قربان: قطاع الحياة الفطرية يوفر فرصًا استثمارية ضخمة في السياحة البيئية    صندوق البيئة يطلق برنامج الحوافز والمنح بتمويل مباشر أو غير مباشر    293 مليار ريال إيرادات الميزانية السعودية في الربع الأول 2024    13 مليون عامل و1.2 مليون منشأة بالمملكة    كلوب: مدرب ليفربول المقبل لن يواجه صعوبة في الاستمرار    "الأرصاد" ينبه من هطول أمطار على منطقة الرياض    المملكة تستضيف اجتماعيّ المجلس التنفيذي والمؤتمر العام ل"الألكسو"    التجارة غير النفطية تواصل النمو في أبريل    منتدى المشاريع العالمي في يونيو المقبل بالرياض    فرص واعدة لصُناع الأفلام في المملكة    نائب أمير الشرقية يستقبل مدير عام هيئة التراث بالمنطقة    هل وصلت حرب غزة إلى طريق مسدود؟    ميسي يسجل ثلاثة أرقام قياسية جديدة في الدوري الأمريكي    القيادة تهنئ ملك هولندا بذكرى يوم التحرير لبلاده    مكتبة الملك عبدالعزيز العامة تطلق جولتها القرائية الخامسة    تدخل عاجل ينقذ حياة سيدة في عنيزة    كاسترو يكشف موقف تاليسكا وغريب من مواجهة الهلال    20 ألف مستفيد من خدمات مستشفى الأسياح    ( مسيرة أرفى ) تعلن عن إنطلاق فعاليات شهر التصلب المتعدد    "باحث": لا يوجد أدلة على أن الاستمطار يحدث هطول أمطار شديد    الأمم المتحدة تكشف: آلاف السودانيين يفرون يوميا من جحيم الحرب    "تعليم تبوك" و"أرامكو" يطلقان حملة توعوية للوقاية من الحرائق    قوات سعودية – أمريكية تنفذ تمرين "الغضب العارم"    توقعات بهطول أمطار رعدية خفيفة على معظم مناطق المملكة    "ميدياثون الحج والعمرة" يختتم أعماله    المملكة تعين وتروي المحتاجين حول العالم    رونالدو: لا أركض وراء الأرقام القياسية    تنمية جازان تفعل برنامجًا ترفيهيًا في جزر فرسان    اللحوم والبقوليات تسبب "النقرس"    السعودية تؤكد ضرورة إعادة هيكلة منظمة التعاون الإسلامي وتطويرها    القبيلة.. وتعدد الهويات الوطنية    مسؤولون وفنانون وشعراء ينعون الراحل    البدر «أنسن العاطفة» و«حلّق بالوطن» وحدّث الأغنية    آه يا رمل وهبايب.. تدفن جروح الحبايب.. ورحت يا بدر التمام    تعديلات واستثناءات في لائحة ضريبة التصرفات العقارية    بأمر خادم الحرمين.. تعيين 261 عضواً بمرتبة مُلازم تحقيق في النيابة العامة    «المظالم» يخفض مدد التقاضي و«التنفيذ» تتوعد المماطلين    السعودية.. دور حيوي وتفكير إستراتيجي    عضوية فلسطين بالأمم المتحدة.. طريق الاستقلال !    لا تظلموا التعصب    معالي الفاسد !    مركز الملك سلمان يواصل مساعداته الإنسانية    تحت رعاية ولي العهد.. وزير الدفاع يفتتح مرافق كلية الملك فيصل ويشهد حفل التخرج    وفاة صاحب السمو الملكي الأمير بدر بن عبدالمحسن بن عبدالعزيز آل سعود    الذهب يتأرجح مع تزايد المخاوف بشأن أسعار الفائدة    تقدير الجهود السعودية لاستقرار السوق العالمية.. المملكة تعزز تعاونها مع أوزبكستان وأذربيجان في الطاقة    رعى حفل التخرج الجامعي.. أمير الرياض يدشن مشروعات تنموية في شقراء    موسكو: «الأطلسي» يستعد لصراع محتمل    منح تصاريح دخول العاصمة المقدسة    الطائي يتعادل مع الخليج سلبياً في دوري روشن    بتنظيم وزارة الرياضة .. "الأحد" إقامة المؤتمر الدوري للقطاع الرياضي    يجنبهم التعرض ل «التنمر».. مختصون: التدخل المبكر ينقذ «قصار القامة»    النملة والهدهد    لا توجد حسابات لأئمة الحرمين في مواقع التواصل... ولا صحة لما ينشر فيها    وزير الخارجية: السعودية تؤكد ضرورة إعادة هيكلة «التعاون الإسلامي» وتطويرها    "الفقه الإسلامي" يُثمّن بيان كبار العلماء بشأن "الحج"    كيفية «حلب» الحبيب !    