أمير منطقة تبوك ينوه بجهود و إمكانيات القيادة لخدمة ضيوف الرحمن    عملية رفح أعادت مفاوضات الهدنة إلى الوراء    كلوب لا يشعر بالإحباط عقب تعادل ليفربول مع أستون فيلا    الحكومة العراقية توقع اتفاقية تعاون مع إيطاليا بقيمة 850 مليون يورو    سابتكو تواصل الخسائر رغم ارتفاع الإيرادات    تحديد سعر سهم مستشفى فقيه عند 57.50 ريال    وزير الحرس الوطني يرعى حفل تخريج الدفعة ال 21 من جامعة الملك سعود بن عبدالعزيز للعلوم الصحية "كاساو"    نيابةً عن وزير الخارجية.. وكيل الوزارة للشؤون الدولية يشارك في اجتماع بشأن دعم الصومال    اعتماد اشتراطات الإعفاء للأسواق الحرة بجميع المنافذ الجمركية    تغييرات كبيرة في أجانب الاتحاد    القمة العربية في البخرين نحو تعزيز التضامن العربي ومواجهة التحديات المشتركة    وزير الخارجية يترأس الاجتماع الثاني لهيئة متابعة تنفيذ القرارات والالتزامات على المستوى الوزاري    جائزة الشيخ زايد للكتاب تفتح باب الترشح لدورتها التاسعة عشرة 2024-2025    أولى رحلات مبادرة «طريق مكة» من تركيا تصل إلى المملكة    القيادة المركزية الأمريكية تشارك في مناورات "الأسد المتأهب" في تأكيد لالتزامها بأمن الشرق الأوسط    الفرصة ماتزال مهيأة لهطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    تخريج كوكبة من الكوادر الوطنية لسوق العمل    نائب أمير مكة: منع الحجاج المخالفين ساهم بتجويد الخدمات    فرص للمواهب العلمية ببرنامج كندي    القادسية يحسم لقب دوري يلو    «الموارد» تطلق خدمة «حماية أجور» العمالة المنزليَّة في يوليو    «الممر الشرفي» يُشعل ديربي العاصمة    المملكة رائدة الرقمنة والذكاء الاصطناعي    التجديد إلكترونياً لجوازات المواطنين الصالحة حتى (6) أشهر قبل العملية    أمير الباحة يستقبل مدير وأعضاء مكتب رواد كشافة بعد إعادة تشكيله    سمو أمير منطقة الباحة يناقش في جلسته الأسبوعية المشروعات التنموية والخدمات المقدمة    تغطية أرضيات مشعر منى بالسيراميك.    في لقاء مؤجل من الجولة 34 من الدوري الإنجليزي.. مانشستر سيتي يواجه توتنهام لاستعادة الصدارة    بطلتنا «هتان السيف».. نحتاج أكثر من kick off    في الإعادة إفادة..    الكويت في الصدارة مجدداً    سرابُ النصرِ وشبحُ الهزيمة    أمير المنطقة الشرقية في ديوانية الكتاب    وزير التعليم يزور مدرسة معلمة متوفاة    يستيقظ ويخرج من التابوت" قبل دفنه"    اللجنة الوزارية للسلامة المرورية تنظم ورشة "تحسين نظم بيانات حركة المرور على الطرق"    الداوود يتفقد نطاق بلدية العتيبية الفرعية ويطّلع على أعمال التحسين ومعالجة التشوه البصري    الرزنامة الدراسية !    الأسهم الآسيوية ترتفع لأعلى مستوياتها في 15 شهراً مع تحسن اقتصاد الصين    نائب أمير مكة: "لاحج بلا تصريح" وستطبق الأنظمة بكل حزم    ماهية الظن    فخامة الزي السعودي    استعراض الفرص الواعدة لصُناع الأفلام    الكويت.. العملاق النائم ونمور الخليج    آنية لا تُكسر    تركي السديري .. ذكرى إنسانية    أبل تطور النسخ الصوتي بالذكاء الاصطناعي    يدخل"غينيس" للمرة الثانية بالقفز من طائرة    الصحة.. نعمة نغفل عن شكرها    دور الوقف في التنمية المستدامة    الماء البارد    إزالة انسدادات شريانية بتقنية "القلب النابض"    «سعود الطبية» تنهي معاناة ثلاثينية من ورم نادر    حكاية التطّعيم ضد الحصبة    18 مرفقاً صحياً لخدمة الحجاج في المدينة    ما رسالة أمير حائل لوزير الصحة؟    