الفارق بين التحرش في الميادين والعنصرية في الملاعب أن الأولى ليس فيها نظام واضح لكن الثانية فيها مادة وقانون، ومع ذلك لم يكفنا الله شر الأولى ولا الثانية. لن أتحدث عن حلول «اللقاح الذاتي» و«التربية» فمهما بلغنا من التقوى والصلاح ما بلغنا لا بد أن تكون هناك «شاردة» تحتاج إلى «ضبط»، وهنا القانون المكتوب والسلطة القضائية والتنفيذ الحازم كلها أمور كفيلة بضبط الخارجين عن «النص». الغريب أننا في كلتا الحالتين (التحرش والعنصرية) نندهش مما حدث ونستغرب ونمر بمرحلة «نكران»، فندعى أحياناً أنها حالات فردية ونقول أحياناً إنها خارج المدار، لكن المنطق يقول إنها موجودة وللأسف على «قارعة الطريق»، لذلك يجب أن ندرسها ونحللها ونفكر في حلولها ونبدأ العمل من أجل قطع دابرها بدلاً من ضرب الأكف بالأكف والبكاء والعويل على الأخلاق الضائعة. على الصعيد الرياضي لم تكن «العنصرية» لب الموضوع في معظم النقاشات التي دارت بين الأطراف المعنية بالقضية أو حتى المتحدثين باسمهم أو المنتمين إليهم أو المراقبين والإعلاميين «الدائرين في فلكهم» فالأمر خرج من دائرة «قضية جوهرية» وتحول إلى مسألة «ميول»، حتى خُيل لي أن العنصرية لو كانت امرأة تسير على قدميها لسحبت كرسياً وجلست لتشاهد هذا الصراع وتترقب مع «المشاهدين» أيهما سيعلو صوته أكثر وأيهما سيقنع المشاهدين ويجعلهم ينتصرون لرأيه، وربما ملّت من ارتفاع الأصوات وتركت الساحة لتذهب وترقد على سريرها بلا هم ولا وجل. في صراع «الهتافات العنصرية» علا الحديث عن «المندسين» وتناثرت «التساؤلات» وعلامات الاستفهام على «قارعتهم»، وهذا طبيعي في وسط حافل ب«التشكيك والتخوين» مثل الساحة الرياضية، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل هناك قدرة على معاقبة المشجع على تصرفاته في شكل فردي؟ أعتقد أننا تجاوزنا مرحلة «الصبات» ووصلنا إلى مرحلة المقاعد ودخلنا منظومة «الترقيم» وذقنا حلاوة شراء التذاكر «إلكترونياً»، والملاعب مجهزة بكاميرات في كل حدب وصوب وبالتالي فبالإمكان تحديد كل «شاردة وواردة» داخل الملعب بالصوت والصورة والهوية، وبالتالي بالإمكان معاقبة المشجع على تصرفاته الفردية أياً كانت ما لم يقم «المدرج» بارتكاب مخالفة في شكل «جماعي» حينها فقط يتحمل النادي المسؤولية. القضية ليست «شكلاً ومضموناً» وليست «مادة وقانوناً» بل «رياضة» تستحق أن نبعدها عن طريق الكاسب فيه خسران. [email protected] aljabarty@