أسعار النفط تتراجع 3%    نتنياهو يقاوم الخطة الأمريكية    كلوديا شينباوم أول زعيمة للمكسيك    وزير الشؤون الاجتماعية اليمني يضع حجر الأساس لمشروع مركز الأطفال ذوي الإعاقة    أمانة القصيم تبدأ جولتها الرقابية على عدد من المنشآت    رسمياً.. مبابي لاعباً لريال مدريد    الخريف يبحث تعزيز التعاون الاقتصادي بين المملكة والمغرب    تطهير المسجد النبوي وجنباته خمس مرات يومياً خلال موسم الحج    هوية جديدة للقادسية    أمانة الشرقية والحياد الصفري تبرمان مذكرة تفاهم    مانشيني يستبعد يحيى ويركز على التكتيك    أمير تبوك يستقبل معالي مدير عام الجوازات    ولي العهد: نتطلع إلى تعزيز التعاون بين المملكة والكويت    قضايا النظم البيئية الأرضية والأمن الغذائي تسيطر على نقاشات جلسات المنتدى العربي للبيئة    قائد مانشستريونايتد على رادار النصر مقابل 150 مليون يورو    تعليم الرياض تنهي الاستعداد لاختبارات الفصل الدراسي الثالث    فيصل بن مشعل يكرم الفائزين بجائزة الخضير للأداء المتميز بتعليم القصيم    دبابات الاحتلال الإسرائيلي تواصل توغلها في مدينة رفح    السعودية والأردن والإمارات وقطر ومصر يؤيدون جهود الوساطة حيال الأزمة في غزة    أكثر من 5 آلاف سيارة أجرة لنقل الحجاج    خادم الحرمين يتلقى رسالتين خطيتين من ملك الأردن ورئيس مصر    قدوم 935966 حاجا من خارج المملكة    أمير عسير يفتتح المقر الجديد لإدارة رعاية أسر الشهداء    «العقار»: تراخيص جديدة للبيع على الخارطة ب 6 مليارات ريال    جونيور أفضل لاعب في ال «UEFA»    مواطن يمكّن مقيماً من سجله بمعرض ستائر وديكورات    أمير تبوك يقف على الجهود المبذولة لخدمة ضيوف الرحمن بمنفذ حالة عمار    أمير الرياض يستقبل نائب وزير الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية للعمل    مستشفى أبها للولادة والأطفال يُنظّم فعالية "اليوم العالمي للتصلب اللويحي المتعدد"    "الهلال" و"معهد إعداد القادة" يوقعان اتفاقية "مسار واعد"    سعود بن بندر يستقبل الرئيس التنفيذي لجمعية بناء ورئيس وأعضاء نادي القادسية    مفتي عام المملكة ونائبه للشؤون التنفيذية يستقبلان رئيس جمعية إحسان لحفظ النعمة بمنطقة جازان    السيسي يكلف مدبولي تشكيل حكومة جديدة من ذوي الكفاءات    طلائع حجاج إيطاليا تصل مكة المكرمة    بدء اكتتاب الأفراد في 154.5 مليون سهم بأرامكو    فرصة لهطول أمطار على جازان وعسير والباحة ومكة    بناءً على ما رفعه سمو ولي العهد خادم الحرمين يوجه بإطلاق اسم الأمير بدر بن عبدالمحسن على أحد طرق الرياض    "أكنان3" إبداع بالفن التشكيلي السعودي    الصمعاني: دعم ولي العهد مسؤولية لتحقيق التطلعات العدلية    جامعة "المؤسس" تعرض أزياء لذوات الإعاقة السمعية    دموع «رونالدو» و«الهلال» يشغلان صحف العالم    السفير بن زقر: علاقاتنا مع اليابان استثنائية والسنوات القادمة أكثر أهمية    محمد صالح القرق.. عاشق الخيّام والمترجم الأدق لرباعياته    الطائرة ال51 السعودية تصل العريش لإغاثة الشعب الفلسطيني    نوبة «سعال» كسرت فخذه.. والسبب «الغازيات»    زلزال بقوة 5,9 درجات يضرب وسط اليابان    في بطولة غرب آسيا لألعاب القوى بالبصرة .. 14 ميدالية للمنتخب السعودي    هذا ما نحن عليه    هنأ رئيس مؤسسة الري.. أمير الشرقية يدشن كلية البترجي الطبية    توبة حَجاج العجمي !    ..و يرعى حفل تخريج متدربي ومتدربات الكليات التقنية    حجب النتائج بين ضرر المدارس وحماس الأهالي    تقرير يكشف.. ملابس وإكسسوارات «شي إن» سامة ومسرطنة    أمير نجران يشيد بالتطور الصحي    11 مليون مشاهدة و40 جهة شريكة لمبادرة أوزن حياتك    الهلال الاحمر بمنطقة الباحة يشارك في التجمع الصحي لمكافحة التدخين    توافد حجاج الأردن وفلسطين والعراق    جامعة بيشة تحتفل بتخريج الدفعة العاشرة من طلابها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«مراسلات فرويد/ يونغ»: صراع بين أنانيّتين

قبل سنتين من الآن فاجأ المخرج الكندي عالم السينما بفيلم بديع وعنيف عن بدايات التحليل النفسي سمّاه «منهج خطير». صحيح أن الفيلم ركّز في شكل أساس على علاقة يونغ بمريضته سابين التي بعدما كانت في حالة هستيرية عنيفة، تحولت لتصبح محللة نفسية أيضاً، ولكن بعدما مرت بفترة كانت فيها عشيقة له ثم مناصرة ضده لفرويد، غير أن الفيلم مرّ في طريقه على بدايات الصراع بين فرويد نفسه ويونغ، وهو صراع قد يحتاج في حد ذاته إلى أكثر من فيلم ومجلّد. فبين عام 1905 وعام 1912، كانت العلاقة بين سيغموند فرويد وكارل غوستاف يونغ، علاقة مثالية. فبين مؤسس التحليل النفسي وزعيم مدرسة فيينا، من دون منازع، كان تيار الود مر في شكل رائع، منذ أعلن الشاب يونغ في حديثه مع فرويد أن شبان التحليل النفسي وعلم النفس في مدينة زيوريخ يقدرونه كل التقدير، وأنهم «امتشقوا أسلحة الدفاع عنك بكل قوة في مواجهة الذين كانوا أعلنوا رعبهم عند قراءة كتابك الأخير» كما قال يونغ للمعلم الكبير. وطبعاً، كان يونغ واحداً من أولئك الشبان، بل إنه - وكما سيعرف فرويد بسرعة - كان محرضهم على الوقوف مناصرين لفرويد ضد أنصار «الدقة القديمة» من الذين أثار الكتاب المذكور غضبهم. والكتاب هو «ثلاث دراسات حول نظرية الجنس»، أما ما أثار الغضب فهو أن فرويد تحدث في هذه الدراسات وباستفاضة، عن ليبيدو الأطفال، ذلك الموضوع الذي كان محرّماً حتى ذلك الحين. المهم أن إبلاغ يونغ فرويد بذلك الموقف كان بداية صداقة طويلة وعميقة بين العالمين. كان من شأنها أن تمتد طويلاً، لولا أن العلاقات قطعت فجأة عام 1912، ليكون يونغ أثر ذلك واحداً من أبرز خصوم فرويد بل أعدائه، وليس على الصعيد العلمي فقط، بل - وهذا أدهى - على الصعيد الشخصي أيضاً، خصوصاً على الصعيد الشخصي لأن الحقيقة التاريخية تقول لنا إن الخصومة بدأت شخصية، وربما ظلت شخصية دائماً، إذ إن يونغ، من الناحية العلمية لم يقف في شكل جدي ضد نظريات فرويد، بل طوّرها وفي شكل كان يمكن فرويد نفسه أن يطورّها به، لو أنه تعمّق، حقاً، كما فعل السويسري يونغ في ربط الدين والأساطير ومسائل اللغة وما إلى ذلك، بالتحليل النفسي. والحال أننا إذا بحثنا عن نقطة مركزية نعيد إليها بداية القطيعة، سنجدها في عبارة جاءت في واحدة من آخر الرسائل التي تبادلها فرويد مع يونغ، ويقول هذا الأخير فيها إنه «اكتشف لعبة فرويد الحقيقية: إنها لعبة تقوم على رفع الأستاذ نفسه ومكانته على الدوام بحيث يظل يشغل موقع الأب الأعلى محولاً تلاميذه إلى أبناء طيّعين ما يخلق لديهم حالاً من العُصاب الحقيقي». «أما أنا، يضيف يونغ، فإنني لست مصاباً بأي عُصاب على الإطلاق». ولقد كان رد فرويد يومها «... لا يتعين على أي منا أن يخجل إن اكتشف أن لديه نصيبه من العُصاب».