فهد بن سلطان: خدمة الحجاج والزائرين شرف عظيم ومسؤولية كبيرة    أمير تبوك يرعى حفل تخريج طلاب وطالبات جامعة فهد بن سلطان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أثر حرب إيران - العراق ماثل إلى اليوم
نشر في الحياة يوم 01 - 01 - 2014

ثمة جانب من الصحة في القول إن الحرب الإيرانية - العراقية هي حرب الشرق الأوسط العالمية الأولى. ففيها استخدمت الأسلحة الثقيلة ودارت هجمات عنيفة وجيّشت القوات على الجبهات لاقتحام مواقع العدو. وهذه الحرب الرهيبة هي مرآة أمينة لمجمل حروب القرن العشرين، سواء كانت الحرب العالمية الثانية (استخدام المدرعات وقصف المدن والحرب الاقتصادية ومواكبة حاملات النفط)، وحرب العصابات مثل تلك التي دارت في الجزائر وفيتنام (كمائن في مناطق وعرة وتسلل عبر المستنقعات) أو الحروب العربية - الإسرائيلية (معارك جوية فوق الصحراء واستخدام الصواريخ والحرب الإلكترونية). وخلفت الحرب هذه أثراً بالغاً في الخليج. وهي دامت ثماني سنوات، وهي أطول نزاع في القرن العشرين راح ضحيته العدد الأكبر من الضحايا في الشرق الأوسط في القرن الماضي.
ويدور الكلام على أن عدد قتلى الحرب هذه بلغ المليون. وهذا رقم تلقفه الصحافيون واستساغوه. ولكن عدد الضحايا اقتصر على 680 ألف قتيل (480 ألف إيراني و150 ألف عراقي و50 ألف كردي). وهذا رقم هائل. وساهم الإيرانيون في تضخيم عدد الضحايا للنفخ في عقيدة الشهادة وتسويغ اللجوء الى اجراءات استثنائية. وضخمت بغداد اعداد القتلى لتثبت للحلفاء العرب ان العراق ردع سياسة التوسع الثورية الإيرانية، وتحملهم تالياً على اعفائها من الديون لقاء الدماء المهدورة.
وأطلعت اثناء اعدادي كتاب «الحرب الإيرانية - العراقية: حرب الخليج الأولى (1980-1988)» الصادر اخيراً، على ارشيف الاستخبارات العسكرية الفرنسية ورسائل مبعوثي وزارة الدفاع الى طهران وبغداد في تلك المرحلة، وعلى مقابلات مع جنرالات عراقيين اجراها باحثون اميركيون وبريطانيون. واستمعت الى تسجيلات صدام حسين التي صادرها الأميركيون في 2003 في بغداد. فالديكتاتور العراقي زرع مقار السلطة في بلاده بأجهزة تنصت. وهذه التسجيلات لا تقدر بثمن، فهي تجمع اجتماعات قيادات الأركان في مراحل الحرب الحرجة والحاسمة. فشاركت من طريق التسجيلات هذه في الاجتماعات، وتعرفت من كثب على سبل اتخاذ القرار. وفاجأتني قدرة صدام حسين على الاستماع ورغبته في الإلمام بالمعايير الإجرائية. وقابلتُ عدداً من قدامى العسكريين العراقيين، ومسؤولين في الاستخبارات الأميركية والفرنسية والإسرائيلية والعربية. وفي مقابلاتي مع مسؤولين إيرانيين سابقين، فهمت نزاعات السلطة في طهران اثناء مرحلة لا يستهان بأهميتها، اي مرحلة ترسيخ نظام الملالي.
