الإعلام والنمطية    النحاس يقترب من 10 آلاف دولار للطن    «السيادي السعودي».. ينشئ أكبر شركة أبراج اتصالات في المنطقة    «أرامكو» تبحث الاستحواذ على 10 % في «هنجلي» الصينية    «مسام»: نزع 857 لغماً في اليمن خلال أسبوع    منح السعوديين تأشيرة «شنغن» ل 5 سنوات    بذكريات الغرافة.. الهلال «ناوي» على العين    الحزن قتلها.. لحقت بشقيقها بعد وفاته بساعتين !    950 سلة غذائية لسنار بالسودان    خالد بن سلمان يبحث مع شابس التطورات في المنطقة    دور السعودية في مساندة الدول العربية ونصرة الدين الإسلامي    3 آلاف مفقود تحت الأنقاض في قطاع غزة    تطوير العلاقات البرلمانية مع اليونان    تقدير أممي لجهود مركز الملك سلمان في اليمن    تجربة ثرية    العين يتغلب على هجر بثلاثية في دوري يلو    تعزيز التعاون الخليجي الأوروبي    الرباط الصليبي ينهي موسم "زكريا موسى" مع أبها    في إياب نصف نهائي دوري أبطال آسيا.. الهلال في مهمة صعبة لكسر تفوق العين    أخضر المصارعة يختتم البطولات القارية المؤهلة لباريس 2024    تطوير «المتجددة» والنووية وكفاءة الاستخدام.. المملكة تستعرض برامجها العالمية في استدامة الطاقة    إنقاذ الشعاب المرجانية    الشورى يوافق على مشروعي السجل والأسماء التجارية    الأزهار البنفسجية تكّون لوحة جمالية.. «شارع الفن».. مناظر خلابة ووجهة مفضلة للزوار    برعاية الملك.. أمير الرياض يتوج الفائزين بجائزة «فيصل العالمية»    غربال الإعلام يصطفي الإعلاميين الحقيقيين    الأمانة العلمية    «أضغاث أحلام» في جامعة الطائف    علماء الأمة    بمجموع جوائز تصل إلى مليون ريال.. الأوقاف تطلق هاكاثون "تحدي وقف"    النسيان النفسي    اختلاف زمرة الدم بين الزوجين    عيسي سند    محافظ طبرجل يطلع على الخدمات البلدية    أكثر من ثمانية آلاف ساعة تطوعية في هلال مكة    جمعية عطاء تدشن برنامجي قناديل وعناية    سلسلة من الزلازل تهز تايوان    حاجز الردع النفسي    العين بين أهله.. فماذا دهاكم؟    ماذا يحدث في أندية المدينة؟    قصور الرياض واستثمارها اقتصادياً    أمير حائل يفتتح أكبر قصور العالم التاريخية والأثرية    أمير حائل لمدير قطاع الحرف: أين تراث ومنتوجات حائل؟    شعوب الخليج.. مشتركات وتعايش    أمير الحدود الشمالية يطلع على برامج التجمع الصحي    محافظ الدوادمي يدشن مسار جبل ثهلان للهايكنق    مساجد المملكة تذكر بنعمة الأمن واجتماع الكلمة    نائب أمير جازان يدشن حملة «الدين يسر»    تدريب 25 من قادة وزارة الإعلام على تقنيات الذكاء الاصطناعي    أمانة المدينة تطلق الحركة المرورية في طريق سلطانة مع تقاطعي الأمير عبدالمجيد وخالد بن الوليد    الرياض تستضيف معرضاً دولياً لمستلزمات الإعاقة والتأهيل.. مايو المقبل    «البيئة» تُطلق مسابقة أجمل الصور والفيديوهات لبيئة المملكة    الزائر السري    وزير الخارجية يشارك في افتتاح أعمال منتدى الأمن الإقليمي الخليجي الأوروبي    أمير الرياض يرعى حفل تخريج دفعة من طلبة الدراسات العليا في جامعة الفيصل    أمير عسير ينهي خلاف ال 13 عامًا بين أسرتين في محافظة محايل    وزير «الإسلامية» للوكلاء والمديرين: كثفوا جولات الرقابة وتابعوا الاحتياجات    انطلاق منتدى «حِمى» بمشاركة محلية ودولية.. ريادة سعودية في حماية البيئة لمستقبل العالم والأجيال    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«أيّها القناع الصغير أعرفك جيّداً» لأوغستو مونتيروسو ... فكاهة يمازجها حياء