بيان صادر عن هيئة كبار العلماء بشأن عدم جواز الذهاب للحج دون تصريح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«نيران صديقة»... ستُصدِّق الميتافيزيقيا المصرية
نشر في الحياة يوم 23 - 09 - 2013

تخيل أنك وجدت كتاباً مسحوراً، كُتب فيه كل ما حدث ويحدث، وبوسعك أن تستقرئ عبره ما قد يحدث كذلك في المستقبل، كل أسرارك وأفعالك أنت والمحيطين بك مرصودة في الكتاب! تخيل أن هذا الكتاب وقع في أيدي مجموعة من البشر تفانت في إيذاء بعضها بعضاً، وبالغت في الغدر والخيانة والضرب تحت الحزام، في السر والعلن، كيف سيكون الوضع؟ كاتب السيناريو محمد أمين راضي يقدم إجابات كثيرة عن هذا السؤال في مسلسل «نيران صديقة» الذي عُرِض في موسم الدراما الرمضانية المنصرم، من إخراج خالد مرعي، وبطولة منة شلبي وكندة علوش وعمرو يوسف ومحمد شاهين وظافر العابدين ورانيا يوسف.
أول ما سيلفت نظر المتابع أن ثمة خطين متوازيين في المسلسل ساريين في كل الحلقات. خط في قصة عودة الكتاب الملعون وتلقي أفراد الشلة تهديدات بفضح تاريخهم من شخص مجهول، وخط آخر مشغول بالفلاش باك لاستعادة حكاية الكتاب التي بدأت كمزحة عندما أحضر «رأفت هجرس» (ظافر عابدين) الكتاب السحري من المغرب، والذي تستند فكرته إلى أن يجرح كل من يحضّر التعويذة نفسه ثم تُخلط دماء المشاركين في العملية ليقوم الكتاب بكتابة مصائرهم، وهذا ما قامت به الشلة الملعونة. عدا عن ذلك يستعيد الخط الثاني أيضاً العلاقات المتشعبة بين أفراد الشلة التي أخذت بالتعقد حتى صار كل لقاء يجمعهم مفتتحاً لمصائب جديدة: جرائم قتل وخطف واختلاس وخيانات وعمليات انتقامية بشعة.
باختصار كانت تلك الشلة دائرة شر عندما تنغلق باكتمال نصابها. اجتماعها مصيبة وتفرقها هدنة موقتة يعقبها المزيد من المصائب، كل هذا بينما تدور قصص حب وحالات زواج عشوائية بين الأفراد الستة.
في خلفية الخط الذي يحكي قصص الماضي، تأريخ فني للقاهرة، فالأحداث تنمو وتتطور مع توالي أغاني عمرو دياب، فتحمل كل حقبة أغانيها معها، ويصبح عمرو دياب هو الخلفية الموسيقية التي تحكم علاقة أفراد الشلة. وسيندهش المشاهد الذي يتابع العرض الثاني للمسلسل من براعة كاتب السيناريو في تضفير الخطين الدراميين في جديلة واحدة، ومن ثم سيعجب ببراعته في تطريز كل خط بوقائعه الزمانية. فالحكايات مغزولة في التاريخ ببراعة مخيفة، وسقوط سور برلين يتزامن مع انهيار أسرة «رأفت»، وتجديد «طارق» (عمرو يوسف) محاولاته لكي يتزوج «أميرة» (منة شلبي) تحدث بالتزامن مع تأهل مصر لكأس العالم، بينما يندلع زلزال 1992 بالتزامن مع زلزال داخلي عند «مدحت»، الزوج العقيم (محمد شاهين) عندما تخبره زوجته «نهال» (كندة علوش) أنها حامل. اللفتات الخفيفة والتفصيلات الصغيرة في الخلفية كلها في مكانها، بالضبط من دون ترهل أو تفلسف.