وتوسل صدام حسين بالأسلحة الكيماوية توسلاً واسعاً. ففي صيف 1982، حين نقلت طهران الحرب الى الأراضي العراقية، أدرك الديكتاتور العراقي حاجته الماسة الى سلاح دمار شامل لدحر الإيرانيين وثنيهم عن مواصلة الحرب. فباشر مشروع «الأسلحة الخاصة». ودعم المشروع هذا الاتحاد السوفياتي واستعان بخبراء من المانيا الشرقية و شركات غربية خاصة. والأسلحة المستخرجة من غاز الخردل صارت جاهزة للاستخدام في 1983، واستخدمها العراق في 1984 في معركة المستنقعات شمال البصرة وفي صد الهجمات الإيرانية. وفي 1988 شنت حملة «الأنفال» لمعاقبة الأكراد العراقيين إثر الاشتباه في تعاونهم مع ايران، وأمر صدام حسين بإطلاق الغاز الكيماوي على حلبجة وسكانها المدنيين. وعلى خلاف الهجوم الكيماوي السوري، وهذا استهدف مقاتلين غير نظاميين وسكان مدنيين، وجه صدام حسين السلاح الكيماوي الى جنود ايرانيين نظاميين في وقت كانت الحرب تدور على الحدود وليس في قلب المدن.
ودور الحرب الاقتصادية كان حاسماً. ولكن السياسة التي انتهجتها كل من واشنطن والرياض في خفض اسعار النفط والدولار في صيف 1985، كانت الفيصل في اقناع ايران والعراق بوقف الأعمال العدائية. فتضاعف انتاج النفط 3 مرات في ستة أشهر، وتدنى سعر الدولار 50 في المئة. وكان اثر الانخفاض هذا بالغاً في الاقتصاد الإيراني والاقتصاد السوفياتي. وفي عام واحد، تدنى الناتج المحلي في العراق وإيران الى الثلث. ووسع صدام حسين الاستدانة من دول الجوار ومواصلة الحرب، في وقت انهار الاقتصاد الإيراني. فصدعت طهران بوقف إطلاق النار في 1988.
والحرب العراقية - الإيرانية رسمت وجه العالم الجغرافي السياسي في المنطقة، ولا يزال اثرها ماثلاً الى اليوم. وهوس القادة الإيرانيين بالسلاح النووي وراءه من غير شك الحرب مع العراق. فطهران، شأن اسرائيل، ترى انها قلعة محاصرة تحتاج الى سلاح ردع يثني دول الجوار عن مهاجمتها. وفي حربه مع العراق، برز الجانب العقلاني في النظام الإيراني. فهو لا يغفل موازين القوى ومبادئ الردع. والمرشد الأعلى لم ينسَ المرحلة الأخيرة الأليمة من الحرب: اضطرار الخميني الى وقف حربه على صدام حسين جراء افلاس خزينة الجمهورية الإسلامية وإعداد الولايات المتحدة العدة للهجوم المباشر على ايران.
ويبدو أن طهران ادركت اليوم ان العقوبات الاقتصادية ناجعة ومجزية، شأن الهجمات السرية الرامية الى تعويق البرنامج النووي، وأن الحاجة ماسة الى الخروج من العزلة الدولية وجذب الاستثمارات الأجنبية. وأدركت الإدارة الأميركية ان اهانة المسؤولين الإيرانيين غير ناجعة، وأن تطبيع العلاقات مع طهران يساهم في حل الأزمات في العراق وسورية ولبنان ويغير موازين القوى الجيو- سياسية في الشرق الأوسط، في وقت خف اعتماد الاقتصاد الأميركي على نفط المنطقة.
ولم تؤجج الحرب الإيرانية - العراقية الانقسام السني - الشيعي، فالمشاعر القومية غلبت على المشاعر الدينية. والشيعة كانوا 40 في المئة من قوات الجيش العراقي، ولم ينشقوا عن النظام البعثي بل استبسلوا في قتال ايران. ولم يستقبل عرب خوزستان جنود صدام استقبال الفاتحين.
* مؤرخ، عن «لوموند» الفرنسية (ملحق «كولتور ايه ايديه»)، 14/12/2013، اعداد منال نحاس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.