شن عدد كبير من النقاد والشعراء هجوماً على الكاتب محمد رضا نصرالله إثر تهجمه على الشاعر علي الدميني بسبب تجاهله نشر شهادته التي كتبها عن تجربته الشعرية، في الكتاب الذي أعده الدميني نفسه، وأصدره نادي الشرقية الأدبي حديثاً. وكان نصر الله في هذا الهجوم الذي نشرته «الحياة» أول من أمس (الخميس)، وصف فيه صنيع الدميني ب«غير الأخلاقي»، كما دفعه ذلك إلى التقليل من تجربته الشعرية، وأن تصرف الدميني جعله يعيد النظر في تجربته السياسية برمتها، معتبراً أنها «لم تكن سوى عمل استعراضي، أراد من خلال المشاغبة السياسية التي وصلت إلى حد التحالف مع عناصر من الإسلام السياسي، لفت الأنظار إلى حجمه الصغير في التجربة الثقافية والشعرية في المملكة». وتناقل كثير من الكُتّاب والأدباء، ما نشرته «الحياة» على لسان نصرالله، عبر حساباتهم الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» و«تويتر»، إذ علق غالبيتهم برفض هذا الهجوم نظراً إلى قامة الشاعر علي الدميني وللخلط الواضح بين تجربته الإبداعية ومواقفه السياسية - بحسب مجمل آرائهم تلك - وكان الشاعر هاشم الجحدلي آثر الابتعاد «عن أجواء الضغائن» واعتقد في حسابه الشخصي أن نصرالله «جانبه الصواب في هذا الموقف وهذه المعركة وذلك التصريح»، لافتاً إلى أنه «إذا كتبت الشهادة التي لم يستوعبها الكتاب، خصيصاً له، فالأولى أن لا تنشر إلاّ فيه أولاً، وبعد ذلك من حق الكاتب أن ينشرها حيثما يريد، أما إذا كانت شهادة مشاعة فمن حق صاحب الكتاب - وهو هنا الشاعر المبدع علي الدميني - أن ينشرها أو لا ينشرها»، وأشار إلى أن علاقة الدميني بالأديب والشاعر محمد العلي «أكبر شاهد على عمقها ورسوخها وتأثيرها، فالدميني نفسه وفي أكثر من مكان، لذا لا مجال للخوض فيها»، وقيمة الدميني يشهد لها الشعراء والنقاد من هنا وهناك وأولهم العلي وبالتالي لا مكان لرأي نصرالله في المقام أبداً، وتمنى الجحدلي «أخيراً أن تكون سحابة فبراير وتعدي من دون خسائر، فلسنا في وضع يستدعي المزيد من الخسائر، و تحديداً خسائر العمر الطويل». ولمس الشاعر حسن الزهراني فيما نشر كما كتب: «وجدت ثلاث خطايا من كبير.. ليته ستر نفسه»، يقصد نصر الله الذي لا يراه الناقد المصري عبدالله السمطي محقاً فيما ذهب إليه في شعرية الدميني قائلاً: «شعرياً لا أعتقد فيما ذكره من تهميش الدميني، وأنه مجرد صدى لما يكتبه العلي.. أعتقد أن تجربة الدميني الشعرية في سياقها الجمالي تعد من التجارب المتقدمة شعرياً، وهي تمردت على نفسها في مسيرة تصويرية مدهشة ما بين (رياح المواقع) إلى (بأجنحتها تدق أجراس النافذة) وما بينهما وما بعدهما من دواوين وقصائد. وأعتقد أن من يقرر مسألة وجود الشاعر ودوره هو الناقد الأقرب إلى معايشة النصوص الشعرية، لأن الشعر تحديداً له كيفية خاصة في التعامل مع اللغة، فضلاً على حساسيته، وتجريبيته التي لا يستطيع ملامستها بدأب إلاّ ناقد يعايش تحولات الكلمة وتحولات القصيدة»، وعن «إقحام الدور السياسي - مع أهميته - أو غيره»، كتب السمطي: «هذا موضوع شخصي خارج الرؤية الإبداعية والأدبية. ولا أعتقد أن نشر شهادة من عدمه هو بالموضوع الكبير الذي يطرح على بساط البحث الثقافي، لربما أن هناك رؤية معينة رآها محرر الكتاب وناشره، أو ربما أن هناك وحدة فنية ونقدية مطرز بها الكتاب، وأراد ناشره أن يظهر بهذا الشكل»، مضيفاً أن في اعتقاده «لا تصاغ المسألة بهذه الطريقة، فالمنهجية والموضوعية وحدهما هما السبيل». بينما تعجب الناقد الدكتور جمعان عبدالكريم بقوله: «العجب هو استكتاب نصرالله وهو ليس ناقداً عن تجربة. عجباً من