كل تلك التفاصيل، بالتكامل مع العقد الدرامية المتعاقبة في كل مشهد تقريباً، تؤدي إلى إيجاد منطق داخلي للعمل، مختلف ومعزول عن الواقع. واللافت ان المشاهد يجد نفسه آمن بالبعد الميتافيزيقي وبوجود الكتاب السحري، من دون أن يبذل أي مجهود لمجاراة الحكاية، فالحرائق والنيران الصديقة تندلع بين أفراد الشلة في شكل تلقائي، ولا تنتهي حلقة من دون أن ترى شعلة نار تنطفئ، لتولد من رمادها حلقة أخرى، في حلية فنية رامزة إلى مقدار الشر الذي يعرضه المسلسل.
لم يكتف المخرج خالد مرعي بأبطال من أصحاب الأسماء الرنانة مثل منة شلبي وكندة علوش، إنما خاض أيضاً رهانات فنية رابحة على نجوم الصف الثاني، عندما اختار المخضرمين سلوى خطاب وصبري فواز وأحمد صيام لأداء أدوار لا تقل عن البطولة بأي حال، وتساهم في شكل رئيسي في سير الأحداث ورسم أبعاد الشخصيات بتفاصيل من حياتها الشخصية.
صبري فواز مثلاً يؤدي ببراعة دوراً مركّباً لضابط أمن الدولة «سليم عثمان»، وهي شخصية شديدة التعقيد، رجل يجمع ما بين حبه ل «نور» (رانيا يوسف) واستعمالها (كقواد) بزعم أنه يخدم مصالح الوطن. مزيج من الشغف والتملك والوصولية. لم يختر المخرج هنا أن يقدم شكلاً نمطياً للرجل الغامض المهم، نظارة شمس وشعر أبيض وصوت رنان، بل اختار ملامح مصرية خالصة لرجل بجسد نحيف ومعتدل الطول، وبالتالي استنفر كل طاقات فواز ليبدع شخصية «سليم» رجل أمن الدولة المتعدد الأبعاد.
هذا التألق يسري أيضاً على سلوى خطاب التي تعيد تقديم نفسها في شخصية «سمرة»، المرأة القوادة التي لا تتوب عن الشر، وعندما تقرر تغيير مهنتها تعمل دجالة في جلسات قراءة الفنجان وإخراج الجان!
يلفت النظر أيضاً تألق الممثل التونسي ظافر العابدين الذي أجاد تقديم نفسه للمشاهد العربي عبر بوابة الدراما المصرية، كذلك أعادت كندة علوش تأكيد ترسيخ موقعها كنجمة أولى، بشخصية «نهال»، الفتاة النورانية التي تخطر لها ومضات أحلام تبدو كنبوءات. وقد أجادت الفنانة السورية في لعب دور الشخصية المزدوجة، فهي ملاك الشلة من ناحية، لكنها متورطة في العديد من المصائب والمواقف غير الأخلاقية من جهة أخرى.
أياً يكن الأمر، جاء مسلسل «نيران صديقة» كأحد أكثر الأعمال الرمضانية إحكاماً، وبحالة تألق جماعي، على رأسها المخرج خالد مرعي، ونجوم العمل، ولكن يظل كاتب السيناريو الشاب، والصاعد بقوة، محمد أمين راضي (جائزة ساويرس للسيناريو 2012)، هو مبتكر تلك الحكاية العجيبة، وذلك العالم الذي يخلط التاريخ بالحاضر بالروحانيات والماورائيات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.