"تعليم الرياض" يطلق حملة إعلامية تثقيفية بالتخصصات الجامعية    وزير الدولة للشؤون الخارجية يلتقي وزير الدولة للبيئة الإسباني    الوزاري الخليجي: ثروات المنطقة المغمورة للكويت والسعودية فقط    تحذير من مواقع تنتحل هوية «تقدير»    «الموارد البشرية» ترصد 399 مخالفة على المنشآت في تشغيل العمالة الموسمية بالمدينة المنورة    أمير تبوك يواسي الغرير في وفاة زوجته    وزير الخارجية يشارك في الاجتماع الوزاري للحوار الاستراتيجي الخليجي-التركي    «مسام»: إتلاف 602 لغم وعبوة ناسفة وقذيفة غير منفجرة في أبين    كيف أصبح هيكل ملكية أرامكو بعد طرح 1.545 مليار من أسهمها    التصنيف الآسيوي كلمة سر الأخضر أمام الأردن    جماهير الأهلي تتصدر "إكس" بسبب كيميتش    بلجيكا تُعول على دي بروين ولوكاكو في يورو 2024    «غورست» يتوّج ببطولة العالم للبلياردو «9 كرات» بنسختها الأولى في المملكة    صالة إضافية بمطار الطائف لانسيابية توافد الحجاج    ضبط 18 شخصا لنقلهم 103 مخالفين ليس لديهم تصريح الحج    "لذة الوصول" يوثقها الحجاج في ميقات ذي الحُليفة    محاولة من الاتحاد لضم رحيمي    سمو أمير منطقة القصيم يوجه ادارة التعليم بالمنطقة بتوثيق أسماء الطلبة المتفوقين    "كلية العلوم" بجامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل تختتم معرض الملصقات العلمية لمشاريع التخرج    نائب أمير الشرقية يستقبل رئيس وأعضاء لجنة الحج في مجلس الشورى    فريق طبي "ب"مركزي القطيف" ينقذ حياة مقيم    ( نقد) لقصيدة ( في رثاء بدرية نعمة) للشاعرالحطاب    محافظ البكيرية يتفقد مشاريع الإسكان بالمحافظة    استقبال 683 حاجا من 66 دولة من ضيوف خادم الحرمين الشريفين للحج    أمير الرياض يستقبل رئيس نادي الهلال    نمو الأنشطة غير النفطية 3.4% بالربع الأول    التدابير الوقائية تخفض ضربات الشمس بالحج 74%    الأرصاد: ابتداء من غد الاثنين استمرار ارتفاع درجات الحرارة لتصل إلى 48 درجة مئوية    وصول الفوج الأول من حجاج أمريكا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا    شرائح إنترنت واتصال مجانية لضيوف خادم الحرمين الشريفين للحج    ليس للمحتل حق «الدفاع عن النفس»..!    السعودية للكهرباء (SEC) تكمل استعداداتها لموسم حج 1445ه ب20 مشروعاً جديداً    مستشفيات وعيادات دله تواصل تقديم رعايتها الصحية خلال إجازة عيد الأضحى المبارك    صور مولود عابس.. تجذب ملايين المشاهدات !    رصد 1000 مخالفة نقل بمكة والمدينة    مليون ريال مخالفات أسواق ومسالخ الرياض    تعامل سريع لإنهاء إجراءات الحاج في صالات مطار جدة    بارقة أمل.. علاج يوقف سرطان الرئة    الجبير يؤكد التزام المملكة بالتعاون مع المجتمع الدولي لحماية المحيطات والموارد البحرية    قميص النصر يلفت الانتباه في ودية البرتغال وكرواتيا    إعلانات الشركات على واتساب ب«الذكاء»    استفزاز المشاهير !    مَنْ مثلنا يكتبه عشقه ؟    مرسم حر    تحتفل برحيل زوجها وتوزع الحلوى    نفائس «عروق بني معارض» في لوحات التراث الطبيعي    أثر التعليم في النمو الاقتصادي    اطلاق برنامج أساسيات التطوُّع في الحج    مساعدات لمتضرري الزلزال في إدلب    توفير الأدوية واللقاحات والخدمات الوقائية اللازمة.. منظومة متكاملة لخدمة الحجاج في منفذ الوديعة    نصيحة للشعاراتيين: حجوا ولا تتهوروا    وزير الدفاع يؤكد دعم المملكة للحكومة اليمنية    التنظيم والإدارة يخفِّفان الضغط النفسي.. مختصون: تجنُّب التوتّر يحسِّن جودة الحياة    «إنجليزية» تتسوق عبر الإنترنت وهي نائمة    رئيس وزراء باكستان يعود إلى بلاده بعد زيارة رسمية للصين    القلعة الأثرية    الجهات الحكومية والفرق التطوعية تواصل تقديم خدماتها لضيوف الرحمن    فقدت والدها يوم التخرج.. وجامعة حائل تكفكف دموعها !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في السؤال عن أسباب تراجع القضية الفلسطينية
نشر في الحياة يوم 23 - 07 - 2013

لعل أكثر ما يوجع الفلسطينيين في هذه الظروف هو ملاحظة تراجع مكانة قضيتهم في سلّم اهتمامات السياسات العربية والإقليمية والدولية، وعلى الصعيدين الشعبي والرسمي، على رغم معرفتهم أن جزءاً كبيراً من هذه الاهتمامات لم يكن يصدر عن سياسات نزيهة، تصبّ في خدمة قضيتهم، بقدر ما كان يصدر لأغراض التلاعب والمخاتلة والتوظيف.
