رسم الشاب السعودي تركي العندس (21 سنة) مئة رسم خلال سنة، لها رموز وحكايات على جدران تهالكت وترامت فيها الشروخ. بعضها تغير لونه، وبعضها الآخر لم يتأثر بتصدعات الزمن... دمج بين السياسة والإنسانية من خلال رسمه طائرة ترمي قلوباً ليظل الحب مشرقاً في المدينة، وكأننا نسمع أغنية الفنانة الراحلة أم كلثوم في رسم آخر على جدار تغير لونه، وسرعان ما نستشعر بروحانية عظيمة داخلنا ونحن نشاهد رسم الرجل المصلي. ويختتم الفنان رسومه بآيات من القرآن الكريم. تلتف قلوب الناس قبل عيونهم على جدران شوارع الرياض المليئة برسمات «الأستنسل». ويقول العندس: «بدأت الرسم بهذه الطريقة، خصوصاً بعد أن تعرفت على طريقة الرسم والخطوات والمراحل التي يمر بها العمل، ما وفر لي كل حجة وعزيمة لأن أبحر في هذا الفن، وكان لوالدي الفضل بعد الله فهو الداعم الأول لي». يعتبر رسم تركي على الجدران أمراً جديداً على المجتمع السعودي، وعلى رغم التساؤلات الكثيرة حول هوية من رسمها وكيف يرسمها، ثمة إجماع على أنه ترك بصمة جميلة. وفي كل رسم حكاية ورسالة تعبران عن رأي تركي الذي يوضح: «هناك أعمال كان مصدر إلهامها القرآن الكريم، وهناك أعمال ألهمت فيها من النبي محمد عليه الصلاة والسلام من أحاديثه وسننه. وهناك أعمال من المأثور العربي من شعر وأمثال، وبعضها يكون من واقع حياتنا من عادات وتقاليد وأحداث وشخصيات». ويضيف: «قرأت مرة في أحد الكتب وصفاً لمدينة ساوباولو البرازيلية قال فيه الكاتب إنها مدينة عجيبة مليئة بالأبراج وناطحات السحاب والمشاهد العمرانية الحديثة، ولكن بمجرد ما أن تختصر الطريق عابراً أحد أزقتها الصغيرة التي يملأ جوها الكآبة والظلام لا يمكن إلا أن تلفت نظرك الرسوم الجدارية المنتشرة هنا وهناك، مضفية على المكان طابعاً فنياً جميلاً وحساساً ورسالة وزنها بوزن ناطحات السحاب التي ملأت المدينة كلها. هذا ما أود أن أقدمه إلى مدينتي التي غابت عنها هذه الجزئية». وتمر رسوم تركي بمرحلتين، لكل منها أدوات خاصة: في المرحلة الأولى يرسم على الورق بقلم رصاص، ثم ينقل الرسم إلى لوحة أكبر حجماً، ويحدد مناطق معينة لتفريغها وقصها، ووضعها على الجدار وتلوينها لتظهر بعد إزالة الورقة. ولكن لا بد أن يكون الرسام حذراً أثناء التلوين، ويضمن بقاء الرسم وصموده في وجه عوامل الطبيعة. ويقر تركي بأن الرسم على الجدران تصرف غير مقبول، مؤكداً أنه لا يمانع أبداً في إزالة أي عمل على نفقته الخاصة إذا تضايق صاحب الجدار منه. ويضيف: «في البداية كانت أعمالي لا تتجاوز جدران منطقتنا فلا يراها أحد غيري، ولكن بعد أن أخذت هوايتي حقها من الممارسة توجب علي أن أتشاركها مع المجتمع، ورحت اختار الأماكن العامة».