على مدى أكثر من خمسة أعوام ظلت عشرات القرى المحاذية للشريط الحدودي الفاصل بين السعودية واليمن تحت سيادة الصمت، لكن منازلها وجدرانها وأزقتها وأسقفها تحكي قصة حياة كانت عامرة في أيام خلت. قرية «الخفاقة» الحدودية واحدة من 96 قرية كان يسكنها حتى عام 2009 أكثر من 20 ألف نسمة، هجرت ونزح أهلها إثر اعتداءات المتسللين في ذلك العام، إذ كانت في مرمى القذائف «الملتهبة»، وتحولت منازلها إلى مخابئ للحوثيين. هنا كانت تتحصن عناصر حوثية، وهناك كانت نهاية مغامراتهم الحدودية الفاشلة، حقيقة عاشتها «الحياة» أمس، برفقة رجال حرس الحدود، فإلى جانب الصمت الذي يسود 96 قرية أجلي سكانها قبل أعوام، يضرب الخراب أطنابه بين المباني التي صُمّمت تحفاً معمارية يوماً ما، في منصة «الحدود» الجنوبية. هذا منزل قصف من قمته لأن نيران الحوثي «المتسللة» كانت تتقطع من نوافذه العلوية، وتلك فيلا انهارت جنباتها لأن الميليشيات المسلحة توزعت في جنباتها متحصنة في جنح الظلام، قبل أن تحول المدفعية السعودية ظلام ليلها إلى نهار، وهناك عشرات من قطع الأثاث التي تركها أصحابها من دون رجعة. مشاهد 2009 ماتزال واقفة، في أرجاء «الخفاقة»، لكن أكثرها صدمة «منارة مسجد» انهارت غدراً، وظلت تشكو بقاياها نيران الحوثي. أكثر من ألفي منزل وفيلا سكنت الحدود وحيدة منذ أعوام، بعد أن غادرها أهلها بأمر الجهات المختصة حفاظاً على سلامتهم، وأمنت لهم خمسة مواقع سكنية جديدة، ضمن مشروع إسكان الملك عبدالله بن عبدالعزيز التنموي، وفق مواصفات عصرية بمواقع عدة في المنطقة، مع تعويضات مالية مجزية منحت لكل النازحين. وفرضت الجهات المختصة السعودية منطقة حدودية بامتداد ثلاثة كيلومترات في الداخل الحدودي السعودي، وشكلت منطقة «محرمة» على حدودها الجنوبية قبل الشريط الحدودي. يقول قائد حرس الحدود في قطاع الحرث بمنطقة جازان العقيد الدكتور حسن عقيلي: «نعمل الآن على إزالة 2000 مبنى مختلفة المساحات والأحجام بشكل نهائي، إضافة إلى إزالة 180 كيلومتراً مربعاً من الغابات والمزارع، بهدف خلق منطقة حدودية آمنة بشكل تام». وأضاف: «تمت إزالة أكثر من 10 قرى حدودية بشكل كامل، وتمت تسوية مئات من المساحات الزراعية في محيطها، والآليات تعمل منذ فترة على هذه الوتيرة، لافتاً إلى أنه «بفعل الأحداث الحالية تم تغيير مواقع بعض الإزالات حفاظاً على سلامة المقاولين والعمال، ومن دون تغيير في مستوى العمل اليومي، لتسوية هذه القرى الحدودية وفق الخطط الموضوعة».