بعد عقود كان فيها «الإعلام المحافظ» هو المشروع الذي قاتل عدد كبير من المتدينين من أجل تحقيقه، لتوفير بديل يقابل إعلاماً كانوا يرون بأنه «ينشر الفسق والمجون». جاء التطور الأخير في المحطات المحافظة، عبر تدشين برامج الواقع الترفيهية التي انفردت بها إحدى القنوات (تحتفظ «الحياة» باسمها)، لتوجد شقاقاً وخلافاً أثمر عنه ارتداد أقل المتشددين في مسألة الإعلام عن مساندتهم ودعمهم، معتبرين ما قدم «انحلالاً يؤثر على أهل الصلاح والخير»، على حد تعبيرهم، إذ إنهم يقدمون صورة «هزلية» تضر منازلهم التي استأمنوهم عليها في دخولها، بدلاً من القنوات الأخرى، مشيرين إلى أن ما تم تقديمه يحوي «ضرراً لا يقل عن ضرر غيرها، وإن لبست لباس المحافظة». وقام محتسبون غاضبون من برامج الواقع المحافظة تلك، بإنتاج فيلم يتناولون فيه ما اعتبروه «تجاوزات ومخالفات شرعية يجب أن تتوقف لما لها من تأثير في المشاهدين»، خصوصاً النساء اللاتي يفتن بما يرينه ويجعلهن يندفعن بعواطفهن في اتجاه الرجال المشاركين بشكل لا يجوز، مستندين في ذلك على أقوال دعاة كان لهم صولات وجولات في نقد القنوات المحافظة التي احتوت بعض برامجها على «مخالفات» لا تليق بإعلام يرفع من المحافظة شعاراً له، مشيرين في الفيلم، الذي قارب عدد مشاهديه على مليون مشاهد في ثلاثة أيام، أن ظاهرة برامج الواقع يجب أن يتم تهذيبها وتنقيتها من الشوائب، وإلا خير من ذلك توقيفها والتركيز على نشر ما يناسب بيت المسلم. ولم يكن ذلك النقد وليد هذا الفيلم المنتج حديثاً، ولكن كانت له إرهاصات قديمة وحديثة، إذ أصدر في مطلع الألفية داعية يدعى سيف طلال الوقيت كتاباً يحمل عنوان «لله ثم للمشايخ والدعاة»، الذي تحدث فيه مؤلفه عن خطورة ظهور طلبة العلم الشرعي في البرامج، وما لذلك الظهور من آثار، عارجاً في مؤلفه الذي لم يتجاوز ال150 صفحة، على ما وصفه ب«خروج المردان في القنوات غير المحافظة وما تحويه من مخالفات مثل الموسيقى وظهور النساء فيها». ولم يتوقف المؤلف عند هذا الحد، بل ذهب إلى التأكيد أن «ظهور الدعاة أصلاً بحد ذاته مرفوض، حتى ولو في قنوات محافظة، كون ظهورهم له تأثير في قلوب النساء، فيفتن بهم». واعتبر هذا الرأي «متشدداً» في حينه، خصوصاً فيما يتعلق بظهور المشايخ في القنوات المحافظة التي أخذت بالتكاثر آنذاك، ولكن سرعان ما تسبب برنامج «زد رصيدك» الذي تعرضه إحدى القنوات المحافظة في فتح النار وبشراسة هذه المرة في شبكات التواصل الاجتماعي، إذ عد ما يقدم في هذه البرامج «إسفافاً وهرجاً ومرجاً لا يليق بأن يشاهد، وأنه من يظهر به لا تظهر على بعضهم علامات الصلاح، بل لديهم سلوكيات وتصرفات محرمة، من حيث المظهر أو الحديث أو الإيحاءات المباشرة وغير المباشرة». وختم البرنامج في موسمه الرابع هذا العام وسط مشاهدة «مرتفعة»، وبرعاية عالية الثمن من مجموعة من التجار المعروفين بتوجههم «المحافظ»، ولم يكن محط إعجاب طيف من أطياف المتدينين الذي حولوا «المناصحة» إلى معركة بين طرفين، يحملان المشروع ذاته، إلا أن لكل منهما رؤيته التي لم يوافق عليها طرف ويتنازل عن فكرته. واعتبر الباحث الشرعي عائض الهمزاني أن ما بثه الفيلم «دليل على وجود خلاف ليس على جوهر ما يقدم ولكن على طريقة تقديمه، وإلا فإن الإعلام المحافظ مطلب قديم ليس هناك غنى عنه في العصر الحديث». وعمّا إذا كانت الأصوات التي تطالب بوقف برامج الواقع تمثل رأياً «متشدداً»، قال الهمزاني ل«الحياة»: «التشدد عبر المطالبة بوقف هذا النوع من البرامج، ولكن وجود إنكار ورغبة في تهذيب المحتوى فهو المطلب، سواء قام به من عُرضت آراؤهم في الفيلم أم غيرهم». وأشار إلى أن هناك من «يفجر في الخصومة ويشخصن القضية، فيما الأمر فيه سعة لا يجب أن يضيق بها صدر الإخوة بين بعضهم بعضاً»، لافتاً إلى أن إنتاج هذا الفيلم وتكييفه ليقدم فقط صورة سلبية عن البرنامج «قد يفسر أنه نوع من الفجور، خصوصاً أن القائمين عليه لم يذكروا أسماءهم ويفصحوا عن هوياتهم، ما يجعل عملهم تنقصه شجاعة المواجهة المطلوبة لمن يرغب في المناصحة وليس الوقيعة بالآخرين وتشويه عملهم».