يكسر أحدهم آلة العود على خشبة مخيم دعوي بحجة أنه يفسد عقول النشء، ويهاجم مقاهي «المعسل» المجاورة للمقهى، لأنها بنظره بؤرة تجمع لأراذل القوم، ثم يقدّم لغرّ تحت جنح الظلام رشاش كلاشنكوف مع رسالة تبشيرية «الحوريات ينتظرونك إن قتلت أبناء مجتمعك الكافر بدينك». الملخص أعلاه يحكي قصص كثير من حديثي السن المنتظمين في دهاليز الإرهاب، وآخر حلقاته «العشريني» يزيد أبو نيان، والتراجيديا -بحسب تعريفها- تقدم المأساة التي قد تكون مبنية على قصة تاريخية، إلا أن المأساة السعودية تتكرر بصور أكثر ألماً في كل مرة عند إعادة رواية فصول جديدة لها. الفصل الأول في قصة أبونيان يرسم ملامح شاب جامعي ذي صوت جميل يعزف على آلة العود، ابُتعث على حساب الدولة قبل 3 أعوام إلى أميركا، على رغم اعتلاله النفسي، يخالف الشاب القوانين الأميركية، ويجاهر باسم زعيم القاعدة الأسبق أسامة بن لادن على ظهر طائرة أميركية، وبعد المحاكمة يتبين أنه مضطرب نفسياً. الفصل الثاني يترك للقارئ التساؤل عن قبول طالب في برنامج الابتعاث، وعن تقرير المشرف عليه من الملحقية الثقافية، خصوصاً وأن الأدلة المقدمة للمحكمة الأميركية تثبت مرضه قبل دخوله أراضيها، خصوصاً وأن شروط الابتعاث (العامة أو الخاصة) لا تنص على سلامة المبتعث العقلية أو النفسية. الفصل الثالث يعود بالقارئ إلى مرحلة الدراسة في الجامعة السعودية، (والتي لم تصدر بياناً تستنكر فيه فعل الطالب المذكور)، وما هي النشاطات التي كان يشارك فيها الطالب ورأي أساتذته وزملائه فيه قبل أن يتحول إلى قاتل. جميع الفصول أعلاه تكررت في معظم المآسي السعودية لصغار السن الإرهابيين، مع تغيير بسيط في المواقع أو الأسماء أو طريقة التحول من حال السلام التام إلى حال الإرهاب، والقاسم المشترك دوماً في تلك القصص العزلة والاضطرابات النفسية. وكانت أستاذة علم النفس عضو مجلس الشورى الدكتورة لطيفة الشعلان وصفت ذات مرة أثناء مداخلة في جلسات «الشأن العام السرية» (حصلت «الحياة» على نسخة من مداخلتها)، أن المناشط الثقافية والفنية سلاح مهم ضد فكر التطرف والتعصب والانغلاق، مشيرة إلى أن الفكر المتطرف (حاضنة الإرهاب) ينهل من الفكر الأحادي والمنغلق. ولفتت حينها إلى أن أرباب الفكر المتطرف والمتورطين فيه من الشباب الذين تشربوا ونشأوا على مصادر معرفية محدودة ومنغلقة. متمنيةً أن تكون هناك إستراتيجية وطنية شاملة لمكافحة الإرهاب، بحيث يكون المكوّن الثقافي والفني حجر الأساس فيها. وفي السياق ذاته، كشف بحث للفروق في أبعاد مفهوم الذات أعده رئيس قسم علم النفس في جامعة الملك سعود الدكتور فهد الدليم أن لدى المراهقين والشباب مفهوم الانطباع الإيجابي لدى الفرد، يعمل كموجه للسلوك وقوة دافعة له تجعله يتخذ بثقة وشجاعة مواقف واتجاهات إيجابية، بينما من يحمل مفهوماً سلبياً عن ذاته قد يُقدِم على سلوكيات شاذة، وأن علاقة والديه القائمة على الإهمال والحرمان تؤدي إلى مفهوم ذاتي سلبي لدى المراهقين، وبالتالي قيامهم بسلوكيات مضادة للمجتمع. ويشير الدليم في بحثه إلى أن التراث النظري في علم نفس الجريمة يؤكد أن أبرز مظاهر اضطراب المسلك (conduct disorder) أو الجناح هو الأنانية، وضعف الصلات الإيجابية، والفشل في تكوين العلاقات الطبيعية مع الآخرين. ونشرت «الحياة» الأحد الماضي دراسة علمية تبين أن بعض المقالات استغلت التغريدات الدينية من أجل جذب الكثير ممَن ليس لديهم الدراية الكافية والحصانة الفكرية. كما حذّر باحثون في التيارات الإسلامية في تقرير نشرته «الحياة» منتصف آذار (مارس) الماضي من استغلال الجماعات المتشددة لما يسمى ب«المخيمات الدعوية»، وأن الاستغلال لا يزال مستمراً حتى الوقت الراهن.