خطفت الصورة طوني الحاج باكراً. كان من المتوقع أن يمضي الابن الأصغر للفيلسوف اللبناني كمال يوسف الحاج في طريق والده أو ما يوازيه. لكنّ الفتى الذي هاله أن تخطف الحرب اللبنانية والده واحداً من أوائل الشهداء الأنقياء، اختار في قرارة نفسه أن يكون شاهداً على هذا العالم عبر الكاميرا التي وجد فيها وسيلة للمواجهة والتعبير والبحث عن الأسرار التي لا يراها سوى الفنانين المبدعين. منذ الأعوام الأولى للحرب سافر طوني الشاب إلى فرنسا ليتابع ترسيخ هوايته الفوتوغرافية أكاديمياً واحترافياً. وقد وجد في الصحافة الفرنسية والعربية، منبراً لتحقيق جزء من حلمه كفنان يخلق من اللقطة التصويرية عملاً إبداعياً. ولم تأسر الصحافة هذا الفنان بل منحته أفقاً لتطوير شغفه وتحديث لعبته الفنية وربطها بإيقاع الحياة، المشرعة على شتى المعالم. يشارك زميلنا في «دار الحياة» في المعرض الضخم (فوتو ميد) الذي تشهده بيروت اليوم، وقد احتل جناحاً جميلاً في وسط بيروت القديمة، وشاء أن يستعيد عبر الصور التي يعرضها بعضاً من ماضيه، مؤثراً أن يلقي ضوءاً على هذه المرحلة، مرحلة البدايات «العاطفية» التي كان يحمل خلالها الكاميرا وكأنها رفيقه الوحيد في الإقامة والترحال. هو هنا المصور الصحافي والفنان في آن واحد، يوظف عينه الذكية التي تركز على التفاصيل التي تهمل غالباً ولا يتمّ الانتباه إليها. عطفاً على توظيف مخيلته كفنان، وهي التي تحفزه على أن يرى في المنظر أو المشهد ما لا يراه البصر أو العين الخارجية. في هذه الصور يعمل الحاج ببساطة تامة ومقصودة، من غير أن يلجأ كثيراً إلى التحوير واللعب بالعدسة والتقنيات كما في أعماله اللاحقة. هو هنا المصور الصحافي، صياد اللحظة العابرة، يسجلها فوتوغرافياً ليجعلها داخل الزمن وخارجه في الحين نفسه. ولعله هنا يؤدي الرسالة التي وسمت بها مهمة التصوير الفوتوغرافي وهي «تجميد» الزمن وجعله أشبه بدفتر ذكريات. فالصور تنقلب بسرعة إلى لحظات من الماضي الذي يتخطى تهديد الزمن بعدما أصبح في صميمه. هذا فعلاً ما تمكن طوني الحاج من تحقيقه عبر هذه الصور المعروضة والتي تعود إلى فترة البدايات الاحترافية. إنها صور الزمن الجميل، الزمن الذي نسميه الآن الزمن الجميل وهو كان هكذا أصلاً، لكنّ جماله الآن يزداد ألقاً ونضارة لأنه بات من الماضي، الماضي الذي كان والذي لن يعود. هكذا نبصر محمد عبد الوهاب في إطلالة بهية منحها الحاج تعابير التقطها من وجه عبد الوهاب نفسه وبالقرب منه باقة أزهار كأنها جزء من لوحة طبيعية حية لا ميتة لا سيما أن عبد الوهاب يميل نحوها ويشمها. وتحضر أيضاً الممثلة الكبيرة كاترين دونوف وإيف سان لوران وسط حركة تعبر عن إيقاع حياتها الصاخبة بالفن والإبداع. وكذلك عازف الجاز الكبير ديزي غيللسبي... إنها الصورة يمنحها طوني الحاج بعداً وجدانياً وعاطفياً وبعداً جمالياً عفوياً وطبيعياً. ولعل مشاركته في هذا المعرض الضخم هي فرصة مهمة ليشاهده الجمهور اللبناني ويتعرف إليه كفنان مبدع بعدما تعرف إليه كمصور له حضوره اللامع في عالم الصحافة والإعلام.