على رغم أن أغنية «مرحيب» لا تعدّ من الأغاني الجديدة للفنان أبوبكر سالم، إذ مضى عليها ثمانية أعوام، إلا أنها أصبحت اليوم من أكثر أغانيه استماعاً. لا، بل إن كلمة «مرحيب» المشتقة من إحدى اللهجات اليمنية، حلت محل «مرحباً»، فأصبحت عبارة التحية بين كثير من الشبان الخليجيين والعرب. ومع «مرحيب» أبوبكر سالم، عادت أغنية «صبوحة خطبها نصيب» إلى الساحة بعد أعوام من الانقطاع. وهي أغنية من الفولكلور اليمني كان غناها مطلع ثمانينات القرن الميلادي الماضي الفنان سعيد عبدالمنعم، ليؤديها لاحقاً فنانون يمنيون وخليجيون وعرب. وأعادت «عاصفة الحزم» إلى قائمة اهتمامات الشبان الخليجيين والعرب الفولكلور والتراث اليمني، من خلال مقاطع الفيديو والمقاطع الصوتية، والصور والعبارات، وباللهجة اليمنية الشعبية. وعلى رغم حضور الفولكلور اليمني جنوب المملكة في الرقص الشعبي والزِّي واللهجة، فإن التضامن الجديد مع اليمن، دفع الكثيرين في الشارع العربي والخليجي تحديداً لمزيد من التماس التقارب من الجارة الجنوبية. وقال الباحث الاجتماعي محمد الحمزة ل«الحياة»: «الحكومات الذكية التي لديها مهارة صناعة وإدارة للأحداث تسخر كل إمكاناتها المادية والبشرية والثقافية لدعم ذلك الحدث مهما كان نمطه، وفي الأزمات والحروب تتجلى تلك المهارة بتسخير الفنون السمعية والبصرية بكل أنواعها، فهي رسائل للطرف الآخر ودعم نفسي ومعنوي للناس. كما نجد في ثقافة اللبس والاعتزاز بالموروث». واستشهد الحمزة بقيام الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي عند أول ظهور إعلامي له أثناء «عاصفة الحزم» بلبس الثوب المهري، وهو «تقليد وتراث أصيل لإحدى القبائل اليمنية العريقة، ليرسل رسالة مباشرة بأن اليمن عربية وقضيتها عربية، فكانت الرمزية فيه واضحة، والهدف منه واضح». وأضاف: «الأغاني الوطنية التي تحمل اللهجات المتعددة، والكثير منها له ارتباط تاريخي في العقلية الشعبية التي تحرك العواطف وتشحذ الهمم، لمجرد أنها تعود بالذاكرة للوراء وإلى مواقف مؤلمة وحزينة، وتارة مفرحة خلال أزمات سابقة مرت بالبلاد، فمجرد السماع العابر يأخذ الذاكرة لعوالم أخرى، وفي بعضها حماسة منقطعة النظير، تجعل من الشخص مدركاً لأهمية الأمر وحقيقة القضية». وقال الحمزة: «بعض الأصوات الغنائية أكاد أجزم بأنها ثروة وطنية للموروث الثقافي والفني الشعبي، فصوت مثل محمد عبده، وطلال مداح، وأبوبكر سالم، ما زال يحرك الروح ويهز الوجدان ويبعث الحماسة، بل إن أغانيهم القديمة ما زالت خالدة إلى اليوم، وستبقى تاريخاً يروى للأجيال، وتحمل عبارات تسطر بماء الذهب، سردها شعراء حركتهم الحوادث، مثل قصائد الأمير بدر بن عبدالمحسن». وشدد على أنها «ليست مجرد فواصل صوتية تمضى بها الأوقات، بل هي رسائل ذات دلالات كبيرة وحساسة في العقلية البشرية، سواءً أكانت صوتية عبر الأغاني أم القصائد، أم حتى الخطابات، أم كانت بصرية مثل اللبس»، لافتاً إلى أن «الحروب هي أشد الأزمات التي تمر بها البشرية، والحرب الدموية بالأسلحة تقابلها حرب نفسية أشد فتكاً من الأولى، لذا إدارة الحرب النفسية مهمة جداً في توحيد الصف الداخلي تجاه الموقف الرسمي، والعمل على كسب صوت الشارع وتأييد الناس يحتم التقرب منهم ومخاطبتهم باللغة العاطفية التي تؤثر فيهم، وهذا داعم كبير ومهم ومؤثر للصف الداخلي الشعبي المساند للقرار الرسمي».