على رغم مُتعَة تصفّح الورق وملامسته، لكن تصفح موقع «غودريدز» goodreads.com يجعل من القارئ النهم لكتب الورق، أشبه بمُحارب شرس فتحت أمامه كنوز يغنم منها ما يطيب له. ربما يضيع هذا الشرس بين أمهات الكتب والبحوث والمراجع وأعمال عمالقة الكتاب والأدباء والفلاسفة، من مشارق الأرض الى مغاربها، ومنذ بداية عهد الناس بالكتاب الورقي إلى زمن استحالت فيه الشاشة كتاباً الكترونياً يضم بين جنباته الكنوز النفيسة من المكتبات كافة. ومن اعتاد تخصيص موازنة كبيرة لشراء كتب وإصدارات جديدة، يجد نفسه في «غودريدز» أمام مصدر لا ينضب لمكتبة يشاركه فيها حوالى 25 مليون قارئ يتبادلون الكتب بين بعضهم بعضاً، من دون أن يتسبب أحدهم للآخر بالألم والأسى لاستعارته كتابه المفضل أو عدم إعادته له. وبذا، لا يعود للمثل الصيني القائل «غبي من يعير الكتاب، وأغبى منه من يعيد كتاباً مستعاراً» أي مفعول، لأن النسخ الإلكترونية حلّت مشكلة الاستعارة، فباتت الكتب في متناول الجميع. الجمهور أساس القراءة عندما أطلق أوتيس تشاندلر هذا الموقع في العام 2007، كان هدفه جمع هواة القراءة عالميّاً ليكوّنوا مكتبَة افتراضية مُصنّفة إلكترونيّاً ومُرَتّبَة بطريقة تسمح لمرتاديها بإيجاد ما يبحثون عنه. وسرعان ما تطوّر مشروع «غودريدز». إذ بات جمهور الموقع جزءاً أساسياً من بنيته. وأصبح بإمكان كل مشترك في الموقع سبر أغوار «غودريدز» للوصول إلى كاتبه المفضل، ثم التواصل معه واستعراض كتبه وبناء شبكات لمناقشة الكتب والأفكار الواردة فيها. وفي هذا السياق، ثمة من يلاحظ أن مجموعات من المشتركين في موقع «غودريدز»، تعتبر هذا الموقع بمثابة صالون أدبي إلكتروني مفتوح، يجمع الأصحاب والمهتمين ليقدموا آراءهم بصدد الكتب المختلفة وإصداراتها المتنوّعّة. وبمعنى آخر، من المستطاع وصف الموقع بأنه شبكة رقميّة للتواصل الاجتماعي أيضاً، تجمع الكتب والكُتّاب والجمهور معاً، إذ استطاع الموقع جمع أكثر من 750 مليون كتاب من مختلف اللغات، بما فيها العربيّة. وكذلك انضم إلى الموقع آلاف المشتركين النشطين من العالم العربي لكن نسبتهم قليلة نسبيّاً. ربما كان سبب هذه الضآلة أن «غودريدز» لا ينطق بلغتهم، لكن هؤلاء القراء يثيرون نقاشات غنية في ما بينهم بلغة الضاد، وبعضهم يسجل مواقفه بلهجات محليّة أيضاً. ومن الميزات التي يتمتع بها موقع «غودريدز»، أن نسبة كبيرة من الكُتُب التي تضمها مكتبته الافتراضية هي مجانيّة، ما يشير إلى مراعاته قوانين حماية الملكية الفكرية خصوصاً أنه يتيح للمشتركين إمكان شراء الكتب من المكتبات الرقميّة ودور النشر الإلكترونية. واحتفل «غودريدز» في نهاية العام 2013، بانضمام 100 ألف كاتب إليه ينتمون إلى ثقافات مختلفة، إذ يتيح الموقع لكل كاتب إنشاء صفحته الخاصة كي يضع نتاجاته الأدبيّة والثقافيّة عليها، ويتواصل أيضاً مع مريديه، ويروّج لإصداراته. ومن أبرز الكُتّاب الذين انضموا أخيراً إلى شبكة «غودريدز»، خالد حسيني ونيل غيمن وآمي تان وهيلين فيلدينغ وجيمس باترسون وكاساندرا كلير وريك ريوردان وستيفن كينغ ومارغريت أتوود ونيكولاس سباركس وآل جي سميث وغيرهم. شبكة اجتماعية ذكيّة انطلاقاً من شعار «الكتاب المناسب في الأيدي المناسبة في الوقت المناسب، يمكن أن يغيّر العالم»، تتيح شبكة «غودريدز» الاجتماعية للقارئ إنشاء صفحة هي مكتبة خاصة به، يستطيع أن يرفدها بكتب إلكترونيّة مع وضع تصانيف محدّدة عليها هي: قرأته، أقرأه حالياً، سأقرأه. وفي صفحة المشترك، تظهر تحديثات عن أمور يتابعها أولاً بأول، إضافة إلى قسم مخصص للبحث عن الكتب، مع وجود تصنيفات في البحث كالأكثر مبيعاً أو الكتب الصادرة في عام محدد. ولأن شبكة «غودريدز» مبنية في الأساس على مفهوم التفاعليّة، يستطيع القارئ الانضمام إلى مجموعات معينة تجمعها اهتمامات مشتركة. وكذلك يتمكن المشترك من التعرّف الى الكتب التي يطالعها أصدقاؤه حالياً، ويكون بإمكانه تقديم اقتراحات للآخرين عن قراءة كتب معينة أعجبته، والحصول على نصائح المشتركين حول الكتب التي تستحق القراءة برأيهم. ويقدّم الموقع نفسه أيضاً سلسلة من التوصيات مبنيّة الكتب التي أعلن أنه قرأها والآراء التي يعطيها للكتب المختلفة. كما يساعد الموقع القارئ على تقويم نفسه عبر أسئلة ترافق بعض الكتب كي تحدد مدى استيعابه لما ورد فيها. ويحفز الموقع المشتركين فيه على القراءة، باعتبار أن هذا الأمر هو هدفه الأساسي. إذ يضع لهم تحدّياً عبر تحديد عدد الكتب التي ينوون قراءتها خلال العام، والتقدّم الذي يحرزونه في هذا المجال فعليّاً. ويتيح الموقع ربط حسابات المشتركين فيه، مع صفحاتهم في شبكات اجتماعية اخرى ك «فايسبوك» و»تويتر» و»غوغل»، وموقع مكتبة «أمازون.كوم»، والمُدوّنات الشخصيّة أيضاً. كما أطلق الموقع نُسَخاً مخصّصة للتعامل للأجهزة الذكيّة كتلك التي تعمل على أنظمة «أندرويد» و»أي إس أو» وغيرها، ما يتيح للمشترك متابعة حساباته المتّصِلَة بتلك النُظُم أيضاً. في المحصلة، هناك تجربة غنيّة تتأتى من الاشتراك في المكتبة العملاقة ل «غودريدز» والتجوّل في أروقتها، واختيار الكتب من أرففها. ومن شأن هذه التجربة أن تحمل القارئ إلى عوالم غنيّة ينهل منها الكثير، ولا يفقد شهيته.