نشر في الحياة يوم 21 - 01 - 2014

«أنصحكم أن تستسلموا وترفعوا أيديكم عند قراءة هذا الكتاب. فخطورته تكمن في الحكمة المتلصّصة خلف كلماته، وروعته القاتلة في الجدّ المتلبّس لبوس الفكاهة والهزل». ربّما تكون نصيحة الكولومبيّ غابرييل غارسيا ماركيز للقرّاء خير محرّض ومحفّز لولوج حكايات الغواتيماليّ أوغستو مونتيروسو (1921 – 2003) في «أيّها القناع الصغير أعرفك جيّداً» (ترجمة يحيى علوان، كنعان، دمشق). وربّما تكون حياة مونتيروسو نفسها أغنى بكثير من الحكايات التي يسردها، وهو الذي أصبح المنفى بالنسبة له قدراً، شأنه في ذلك شأن ابن بلده ميغيل أنخل أستورياس حائز جائزة نوبل 1967، والشاعر راول غونزاليس وهؤلاء ممّن ضاق بهم بلدهم الذي اشتهر بصفته بلد العسف والظلم الدائم.
ترك مونتيروسو المدرسة باكراً، بسبب الضجر والكسل مرّة، وبسبب الخوف مرّة أخرى، كما يقول، وانتقل للعمل كي يتدبّر أمور معيشته بنفسه، اشتغل طيلة سنتين عند قصّاب وكان عمله مرهقاً له، أقام في المكسيك ونشر كتباً، كانت أشهرها روايته «النضج كلّ شيء، وما عداه الصمت» عام 1978.
في كتابه الذي يمتزج فيه الخاصّ بالعامّ، وينفتح على أكثر من جنس أدبي ويتقاطع معه، يقدّم الكاتب أحداثاً يومية مرّ بها وخبرات شخصية معيشة، يصوغها بأسلوب تمتزج فيه السخرية أحياناً بالفكاهة، وتكون العبرة متخللة الحكاية. في قصّته الأولى مثلاً «السيّد تايلر» يحكي مونتيروسو عن صيّاد رؤوس في غابات الأمازون، يمتهن حرفة السياسة ويتعامل بخبث مع الآخرين، ينكبّ على تخطيط المكائد والدسائس للجميع، يتحايل للإيقاع بالأبرياء والدفع إلى اصطياد البشر وإرسال الرؤوس إلى دوائر التحكّم والنفوذ. نوع من تجارة الرقيق الأبيض في العالم الحديث، يعالجه مونتيروسو بطريقة مختلفة مع الشخصيّة التي تنتقل من البراءة والعفوية إلى اللؤم والكيد، ثمّ تقع في شرّ أعمالها، وتكون الضحيّة الأخيرة، ثمّ تظلّ شخصيّة السيّد تايلر باعثة على الذعر والجنون والخيبة في الوقت نفسه. يفصّل من خلال تلك الشخصيّة تصرّفات المستعمرين وتفكيرهم المنصبّ على استنزاف البلاد التي يقيّدونها برغباتهم المجنونة، يفرّغونها من ثرواتها ويشعلون فيها نيران جشعهم التي تودي بهم أيضاً في النهاية.
يولي مونتيروسو العناية للحديث عن الحرب وتأثيراتها المتراكمة، والنظرة للفقر والغنى، ثمّ للفنّ والمال، وكيف أنّ مفاهيم مغلوطة تتنامى وتنتشر لتصبح تجلّيات ثقافية معمّمة بنوع من التبسيط، ففي امتهان إنسانيّة الإنسان حيّز للتمادي والإيذاء، من خلال سنّ قوانين تهين المواطنين بدلاً من حمايتهم، وتغدو مؤسّسات الدولة ساهرة من أجل الإيقاع بالناس في حين يفترض بها السهر لرعاية شؤونهم والتخطيط لتطويرهم.
