - بحسب الخرعان - فهي «احتضان الرياض المعارضة السورية، وهي خطوة عملية تؤكد النقطة الأولى، واستعداد مجلس التعاون لإنهاء هذا الملف»، لافتاً إلى حضور الرئيس الفرنسي هولاند ودوره الفعال في حل الأزمة السورية، «خصوصاً ونحن نعرف أن فرنسا لها نفوذ في الشام عموماً، وفي لبنان خصوصاً، وهي دولة عظمى، ومن الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن»، لافتاً إلى أن حضور الرئيس الفرنسي في القمة التشاورية يعطي مؤشراً واضحاً لتصدي دول المجلس لحل الأزمة السورية». «عاصفة الحزم» وجهت رسالة إلى إيران قال الدكتور محمد الخرعان: «إن تقسيم العراق قضية مطروحة منذ الغزو العراقي للكويت، وكل يوم يتطور في أشكال متعددة»، مؤكداً أنه «ليس من مصلحة العالم العربي تقسيم العراق، خصوصاً أن تداعيات التقسيم ستكون على أساس مذهبي وعرقي»، موضحاً أن هذا التقسيم سيسهم في «خلق المزيد من الصراعات المذهبية والدخول في حلقة جديدة من الصراع، وأنواع أخرى من المطالبات على هذه الأساسات، إضافة إلى تكوين هذه التقسيمات في مناطق أخرى». واعتبر تقسيم العراق «نوعاً من التعدي على التاريخ والجغرافيا والبشر، وضرره على العالم العربي كبير، خصوصاً أن العالم العربي بحاجة إلى التوحد وليس للمزيد من التقسيمات». وحول دور المجلس في هذا المجال، أكد الخرعان أن «القضية العراقية في قلب مجلس التعاون، والمجلس متطور وفعال وصامد، وله قرارات وخطوات اتخذها أكثر قوة مما يصدر من الدول العربية»، عازياً ذلك إلى «التجانس الثقافي والجغرافي والإقليمي بين الدول الخليجية وسكانها»، لافتاً إلى أن «مصير العراق هو مصير دول الخليج العربي»، متوقعاً أن «يبذل المجلس كل ما يستطع للمحافظة على وحدة العراق». وتطرق إلى الدور الإيراني وتدخلاته، خصوصاً بعد «عاصفة الحزم» قائلاً: «استراتيجية إيران قائمة، ليس على مجرد التدخل في شؤون الدول الأخرى، بل الهيمنة والسيطرة. والجميع يعرف أن إيران مكون جغرافي في المنطقة، ولها حدود وإطار مذهبي وسياسي وعرقي، بمعنى أن تدخلها من أسوأ أنواع النشاز الذي لا يختلف عن تدخلات الدول الاستعمارية في العالم العربي»، مشيراً إلى أن «عاصفة الحزم» شكلت «فاصلة زمنية وتاريخية. ووجهت رسالة لإيران بقدرة المنطقة ودول المجلس على المحافظة على مكوناتها الجغرافية والعربية، خصوصاً أن المملكة تحظى بالكثير من القبول في الدول العربية والإسلامية، بل والعالم كله». ... و «خريطة عمل» لحل أزمات المنطقة اعتبر المحلل السياسي الدكتور حزاب الريس، أن نتائج القمة الخليجية التشاورية ال15 الأخيرة، «إيجابية وتصب بكل تأكيد في مصلحة المنطقة»، موضحاً أن وجود الرئيس الفرنسي فرانس هولاند في القمة أعطاها «بعداً إيجابياً واضحاً لحل الأزمة السورية». وقال ل«الحياة»: «إن جهود مجلس التعاون الخليجي قوية وفعالة تجاه الدول العربية والإسلامية، ولا يمكن مقارنتها بجهود جامعة الدول العربية، التي تحتاج إلى مزيد من الجهود والتغييرات لتكون أكثر فعالية». ورأى الريس أن نتائج الاجتماع تمثلت في «حل عدد من الأزمات السياسية والإنسانية التي تواجه بعض دول المنطقة، وفي مقدمها سورية واليمن»، لافتاً إلى «جهود المجلس في بسط الاستقرار في المنطقة ووضع قواعد صارمة في التعامل مع عدد من الملفات السياسية»، مضيفاً: «أن القمة عقدت في وقت تتعرض فيه المنطقة إلى عدد من الأزمات الإقليمية، إلا أن نتائج القمة والاتفاقات الملموسة بين الدول الست تعطي انطباعاً واضحاً بنجاحها في حل أية أزمة مستقبلية تواجه المنطقة، على غرار ما حدث في اليمن، وتكوين اتحاد «عاصفة الحزم» أتى بنتائج إيجابية ملموسة». وصنف الرئيس الفرنسي ضمن «أشد المناوئين» لنظام الأسد في سورية، لافتاً إلى أن وجوده في القمة الخليجية التشاورية «دليل على نية المجلس حل هذا الملف، خصوصاً أن جرائم الرئيس السوري أسهمت في تدمير هذا البلد بصورة مؤلمة»، معرباً عن اعتقاده بأن المجلس سيكون له «دور واضح في حل الأزمة السورية، خصوصاً أنه طرح نقطتين مهمتين لحل هذا الملف، وهما عدم قبول الأسد وحكومته ضمن خطوات الحل، واستضافة المعارضة السورية في الرياض، لإيجاد حلول لهذه الأزمة». وذكر الريس أن دول المجلس «استطاعت أن تسجل إنجازات عدة، كان آخرها تحالف عاصفة الحزم الذي جاء استجابة لمناشدة السلطة الشرعية في اليمن، للدفاع عن النفس بعد أن رفض الانقلابيون مساعي مجلس التعاون والمجتمع الدولي، الهادفة إلى تجنيب الشعب اليمني الانزلاق نحو الفوضى والاقتتال». وثمن دور القيادة السعودية في «التصدي لعدد من الأزمات في المنطقة»، مشيداً بدور خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، والدور الفاعل لولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف، وولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان.