تواصل القوات المصرية تنفيذ حملة عسكرية في مدينتي رفح والشيخ زويد، وصفت بالأكبر على أرض سيناء منذ حرب تشرين الأول (اكتوبر) 1973. وبقدر ما تتسارع تطورات الحدث المصري في الداخل، تتصاعد العمليات العسكرية في شبه جزيرة سيناء، يوماً بعد يوم، ضد المجموعات المتطرفة التي ما برحت تتوالد كالفطر، وتتداخل في ما بينها وبين تلك الموجودة في قطاع غزة، حتى حظي الأمر باهتمام متزايد من القوى الدولية، فقد أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن بقاء الوضع متزعزعاً في مصر يمثل خطراً على المنطقة بأسرها. وفي ظل عدم الاستقرار الذي تشهده مصر، في أعقاب إطاحة نظام «الإخوان»، بات الإسرائيليون يعبّرون عن خشيتهم من تردي الأوضاع الأمنية في سيناء، وقلقهم من تنفيذ عمليات عسكرية ضد أهداف إسرائيلية في المنطقة الجنوبية، لذلك قررت الأجهزة الأمنية في إسرائيل نقل مسؤولية الأمن وجمع المعلومات في سيناء من شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) إلى جهاز الأمن العام (الشاباك) الإسرائيلي، الذي قام بتشكيل وحدة خاصة مهمتها الرئيسية جمع المعلومات، لمنع وإحباط أية عمليات، أو محاولات إطلاق صواريخ باتجاه إسرائيل. وتزامن هذا القرار مع كشف الشاباك عن معلومات حول وجود 15 مجموعة جهادية تنشط في سيناء، وترتبط بمنظمات الجهاد العالمية. ونقل عن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، أنها استطاعت رصد أربعة تنظيمات، تنشط أكثر من غيرها ضد الجيش الإسرائيلي، على طول الحدود مع مصر. لكن التقديرات داخل أذرع الأمن الإسرائيلية تتباين، بشأن عدد التنظيمات الجهادية الفاعلة في سيناء، وللتدليل على ذلك، ذكر إن جهاز الشاباك يُقدر عدد نشطاء «الجماعات السلفية الجهادية» في سيناء بالمئات، فيما تشير الاستخبارات العسكرية إلى أن عددهم يصل الى بضعة آلاف. وذكر أن النشطاء المذكورين وصل بعضهم من خارج سيناء، فيما تشدد مصادر الأجهزة الأمنية أن السواد الأعظم منهم، هم من أبناء العشائر البدوية في سيناء. وضع معقد وتهديدات وأشارت تقارير إعلامية نشرتها الصحافة الإسرائيلية، إن الأوضاع الأمنية المتردية في سيناء، والنشاط المتزايد للجماعات المسلحة، تُشكل التهديد الأكبر للأمن القومي (الإسرائيلي)، في ظل تكتم إسرائيل، وعدم القدرة على الإعلان رسمياً عن تحمل قيامها بتنفيذ غارات على الأراضي المصرية. وتشير تقارير تجاهلها الإعلام الإسرائيلي، إلى أن طائرة إسرائيلية من دون طيار أغارت خلال الشهر الماضي، وبشكل مباشر على «جماعة جهادية»، أطلقت على نفسها (أنصار بيت المقدس) كانت تحاول إطلاق صواريخ على مدينة إيلات، في حين أن الجيش المصري وعلى لسان المتحدث باسمه نفى تلك الأنباء، إلا أن الجانب الإسرائيلي التزم الصمت حيال ذلك، في وقت أشير إلى أن السلطات الإسرائيلية قامت قبل يوم واحد من العملية بإغلاق مدينة إيلات تحسباً لوقوع عملية إرهابية، لكنها في المقابل لم تُعلن من هي الجهة التي تنوي القيام بها. وفي سياق رصد للوضع في سيناء، عددت «هآرتس» (19/8/2013) المجموعات الرئيسية الناشطة في سيناء كالتالي: «أنصار بيت المقدس»، التي سبق أن أطلقت صواريخ باتجاه إيلات. ومجموعة «مجلس الشورى للمجاهدين في أكناف بيت المقدس»، التي قامت في حزيران (يونيو) الماضي بتنفيذ عملية عسكرية عبر اختراق الحدود الإسرائيلية، وأسفرت عن مصرع إسرائيلي كان يعمل في بناء السياج الحدودي مع سيناء. والمجموعة الثالثة هي جماعة «الهجرة والتكفير» وهي جماعة سلفية نفذت عملية في معبر كرم أبو سالم، أما الجماعة الرابعة فهي «جيش الإسلام» التي نشطت في قطاع غزة، وكانت مسؤولة عن