«ذهب الليل، طلع الفجر، والعصفور صوصو، شاف القطة قالها بسبس، قالتله نونو» كلمات أخذت الطفلة دعاء ترددها بعد عودتها الى المنزل من أول يوم لها في المدرسة. غناء الصغيرة يحاكي ما فعلته الأم عندما كانت في مثل عمر الابنة متذكرة جيداً أداء الفنان محمد فوزي هذه الأغنية على شاشة التلفزيون بالأبيض والأسود. والمفارقة أن هذه الأغنية وغيرها من أغنيات فوزي لا تزال حيّة في عصر الموسيقى الحديثة. محمد فوزي اسم يشير إلى فنان شامل اكتسب شهرة ونجاحاً لدى غالبية الجمهور المصري والعربي صغاره وكباره. وهي المعادلة التي استعصت على غالبية فناني جيله والأجيال التي أعقبته حتى بعد 43 سنة على رحيله في 20 تشرين الأول (أكتوبر) 1966. فالفنان الوسيم الذي تربع في وقت قصير على عرش السينما الغنائية والاستعراضية خلال فترة الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي، بلغت أغنياته نحو 400 كلها من تلحينه. وزخرت أفلامه بالكثير منها مثل «طير بينا يا قلبي»، و«اللي يهواك اهواه»، و «حبيبي وعنيا»، و«شحات الغرام»، و «رنة الخلخال»، و «الملاية اللف»، و «مال القمر ماله». وفضلاً عن شهرته كملحن اتسمت مقطوعاته الموسيقية بالبساطة المصرية كلحنه لأغنية «أنا قلبي خالي» لليلى مراد، و «ساكن في حي السيدة» لمحمد عبدالمطلب، و«لاموني» لأخته هدى سلطان. ويشار الى أن محمد فوزي الذي لحّن الأغنيات الخفيفة ذات الإيقاع السريع مثل «مصطفى يا مصطفى»، و «فطومة» اللتين تتصدران إلى الآن قائمة الأغنيات في الحفلات الموسيقية والشبابية بنجاح لافت، هو نفسه ملحن النشيد الوطني الجزائري الذي يردده الجزائريون حتى يومنا هذا. ويعد فوزي أحد المجددين في مواضيع الأغنيات، إذ قدم أغنيات دينية مثل «بشراك يا صايم»، و «إلهي إن الملك لك»، إضافة إلى تخصيص جزء من ابداعاته لأغنيات الأطفال من خلال الأغنيتين الشهيرتين «ذهب الليل»، و «ماما زمنها جاية» اللتين لا تزالان من أشهر أغنيات الأطفال في الوطن العربي. ولد فوزي الذي تعلم أصول الموسيقى في ذلك الوقت على يد عسكري المطافئ محمد الخربتلي الذي كان يصحبه للغناء في الموالد والأفراح في محافظة الغربية، في 28 آب (أغسطس) 1918. وانضم بعد تخرجه في معهد الموسيقى إلى فرقة بديعة مصابني، ثم انتقل منها إلى فرقة فاطمة رشدي، إذ كان يلحن الكثير من المسرحيات. واعتُمد في الإذاعة كملحن، أولاً، ثم اعتمد كمطرب بعد عام 1952. وعام 1944 دخل عالم السينما للمرة الأولى من خلال الفنان يوسف وهبي الذي قدمه في فيلم «سيف الجلاد»، ثم تتابعت أعماله في دنيا الفن السابع ب 36 فيلماً، حقق معظمها نجاحات عريضة مثل «مجد ودموع»، و «ليلى بنت الشاطئ»، و «ثورة المدينة»، و «بنات حواء»، و «ورد الغرام»، و «المرأة شيطان». كما قدم الأدوار الكوميدية في بعض أفلامه منها «فاطمة وماريكا وراشيل»، و «الآنسة ماما»، و «الزوجة السابعة». وكان فوزي أول من أدخل الأفلام الملونة ومصانع طبع الأسطوانات في الوطن العربي. ففي عام 1958 استطاع تأسيس شركة «مصرفون» لإنتاج الاسطوانات التي كانت بمثابة ضربة لشركات الأسطوانات الأجنبية التي كانت تبيع الأسطوانة بتسعين قرشاً. بينما كانت شركة فوزي تبيعها بخمسة وثلاثين قرشاً. أنتجت شركته أغنيات كبار المطربين وقتها أمثال أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب. واستمرت الشركة من نجاح إلى نجاح إلى أن ضربتها الايديولوجيا الاشتراكية عندما اممت عام 1961 على أن يعين فيها فوزي مستشاراً فنياً براتب 100 جنيه. وحدد له مكتب في غرفة كانت مخصصة لإعداد المشروبات للضيوف، فانسحب الى الأبد معتذراً عن عدم استلام المنصب الجديد. وما هي إلا أيام معدودات بعد فترة اكتئاب حاد لما وصل إليه مجهود وإبداع السنين حتى التهمه مرض حار أطباء العالم في تشخيصه، من أعراضه: فقدان شديد في الوزن وآلام مبرحة في الجسم. فسافر الى لندن للعلاج في أوائل العام 1965، ثم إلى ألمانيا، إلا أن المستشفى الألماني أصدر بياناً قال فيه إنه لم يتوصل إلى معرفة مرضه الحقيقي ولا كيفية علاجه وأنه خامس شخص على مستوى العالم يصيبه هذا المرض (سرطان العظام). وأطلق الدكتور الألماني على هذا المرض وقتها «مرض فوزي» إلى أن رحل في20 تشرين الأول (أكتوبر) عام 1966 عن ثمانية وأربعين عاماً. تزوج محمد فوزي ثلاث مرات، الأولى من هداية التي أنجب منها ثلاثة أبناء، ثم من الفنانة مديحة يسري، ثم من الممثلة كريمة أو (فاتنة المعادي كما تعرف في مصر) وأنجب منها ابناً. محمد فوزي هو عبقري الموسيقى تلحيناً وغناء وتجديداً في تاريخ الموسيقى العربية، إلا أنه لم ينل حظه من الاهتمام الإعلامي الذي حظي به غيره من أبناء جيله على رغم تفوقه على غالبيتهم من جهة الموهبة والتنوع الفني الغنائي والتمثيلي.