هل تشتعل جبهة جنوب لبنان ؟    روسيا: زيارة بلينكن للصين تهدف لتمزيق العلاقات بين موسكو وبكين    الأخضر السعودي 18 عاماً يخسر من مالي    الإبراهيم: تشجيع الابتكار وتطوير رأس المال البشري يسرعان النمو الاقتصادي    النفط يستقر فوق 88 دولاراً.. وأسهم أمريكا تتراجع    «الرابطة» تُدين استمرار الاحتلال ارتكاب جرائم الحرب في غزة    الإبراهيم: إستراتيجياتنا تحدث نقلة اقتصادية هيكلية    الراقي في اختبار مدرسة الوسطى.. الوحدة والفيحاء يواجهان الحزم والطائي    ميندي وهندي والنابت مهددون بالغياب عن الأهلي    إنشاء مركز لحماية المبلغين والشهود والخبراء والضحايا    أدوات الفكر في القرآن    4 نصائح طبية عند استعمال كريم الوقاية من الشمس    الملك يغادر المستشفى بعد استكمال فحوصات روتينية    بيع "لوحة الآنسة ليسر" للرسام كليمت بمبلغ 32 مليون يورو    الأوبرا قنطرة إبداع    في ذكرى انطلاقة الرؤية.. مسيرة طموحة لوطن عظيم    الأمير عبدالإله بن عبدالعزيز يرعى حفل تخريج طلبة «كلية الأعمال» في جامعة الفيصل    اللهيبي تُطلق ملتقى «نافس وشركاء النجاح»    اللي فاهمين الشُّهرة غلط !    لا تستعجلوا على الأول الابتدائي    مساعد رئيس مجلس الشورى تلتقي بوفد من كبار مساعدي ومستشاري أعضاء الكونغرس الأمريكي    هلاليون هزموا الزعيم    مين السبب في الحب ؟!    مشاهدات مليارية !    أهلاً بالأربعين..    "5 ضوابط" جديدة بمحمية "الإمام تركي"    النفع الصوري    حياكة الذهب    سوناك وشولتس يتعهّدان دعم أوكرانيا "طالما استغرق الأمر" (تحديث)    إجراء أول عملية استبدال ركبة عبر «اليوم الواحد»    زراعة 2130 شجرةً في طريق الملك فهد بالخبراء    166 مليار ريال سوق الاتصالات والتقنية بالسعودية    مسبح يبتلع عروساً ليلة زفافها    "إكس" تطلق تطبيقاً للتلفاز الذكي    أسرة البخيتان تحتفل بزواج مهدي    انطلاق "التوجيه المهني" للخريجين والخريجات بالطائف    "أم التنانين" يزور نظامنا الشمسي    اكتشاف بكتيريا قاتلة بمحطة الفضاء الدولية    «سدايا» تطور مهارات قيادات 8 جهات حكومية    961 مليونا ً لمستفيدي «سكني»    أمير الشرقية: القيادة تولي العلم والتنمية البشرية رعاية خاصة    تحت رعاية وزير الداخلية.. "أمن المنشآت" تحتفي بتخريج 1370 مجنداً    دورة تأهيلية ل138 مستفيداً ومستفيدةً من برنامج الإعداد للابتعاث    مقصد للرحالة والمؤرخين على مرِّ العصور.. سدوس.. علامة تاريخية في جزيرة العرب    رسالة فنية    برشلونة: تشافي سيواصل تدريب الفريق بعد تراجعه عن قرار الرحيل    الإسباني "خوسيلو" على رادار أندية الدوري السعودي    عيدية كرة القدم    تجهيز السعوديين للجنائز «مجاناً» يعجب معتمري دول العالم    جاسم أحمد الجاسم عضو اتحاد القدم السابق ل"البلاد": الهلال يغرد خارج السرب.. وحديث المجالس وضع" هجر" في مهب الريح    تحت رعاية الأمير عبد العزيز بن سعود.. قوات أمن المنشآت تحتفي بتخريج 1370 مجنداً    بعضها يربك نتائج تحاليل الدم.. مختصون يحذرون من التناول العشوائي للمكملات والفيتامينات    تجاهلت عضة كلب فماتت بعد شهرين    قطاع القحمة الصحي يُنظّم فعالية "الأسبوع العالمي للتحصينات"    أمير عسير يواسي أسرة آل جفشر    أمير حائل يرفع الشكر والامتنان للقيادة على منح متضرري «طابة» تعويضات السكن    المجمع الفقهي الإسلامي يصدر قرارات وبيانات في عددٍ من القضايا والمستجدات في ختام دورته ال 23 clock-icon الثلاثاء 1445/10/14    أمير تبوك: عهد الملك سلمان زاهر بالنهضة الشاملة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فتحي أبو النصر: البندقية نصنا الوطني المفتوح
نشر في الحياة يوم 23 - 12 - 2014

يصرّ الشاعر اليمني فتحي أبوالنصر على أن يمضي برؤيته إلى ما هو أبعد من العنف الجاثم على وطنه. فعلى رغم لعلعة الرصاص وانسكاب الدم، يبقى ثمة صوت للجمال والإنسانية يشد روحه ويشنف سمعه. هو الذي يرى في الكتابة «وصفة جمالية» تقيه المهاوي. فعندما تغدو البنادق هي الناطقة لا مناص والحال هكذا أن يتشبث الشاعر بالأحلام بحثاً عن شجاعة توقفه على كتف الأمل. معلناً انتفاء الحاجة إلى الشعر طالما والشعراء يكررون أنفسهم. وهو تحدث بأسى عن انكسارات ثورات الربيع العربي وحاجة العرب الملحة للتنوير، منتقداً «اعوجاج النخبة» وتكريس مؤسسة النظام للذائقة البلهاء.