يشير الكاتب في أكثر من قصّة له إلى تغوّل الفساد وتحوّله إلى وحش يفترس العالم برمّته، انطلاقاً من مراكز صنع القرار إلى أصغر دائرة، وكيف أنّ تقاطع المصالح والمكاسب يدفع بعض الناس إلى القيام بأفعال شائنة، ويبعث على التساؤل حول استحقاقات الناس الواجبة وضرورة السعي لإيقاف عجلة التدمير والافتراس المتلوّنة التي تتأقلم بحسب الأرض التي تخترقها والبشر الذين تلوّثهم. لا يخلو بوح مونتيروسو وسرده من بعض الاعتبار الوارد بصيغة الوعظ والإرشاد، وكأنّه يقترب من الإطار المدرسيّ الذي ثار عليه هو نفسه، لا سيّما في قصّته «العيد المئويّ» التي يتحدّث فيها عن قصّة السويدي أورست هانسون الذي كان أطول رجل في العالم في زمانه، واستغلّ طوله لجني المال، ودفع ضريبة ذلك الكثير، إذ أصيب بكسور كثيرة بينما كان ينحني لالتقاط بعض القطع النقدية، على رغم أنّه كان قد وصل إلى درجة كبيرة من الثراء، وتكون في نهايته المأساوية إشارة إلى تجنّب الجشع القاتل. كما يرد جانب من الوعظ في قصّته «الحياة مع الآخرين» ويكمن الأمر في تنويهه المباشر بوجوب كفّ المرء عن الولولة والندب، لأنّه يتوجّب عليه أن يحمل صليب الآخرين في حين أنّه في الوقت نفسه صليب لآخرين سيعاملونه بالمثل. «لذلك من كلّ حسب قدرته ولكلّ حسب حاجته».
كافكا أيضاً حاضر في حكايات مونتيروسو، ففي قصّته القصيرة جدّاً «حلم جُعَل» يستعيد شخصيّة غريغور سامزا، بطل كافكا، يقلب المعادلة بطريقة المماهاة بين الكاتب وبطله، يذكر أنّه «رأى في منامه ذات مرّة أنّه جُعَلٌ اسمه فرانز كافكا وكان يحلم بأنّه أصبح كاتباً يكتب عن موظّف اسمه غريغور سامزا الذي رأى في منامه أيضاً أنّه جُعَلٌ». وتراه في قصّته «اختيار» يصف كافكا وبورخيس على أنّهما أكبر فكاهيّين على الإطلاق، ويستحضر نوعاً من المقارنة بين أولئك المبدعين الكبار الذين كانوا يعبّرون عن آرائهم بالأفعال، والأدباء المعاصرين الذين يختارون الانزواء، وقد يفضّلون الضحك أو البكاء في عتمة السينما.
في المجموعة التي تحوي 37 نصّاً قصيراً، تتداخل الحدود بين القصص والقصص القصيرة جدّاً، والخواطر أو اليوميّات أو العبارات المطلقة من باب العبرة والحكمة والتنظير. ففي قصّته القصيرة جدّاً «أيّها القناع الصغير أعرفك جيّداً» التي اختيرت كعنوان للكتاب يقول: «الفكاهة والحياء يسيران سويّة بصورة عامة، ولن تكون أنت استثناء. فالفكاهة قناع والحياء قناع آخر. فلا تدع أحداً ينتزعهما منك دفعة واحدة». تحضر صرخة الكاتب للإيمان بالإنسان وثقته بنفسه بعيداً من أيّ زعزعة محتملة أو استخفاف من جانب أولئك الذين يرومون التقليل من شأنه. من هنا، تكون دعوته الثوريّة للمحافظة على الذات بعيداً من أقنعة التزييف والمخاتلة والمخادعة.
الأسطورة تشكّل عنصراً فنّيّاً يشتغل عليه مونتيروسو، يستلهم بعض الأساطير، يوظّفها في حكاياته وتأمّلاته، يثير من خلالها ارتباط الأزمنة وترابط الأمكنة في ما بينها، تتبدّى الأسطورة الموظّفة كأنّها محاكاة لوقائع بعينها وإسقاطات لوقائع أخرى، ذلك أنّ إبقاء الأمكنة التي يحكي عنها ويصف أناسها معمّمة، يمنح قصصه التعميم، ويجعل منها قصصاً عابرة للحدود الجغرافيّة، لتكون معبّرة عن أحوال الناس.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.