نصرالله عندما خلط بين النضال والتضحيات التي قدمها الدميني وبين شاعريته فقيمة الدميني الشاعرية غير قيمته الثقافية أو النضالية»، وأضاف قائلاً: «عدم النشر إن صحت بالكيفية التي رواها نصرالله فهي سقطة كبيرة». ووجّه الكاتب خالد الشيخ انتقاده لمثل هذه القضايا التي وصفها ب«الزوبعات» وأنها «تثار منذ القدم وكل إنسان يعرف حجمه الطبيعي. الناس تكبر وتنضج وترتقي»، وقال: «لست مدافعاً عن الدميني لكني أنتقد أسلوب مدعي الثقافة فحتى متعصبي الرياضة تجاوزوا هذا الأسلوب». وكانت الدكتورة زكية العتيبي عبرت في حسابها الشخصي، عن موقفها من هذه القضية، بأنه لا يهمها «صراع المبتدئين لأنهم يصنعون به سمعة»، وتعيد ذلك إلى قلة الخبرة التي تقودهم لهذه المواقف، مشيرة إلى أن صراع الكبار يحزنها «حتى وإن كان حقيقة مجتمعية عليّ أن أسلم بها»، وأضافت تقول: «نصرالله مع احترامي لشخصه وسيرته العريقة ليس ناقداً ليشارك برأيه في هكذا أمر، فكثرة مقابلاته وتحدثه مع مشاهير الأدباء، وكونه كاتب مقال لا يلبسه ثوب الأديب أو الناقد»، ووصفته بأنه مفكر وناشط ثقافي، وإن كان «اُستكتب إكراماً لسيرته، فما كتب يشينه ولا يزينه!»، وتتساءل: «كيف أكرمك وأجعل لرأيك عندي قيمة وتكتب عني ما كتبت؟»، وتزيد العتيبي سؤالها لنصرالله بتعجب: «إن كان ما قاله حقيقة - كيف استكتبك وتطعن في وتريد مني أن أضع رأيك في كتاب سيخلده التاريخ؟ لا العقل ولا المنطق يقول هذا»، وتأمل منه بأن ينصف نفسه وألاّ «يصادر حرية شخصية (أتمنى ألا يأتي أحد هنا ليقول: أليس في عدم وضع رأيه مصادرة) سأقول: ضع نفسك في مكان الشاعر الذي ظُلم في الرأي المذكور بعضه هنا»، مؤكدة أن للشاعر الدميني «تاريخه العريق لا يُهدم بجرة قلم، ونصرالله كان أكبر من أن يُصرح بتصريح كهذا». وكتب الكاتب حمد العسوس يقول: «أنا لا أستغرب مثل هذا الهجاء من المثقفين لبعضهم.. فهذا هو ما تقوم عليه مجالسهم الخاصة في حق من يغيب عن تلك المجالس، لكن أحياناً يظهر على السطح - كردود أفعال لمواقف شخصية - والخافي أعظم!». وانتقد الدكتور عبدالناصر هلال طريقة نصرالله في هجومه على الدميني، فهو بحسب هلال «عندما أراد النقد خرج من النقد، لأن النقد من أبسط معطياته الحياد والموضوعية والمنهجية، والمتأمل في شهادته يراه خارج السياق، والقول عن شعرية الدميني كما يؤكد نصرالله بأنه وضعها على طاولة التشريح في سياق مؤثراتها العربية والسعودية تؤكد أنه غير متابع لحركة الشعرية السعودية أو العربية وأن طاولته النقدية تجاوزها الوعي النقدي، فعلي الدميني أضاف للشعرية العربية جماليات لم تطرق، وأحيله فقط لنص موجود في ديوان (رياح المواقع) عنوانه (إيقاع الزجاج) ليرى ما في هذه الشعرية من طاقة على التجريب الجمالي بين الفن التشكيلي والشعر، في وقت لم تتطرق الشعرية العربية لهذا التكنيك البنائي.. اضف إلى أن الدميني يمتلك الجسارة في كسر علاقة الألفة بين محمول الدال والمدلول، وكذلك تشكيل الصورة الحسية التي تفارق إرثها في بنيته. استطاع علي الدميني أن يفتح طاقة التجريب أمام النص السعودي، ويفتق أربطة المقدس، ليصل خريطة الشعر السعودي بالشعر العربي. وأحيل القارئ إلى ما كتبه عنه في هذا الكتاب من منظور الدرس النقدي والتأويل المنهجي في كتاب الاحتفاء به». يذكر أن تلك الشهادة نشرها محمد رضا نصرالله في «الحياة» بتاريخ 23 كانون الأول (ديسمبر) 2014، وأعيد نشرها في صحيفة «اليوم»، ويرى البعض أنها تجاوزت قيمتها الأدبية إلى التقليل من صاحب «الغيمة الرصاصية»، وأنه «مجرد صورة باهتة وصدى خافت، للشاعر والكاتب الكبير محمد العلي».