في مجموعته الأخيرة «أعناق طويلة لظني ورحيق دخان» يبدو الشاعر اليمني فتحي أبوالنصر، كما يقول ل «الحياة»، ممسكاً بجذوة جذلى بتحررها من حواس المحدود. فعلى رغم طيوف ضجر وسخط وتوتر ترشح بها قصائده، يبدو أبوالنصر على أرض الواقع هادئاً مبتسماً وربما مطمئناً، لكنه اشتكى من «سماجة اللحظة»، التي تنفلت على رأسه كشاهد أو كمتطفل أو كمتوقع. «لكأنني أستعين بها على الصواب المعطل بفضيلة الأخطاء. محاولاً أن يرى ملامحه الداخلية تلملم له دهشته وانبهاره من الآخرين والعالم. وفي بلد، تتقاذفه رياح العنف والكراهية وتتناهش صوته القبيلة والتطرف الديني والمذهبي، يبدو الشعر بالنسبة إلى أبوالنصر «طفلاً ولد احتداماً. إليه تشتد ثنائية الوجود والعدم». أو هو «اليأس من اليأس. صاحبنا الوفي الشرس ذو الندبة الحمراء».
ولئن ظل الشعر «متجدداً، متعدد الأبعاد. لا أنقاض له يبدأ كحاجة وجودية لا نعرف لها تفسيراً «بيد أن العالم «لن يكون بحاجة إلى مزيد من الشعر في حال ظل الشعراء يكررون ذواتهم على نحو سيئ». يقول أبوالنصر الذي على رغم إدراكه لحجم «الخدع التدنيسية» التي يتعرض لها الشعر إلا أنه لا يجد ما يفسره، هو فتحي أبوالنصر، غير الشعر. «ليس لي من حيلة أمام الحياة والموت وهما يتآمران ضدي سوى أن أنجو منهما ولو بالوهم. فعلى رغم شدة ضيقي بالشعر كما يحصل أحياناً، أقصد مع كل هذا الموت الغفير والحياة المروعة، إلا أنني لا أجد نفسي رحيباً وممكناً سوى في حضرة الشعر. فيه أكون في عز الصراع معي، كما يحرضني بانحيازي الثابت لي. فلا وظيفة منمطة للشعر. فوظيفته في ما لا يتوقعه الشعر نفسه. ليست نسياناً ولا ذاكرة، ليست رحيلاً ولا مجيئاً، ليست عطشاً أو ارتواء».
وخلافاً للروائي الأميركي فيليب روث الذي اكتشف بعد سنوات طويلة أن الكتابة والعذاب صنوان فقرر التوقف عن الكتابة، يصارع أبوالنصر الكتابة وعذاباتها من داخلها أي بالكتابة نفسها، ويقول إنه «بالقصيدة يتخفف من أعباء الخوف واللاجدوى. فعلى رغم كثرة الخذلانات، إلا أننا نجرؤ على تجاوز مآزقنا حلمياً. الأحلام شجاعتنا الوجودية الكافية التي تخترقنا باتجاه المستقبل». وإزاء «واقع عربي منحط لم يعد فيه لشرف الحلم حظوة. لا حيلة لنا سوى إظهار احترامنا لأحلامنا مؤكدين هويتنا كإنسانيين». فالعناد «الحلمي» بالنسبة إلى أبي النصر، قضية إدراك وعقل وطنيين. فيما «الإرادة ذريعتنا لنستمر متخففين من سلطان الاغتراب الفظيع، نفعل ذلك عبر الوعي وليس عن طريق الديماغوجية».