هاتان العبارتان وضعتا، يومها، نهاية لصداقة طويلة. ولكن، أيضاً، لمراسلات بين الرجلين كانت تواصلت على مدى سبع سنوات، نجم عنها كتاب ضخم، حين نشر، نشر على جزءين لا يقل عدد صفحات كل منهما عن أربعمئة صفحة. ونعرف اليوم أن هذه الرسائل المتبادلة تشكل جزءاً أساسياً من تاريخ حركة التحليل النفسي، كما من السيرة الشخصية لكل واحد من الرجلين. وإذا كان مؤلفون ومؤرخون كثر وضعوا كتباً عدة تؤرخ للصداقة ثم للقطيعة بين سيغموند فرويد وكارل غوستاف يونغ، فإن كتاب المراسلات هذا، يشكل في الحقيقة أفضل نص يروي الحكاية كلها، بما فيها حكاية القطيعة... شرط أن يعرف القارئ كيف يقرأ بين السطور منذ البداية، ثم كيف يتنبه إلى الكيفية التي تطوّر بها أسلوب التراسل بين الرجلين. فعلى سبيل المثل نلاحظ أن يونغ يبدأ رسائله الأولى بعبارة: «سيدي الأستاذ المبجّل جداً»... لكنه لا يلبث أن يتحول بسرعة إلى «سيدي الأستاذ العزيز» بادئاً برفع الكلفة مع أستاذه الذي كان بدأ يطلق عليه في الرسائل ألقاباً واعدة مثل «يا رجل المستقبل» أو «أيها الأمير الوارث» و «يا ولي العهد». والحقيقة أن فرويد كان يرى في يونغ في ذلك الحين، عالماً صاعداً وقادراً على أن يأخذ بيد التحليل النفسي إلى آفاق شديدة الجدة، وهو ما فعله يونغ حقاً.
غير أن الذي حدث بعد تلك البدايات الشديدة الود، هو - وكما نلاحظ في الرسائل - أن ملاحظات الأستاذ على بحوث يونغ، بل حتى على رسائله، وربما أيضاً على حياته الشخصية، راحت تأخذ أكثر وأكثر طابع الوصاية، وشيئاً من الحذر. إذ هنا، بمقدار ما راح يونغ يتباسط مع الأستاذ ويتحدث إليه - بفخر زائد عن حده، وفي أحيان كثيرة بنوع من التفاخر الذي بدا وكأنه يطاول فكر الأستاذ نفسه، في شكل يوحي بأنه ما كان في استطاعته حتى لو أراد أن يصل إلى عمق ما توصّل إليه التلميذ - كان فرويد يضمّن رسائله تحذيرات وضروب رفض وتساؤلاً سلبياً، كان من شأن يونغ أن يعتبرها ضرباً من وضع العصي في دواليب تقدمه. وفي اختصار، يمكن القول فيما كانت رسائل السنوات الأولى، بقلم يونغ، خالصة في ولائها للأستاذ، وفي المقابل، بقلم فرويد، معلنة صداقة وارتياحاً إزاء التلميذ، راحت رسائل السنوات الأخيرة تبدو نديّة في أحسن أحوالها. وكان من الطبيعي ل «أنا» فرويد التي كانت في ذلك الحين أخذت بالتضخم أكثر وأكثر، ألا ترتاح لمثل هذه الندّيّة. هكذا، كان لا بد مما ليس منه بد. كان لا بد من القطيعة التي صارت ناجزة في عام 1913.
كان هذا شأن الرجلين، ولكن ما الذي كان من شأن الرسائل؟ بكل بساطة اختفت في ذلك الحين تماماً. فيونغ من ناحيته وضع مجموع رسائل فرويد في مخبأ في جدار مكتبه من دون أن يخبر أحداً بذلك. أما فرويد، فإنه وضع رسائل يونغ في دولاب و... نسيها تماماً. ولاحقاً حين سيجبر فرويد على مبارحة فيينا الغارقة في النازية أكثر وأكثر، ستكون تلميذته ماري بونابرت من ينقذ الرسائل و... تحتفظ بها آملة في نشرها ذات يوم. غير أنها كانت تعرف أنها لا يمكنها نشر تلك الرسائل من دون أمرين: أولاً رسائل فرويد إلى يونغ، وثانياً تصريح قانوني من يونغ بنشر الرسائل، غير أن هذا، حتى وإن كان أخبر ولديه إرنست وفرانز، بأمر الرسائل، فإنه كان يصر على عدم السماح بنشرها قبل حلول عام 2010، لكن وصيته هذه لم تنفذ تماماً، إذ إنه مات في عام 1961، وقرر ولداه، في محادثات ومداولات مطولة مع الأطراف الأخرى المعنية، السماح بنشر الرسائل، ولكن ليس قبل مرور عقد على موت كارل غوستاف. وهكذا كان، لتنشر مجموعتا الرسائل خلال النصف الأول من سبعينات القرن العشرين بالألمانية أولاً، ثم مترجمة إلى لغات عدة لاحقاً. ولقد كان نشر المجلدين مناسبة لإعادة الحديث عن جزء أساس من تاريخ التحليل النفسي، ولكن أيضاً للحديث عن جزء من مصير كل من فرويد ويونغ. إذ إن نصوص الرسائل لم تكن لتتوقع أن يسير العالمان، لاحقاً كل في طريق، من الناحية السياسية، ومن ناحية ربط السياسة بالتحليل النفسي: ففي الوقت الذي سلك فرويد طريق المنفى هرباً من النازيين الذين أحرقوا كتبه وأوراقه، ولم يتوقف هو عن مهاجمتهم، وصلت الأمور بكارل غوستاف يونغ إلى حد أنه جعل من نفسه، على الأقل، مهادناً للنازية، إن لم نقل، رفيق درب لها. بل يقول الباحث الفرنسي روجيه دارون الذي اشتغل طويلاً على حياة الرجلين وأعمالهما مستنداً إلى هذه المراسلات نفسها، أن يونغ آمن بنوع من الصوفية المستندة إلى بعد هتلري لا لبس فيه، هو الذي كان يردد في رسائله إلى فرويد أنه يكره «الشعب المبتذل كراهية عميقة» تضاف، علمياً إلى ضروب كراهية أخرى عبّر عنها في رسائل كثيرة، لا سيما من رسائل السنوات الأخيرة، تطاول المثليين جنسياً، والنساء والغرائبيات الشعبية، مقابل احترام مفرط للتراتبية الأكاديمية. وهي تعابير كان فرويد يكتفي رداً عليها، في رسائله الجوابية، إما بالصمت تماماً حيالها، وإما بالتعبير عن مواقف عقلانية لربما كانت هي ما أغاظ يونغ كثيراً.
في الحقيقة كانت القطيعة بين فرويد ويونغ، قبل اكتشاف تلك المراسلات ونشرها، تتخذ لدى الباحثين سمات شديدة العلمية، ما يدفعهم إلى التفريق المقارن بين كتابات هذا وذاك من أساطين التحليل النفسي، ولكن منذ ظهور الرسائل في الساحة العامة، راح نوع من النظر الشخصي يطغى على التحليل، في معنى أن القطيعة سرعان ما راحت تعتبر فعلاً شخصياً جرى بين أنانيتين أو في شكل أكثر تحديداً: بين أنانية أبدية لم ترض بتقلبات الابن و «عقوقه» الناتج من تلك التقلبات، وأنانية ابن لم يعد يرضيه أن يظل أبوه يعامله معاملة الطفل حتى بعد البلوغ.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.