اختطاف الجندي الإسرائيلي غلعاد شليط. منطقة فوضى ورأى المحلل الإستراتيجي يوسي ميلمان، أن سيناء كانت هدفاً لشعبة الاستخبارات في جيش الاحتلال الإسرائيلي (أمان) بعد توقيع معاهدة السلام، وعودة سيناء إلى مصر، بموجب اتفاق (كامب ديفيد)، مشيراً إلى أن (أمان) اختصت بتجنيد عملاء لإسرائيل من الدول المجاورة مثل مصر والأردن ولبنان وسورية، وهذا الوضع استمر حتى قبل أعوام، حين انتقلت هذه المهمة إلى مسؤولية الشاباك الإسرائيلي. وأضاف أنه رغم إبرام معاهدة السلام، والتعاون الاستخباراتي المثمر بين مصر وإسرائيل في عهد حسني مبارك، فإن مصر وجيشها، الذي بقي أكبر وأقوى الجيوش العربية، باتا هدفاً للاستخبارات الإسرائيلية. أما رؤفين باز، الباحث المختص في الحركات الإسلامية، فقال إن الجماعات التي تتبنى ما سمّاه بالعنف في سيناء، تنقسم إلى ثلاث: تضم أولاها التنظيمات المعارضة للحكم المركزي لأسباب مختلفة، ومنها عصابات مسلحة تنشط في تهريب المخدرات أو السلاح، وهذه مجموعات دوافعها اقتصادية، ولا تستهدف إسرائيل. فيما تضم المجموعة الثانية، منظمات ذات توجهات أيديولوجية تعتبر إسرائيل هدفاً رئيسياً لعملياتها، وتشمل مجموعات أو أفراداً انشقوا عن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) و»الجهاد الإسلامي»، لاعتقادهم أنهما لا تتعاملان بالشدة المطلوبة مع إسرائيل، أما المجموعة الأخيرة فتضم منظمات تتبنى أيديولوجية جهادية، بينها «جماعة التوحيد والجهاد»، وهي تستلهم «الداعية الإسلامي» الأردني، من أصل فلسطيني، محمد المقدسي، وكان من أشهر تلاميذه أبو مصعب الزرقاوي. ولفت إلى أن المشكلة الرئيسية التي يمكن أنْ تُواجهها إسرائيل تكمن في انهيار النظام المصري، وعند ذلك ستتحول سيناء إلى منطقة جذابة للغاية لجميع «التنظيمات الجهادية» في العالم، وبالتالي ستقف إسرائيل أمام مشكلة عويصة، ولكن ما زالت حتى الآن بعيدة بحسب تعبيره. وفي حين تتواصل العمليات العسكرية على جانبي الحدود ضد «جهاديي سيناء» و»ضيوفهم» من الجهاديين الأجانب، أبدى الجنرال الإسرائيلي المتقاعد غيورا ايلاند، شكوكه تجاه احتمال وجود تعاون ميداني فعلي بين الجيشين الإسرائيلي والمصري. وقال في حديث أدلى لإذاعة جيش الاحتلال، إنه ليس هناك تعاون في المجال العملياتي، من حيث تنسيق الهجمات ضد من سمّاها «القوى الجهادية» التي تعمل في شبه جزيرة سيناء، لكنه أكد في المقابل على أن هناك تعاوناً في مجال المعلومات، معبراً عن اعتقاده بأن هذا التعاون تطور في هذه الفترة بالذات الى مستوى أعلى، بسبب الثقة الأكبر والأساس المشترك بين الجانبين الإسرائيلي والمصري. في كل الأحوال، لم تعد شبه جزيرة سيناء، خارج إطار الرصد والمتابعة الدقيقة، من الجيشين الإسرائيلي والمصري، نظراً لتدفق المجموعات الجهادية، وأولئك الهاربين من المطاردة والمتابعة من عناصر «الإخوان» والذين لجأ بعضهم إلى سيناء وكذلك إلى قطاع غزة، وقد وجد من يقول تعقيباً على عملية مقتل النشطاء الأربعة بواسطة طائرة من دون طيار، أنه ليس مهماً من نفذ العملية، المهم أن نتائجها صبّت في مصلحة الطرفين المصري والإسرائيلي، وما يجري هناك عملياً يصب في قناة «المصلحة المشتركة»؛ التي تحاول وقف قتل جنود الجيش المصري، ووقف استخدام المنطقة منصة لإطلاق الصواريخ والعمليات المسلحة ضد الجيش الإسرائيلي. وليس مستبعداً أن يكون قرار نقل مسؤولية الأمن وجمع المعلومات في سيناء من شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) إلى جهاز الأمن العام (الشاباك) الإسرائيلي، فاتحة تعاون أكثر في تلك المواجهة المحتدمة اليوم في سيناء. * كاتب فلسطيني