ولئن انتمت الكتابة إلى أسلحة عدة اخترعها الإنسان لحظة خروجه من وحشية الغاب إلى وحشية المجتمع، لتغدو مثل بقية أسلحته كالنار والرمح، أداة صراعية، فإنها، عند أبوالنصر، فعل ثوري. «بالمعنى الجمالي لا بالمعنى المدرسي. فمن دون المعرفة والشعر يصبح وعي الإنسان مريضاً ومشوهاً». وهو إذ يرى أن السلاح في اليمن صار بمثابة «النص المفتوح». بيد أن لا سبيل له غير توسل الفن والأدب، ليتعالى على السياسة «فواجب الأدب والفن اختراق الأعماق وتطويرها لننجو». ولا تتحقق صيرورة، أبوالنصر، إلا عبر الكتابة بما هي «وصفة مهمة لتوازنات الذات في تأرجحاتها القسرية بين الإدراك والمعنى». وتبقى قصيدة النثر «الرؤيا الأعمق لتطوير الإحساس بالجمال الشعري».
أول تماس للشاب اليافع فتحي سعيد العريقي، بالسياسة والكتابة كان حلمياً وتمردياً بامتياز. فالآيديولوجيا الاشتراكية التي انضوي تحت رايتها باكراً، تقدم بيئة ذهنية وسلوكية تقارب معتنقها بالقراءة، والكتابة، فكثير من الكتاب جاؤوا من اليسار الموسوم بنزعة التمرد وبنظرة صراعية إلى العالم تقسم المجتمع إلى: ملاك ومنتجين أو مستغل ومستغل (بكسر الغين الأولى وفتح الثانية). ويروي فتحي ملابسات ابتكار كنيته (أبوالنصر). مشيراً إلى أنها تعود إلى مرحلة الدراسة الثانوية ومشاركاته في المجلة الحائطية. ويقول كنا متأثرين بالرومانسية السياسية السرية من خلال حكايات الجيل السابق لنا، وهي حكايات تتسم بالإثارة والتأثير. ويوضح أن أحد معارفه ممن ينتمون إلى جيل النشطاء السريين شجعه على الكتابة وأخذ يبعث بنصوصه إلى الصحف باسم فتحي أبوالنصر ليستمر بهذا الاسم حتى اللحظة. وقلة هم الذين يعرفون الاسم الحقيقي لفتحي أبوالنصر. هكذا كانت أولى نتائج تماسه بالسياسة والكتابة، قتل الأب رمزياً واسمياً. بيد أن لا نصر حققه «أبوالنصر». في مجموعته الأولى «نسيانات أقل قسوة» يهجو اسمه قائلاً «أنت فتحي سعيد أبوالنصر، الحزين والمهزوم دائماً».
سقط في وجه المستقبل
عبر أعماله الشعرية «نسيانات أقل قسوة»، «موسيقى تطعنني من الخلف» و«أعناق طويلة لظني ورحيق دخان» يثور أبوالنصر ويثأر من الآن ومن الماضي شاهراً سخطه في وجه المستقبل. فكل اللحظات وغدة وملعونة. و«النظام العربي الرسمي يعيد إنتاج التخلف والتذوق الرديء أدباً وسياسة» و«الحتمية امرأة مختونة». فلا مناص والحال هذه أن يبحث عن حرية حرى عارية من شروط الزمان والمكان. واجداً في قصيدة النثر المنظومة الأكثر ثورية التي «تجعلنا نجس المستقبل». وعلى رغم أن «فردوسها العربي يبدو كما لو أنه في ضياع بحيث أنها تأتي مصابة بدوار النفسية العربية المتأصلة في جحيم الماضي ونشوته الخادعة. لكنها، أي قصيدة النثر، تهيج الوعي كما تمارس الحنان على كآبتنا، من دون أن ننضج فيها بسهولة كمجتمع».
