من ثلاث حقبات فنية تعود لنتاج الفنانة التشكيلية اللبنانية الفرنسية هيكات كالان (من مواليد بيروت العام 1931)، اختارت ندين بكداش اعمالاً متميزة، تشكل مجموعة المعرض في غاليري جانين ربيز يلقي الضوء في شكل خاص على القطع البرونزية غير المعروفة للرسامة في مجال النحت، تعود للفترة التي انتسبت فيها كالان الى محترف النحات الروماني جورج أبوستو في باريس ما بين أعوام 1983- 1985. وكان حينها ابوستو يعيش تجربة المنفى، أما كالان فكانت تسعى للخروج من إطار اللوحة التقلدية بحثاً عن رؤى جديدة وجدتها في خامات متنوعة كالقماش والورق والنسيج والحرير، لاسيما أنها نفذّت لدار بيار كاردان مجموعة من تصاميم الأزياء النسائية عام 1978، لذا حين خاضت في مجال النحت بدأت بتكاوين طينية (قرابة الثلاثين قطعة)، قبل مادة الحجر والغرانيت، ولكنها قامت بتنفيذ مجموعة من أعمالها بمادة البرونز في لوس أنجلوس، مقر إقامتها حيث تعيش وتعمل منذ العام 1988. قد يُظَن أن ولع هيكات باللوحات ذات الأحجام الكبيرة بدأت في الولاياتالمتحدة الأميركية، ولكن وجود لوحة جدارية تعود الى السبعينات من القرن العشرين تدحض هذه النظرية، وتفتح المجال أمام قراءة مختلفة لعلاقتها بالمسطحات اللونية وإشكاليات التحويرات الإنسانية التي بدأت منذ ذلك الحين تأخذ منحى تجريدياً بعيداً من المدارس السائدة التي كانت معروفة في بيروت حقبة الحداثة التي شكلت كالان واحدة من أقطابها البارزين. فقد استطاعت أن تعبّر بسرعة عن هواجسها وكيانها، وأن تحقق إنسانيتها وأزماتها الاجتماعية والوجودية، بأسلوب زخرفي فطري، بل حدسي - تلقائي بسيط، يحتوي طريقة خاصة في التشخيص الإنساني ونقل الطبيعة، وهو يجمع بين الواقع والتجريد من سبيل الفانتازيا. واللافت أنها تنحت مثلما ترسم على سطح واحد غالباً، بلا مراعاة لقواعد النحت على الكتلة من كل جوانبها ضمن فضاء ثلاثي البعد كما يفترض أو كما يفعل عادة النحاتون المحترفون. ذلك لأن غايتها ليس احترام القواعد الأكاديمية بل الانقلاب عليها، بالسهولة نفسها التي تتمكن فيها حين ترسم على القماش من قلب وجوه الناس رأساً على عقب وتفكيك هيئاتهم واستبدال ملامحهم، بدواعي الحرية المطلقة في هدم الصورة الذهنية التي تتكون عادة في مخيلة الناظر، وطرح ما يغايرها أو يحلّ مكانها. على الأرجح أن هيكات كالان، قد شغفها النحت لفترة قصيرة من حياتها لدواعي اكتساب المعرفة بخامة جديدة لم تختبرها من قبل أو لنزوة حب عابر. وهذه التجربة أتاحت لها إخراج كائناتها وشخوصها وأشكالها من الحيّز المرسوم المسطّح إلى عالم المادة اللّمسية لعجائن الكتل الناطقة. لذا فإن برونزيات كالان مهما بدت اعتراضية وغريبة لكنها استثنائية ومتطفّلة. ولطالما كان الرسامون المحدثون الكبار مجددين في النحت أكثر من معلمي النحت أنفسهم. استطاعت هيكات كالان على مر تجاربها الطويلة أن تطرح أسلوباً خاصاً بها نابعاً من قدرتها على التصميم. ومن هذه الخصيصة المليئة بالحرية في التعبير واللعب والتهكّم والتلذذ بالفن، تكشّفت لديها لغة شكلانية عكست علاقتها بالخط والكتلة والحجم واللون، ضمن قالب استعاريّ ورؤى مورفولوجية تشبه ببراءتها العالم الطفولي. هكذا أصبح لديها أي خط يولد لتوّه، يمشي ويسترسل من تلقائه كي يتقاطع ويتشابك في علاقات متواشجة مع نزهات خطوط أخرى.