وصحيح أن «الواقع العربي لا يحفل كثيراً بمغامرات جمالية تنال من المسلمات المخجلة وتثير حفيظة الصرامة والركود. إلا أن قصيدة النثر استطاعت وفق أبوالنصر، أن تخلخل تجذرات عدة في بنى الوعي لتنتج إبهاراً». وهو يرى أن «الحس العربي تجاوز عبر قصيدة النثر جملة أنساق فكرية بعيداً عن الرطانات والزخرفات. فالتعبيرات الجديدة لقصيدة النثر هي اليوم الأكثر حساسية في تاريخ الشعر العربي. فالديموقراطية والحريات والحقوق هي قيم قصيدة النثر. في وقت تعمل الأنظمة السياسية والنقدوية المعادية للأدب المتجاوز، على تسطيح الثقافة والسياسة معاً». وإذ يقرن المواطنة الثقافية بالمواطنة السياسية والاجتماعية، فإن ما يحز في نفس أبوالنصر هو أن نص الفتوى والوعظ مازال السائد عربياً توازياً مع قداسة سلطة التراث والعنصريات، لافتاً إلى عجز «الذهنيات المدرسية عن استيعاب قصيدة النثر في مناهج التعليم، في وقت يطغى منطق الجماهير الرنان على منطق نهضتها وجداناً وخيالاً».
شارك فتحي أبوالنصر في ثورة 11 فبراير الشبابية التي وإن تمكنت من إجبار الرئيس السابق علي عبدالله صالح وأسرته على التخلي عن الحكم لكنها أخفقت في إحداث تغيير جذري. فيما يتهم المثقف بالعجز عن قراءة الحدث ومآلاته. ووفق أبوالنصر مثلت ثورات الربيع العربي «هزة عنيفة» بعد أكثر من خمسة عقود على الثورات الأولى. «غير أن التفاؤل الطبيعي تقابله امتيازات التشاؤم بما تحمله هذه الامتيازات من إدانة مثلى للواقع»، مؤكداً أهمية أن يمارس العرب السياسة بشجاعة وشفافية، وأن يقف المثقف العربي موقفاً أكثر قلقاً إزاء المستجدات بما شأنه «دحض أوهام الرؤية الثورية الساذجة». ويوضح أن لا مدنية من دون يقظة حقيقية من التخلف. فالتقدم «لن يمس مجتمعاتنا في غياب البناء الموضوعي للذات»، مؤكداً حاجة العرب إلى التنوير. وإصلاح «اعوجاج النخبة». وحمل أبوالنصر على النقد في بلاده، مؤكداً تخلف المشاغل النقدية «إلا فيما ندر» ويقول إن النقد مازال «مصاباً بفوبيا قصيدة النثر. يقف ضد فتوحاتها. يتقاعس في ولوج أدغال جماليتها. ويمتلك أقفاصاً لإذعان حريتها»، واصفاً الناقد بمخلص للمكرورات المستعيد بخبث لجماليات بائدة، مستثنياً جهوداً «فريدة ومائزة» لعدد قليل من النقاد مثال محمد العباس وحاتم الصكر، معلناً أن سلطة النقد لا تهمه ومثلها سلطة النظام وسلطة الذائقة المكرسة. «ما يهمني هو فعلي في الكتابة».
«انزياحات» .. مناصرة إنسانيتنا وحقنا في الحلم
في وقت سابق خاض أبوالنصر تجربة لافتة تمثلت بإصداره مجلة «انزياحات». وهي منشور ثقافي شهري غير مرخص أريد له أن يكون «ضد الإجراءات البيروقراطية المتبعة لاستخراج ترخيص». صدرت أربعة أعداد من «انزياحات» بجهد فردي وموازنة صفر ثم توقفت. ويقول: «بدأنا من اللاشيء، والتقدير الوحيد الذي لاقته «انزياحات» جاء من صنف الحالمين الأصدقاء هنا وهناك، كما وصلتنا تشجيعات نعتز بها جداً من قراء لا نعرفهم. إذ لاقت تجاوباً كبيراً في الداخل وتفاعلاً نعتز به عربياً. لكن ظروف اندلاع ثورة 2011 ومجمل تداعياتها سرعان ما أوقفنا. وحين قررنا استئناف الإصدار أوقفتنا قسراً ًالمعوقات المادية الرهيبة»، موضحاً أن «انزياحات» هدفت إلى «مناصرة إنسانيتنا وحقنا في الحلم وتحقيق الإرادة». وعن سبب نشر مجموعته الأخيرة في البحرين. قال إن أفضل ناشر في اليمن لا يشارك في معارض الكتاب في العواصم العربية. والأوضاع المادية لا تسر في ظل ارتفاع الكلفة وابتزاز الناشرين، موضحاً أن صدور مجموعته عن «دار مسعى» في البحرين كان نتيجة مبادرة قدمها مالك الدار «الصديق الشاعر والناشر الكويتي محمد النبهان. فوجدتها فرصة مثالية من دار نشر محترمة ولم أتردد، خصوصاً أنه (النبهان) أظهر تفاعلاً كبيراً ولم تكبدني الطباعة أي تكاليف».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.