طبعاً، لا علاقة للقضية بهذا التراجع فهي ما زالت حيّة وعادلة، بل إن إسرائيل تبدو اليوم أكثر من ذي قبل دولة استعمارية واستيطانية وعنصرية، لا سيما مع تأكيدها على كونها دولة يهودية حصراً، ناهيك عن صدّها الجهود الدولية المتعلّقة بالتسوية. في المقابل ما زال الفلسطينيون يسطّرون صفحات جديدة في سجلّ كفاحهم المرير والعنيد ضد اسرائيل، في الدفاع عن القدس، وفي هبّة الأسرى، والإضراب غير المسبوق عن الطعام الذي خاضه عشرات المعتقلين، وفي التحركات الشعبية المناهضة للأنشطة الاستيطانية، وللجدار الفاصل، ومؤخّراً في الهبّة ضد مشروع «برافر»، الذي يرمي الى اقتلاع بدو النقب من أراضيهم بغرض تهويدها.
المعنى أن المشكلة تكمن في مكان آخر، فمنذ عقدين باتت قضية فلسطين تبدو مختلفة عن ذي قبل، إذ تم اختزالها، بالتحوّل من زمن النكبة (1948) وتداعياته، إلى زمن احتلال إسرائيل للضفة والقطاع (1967) وتداعياته، مع عقد اتفاق أوسلو (1993). وقد انبثق عن ذلك، أيضاً، اختزال شعب فلسطين، بإخراج اللاجئين (في الخارج) من مفهوم الشعب الفلسطيني، وقصره على فلسطينيي هذه المناطق، من الناحية العملية، وهذه ليست تغييرات ثانوية، أو مجرّد تفصيلات. وهذا وذاك أدى بدوره إلى تغيير معنى ومبنى قضية فلسطين، واختزال الصراع مع إسرائيل إلى مجرّد سلطة تفاوض على شكل الكيان الناشئ في الضفة والقطاع، وعلى حدوده، وعلى تحسين أوضاع الفلسطينيين فيه.
الأسوأ أنه حتى قضية إقامة كيان للفلسطينيين، على جزء من أرضهم التاريخية (22 بالمئة)، جرى تجزئتها وتفكيكها، بحيث قسّمت أراضي الضفّة إلى ثلاثة أجزاء (أ، ب، ج)، وبات ثمة مفاوضة على الحدود، وعلى شرعية المستوطنات، وعلى القدس، والمياه، والاقتصاد، والأمن، والمعابر، وعلى الأسرى، وعودة اللاجئين والنازحين، والمطار والميناء، والجدول الزمني.
وكما ذكرنا، فقد نجم عن اختزال قضية فلسطين مسألة أخرى على غاية الخطورة، أيضاً، تمثلت بتفكيك مفهوم الشعب الفلسطيني، مع إخراج ملايين اللاجئين، في الأردن وسورية ولبنان وغيرها، من هذا الإطار، ومن معادلات موازين القوى مع إسرائيل، وهو تحوّل تضمن المخاطرة بإزاحة الرواية الفلسطينية المتعلقة بالنكبة، وإضفاء شرعية على الرواية الإسرائيلية، التي تعتبر أن الصراع بدأ عام 1967، وأنه يدور بين حقّين متساويين على أرض الضفّة فقط، بعد أن بات ثمة تسليم بحق إسرائيل في الوجود.
ومشكلة الفلسطينيين في كل ذلك أن هذا التحوّل فصل بين مفهومي الحرية والتحرير، أي بين حقهم كشعب في الحرية والهوية وتقرير المصير، وبين تحرير الأرض، وبعدها فإنه قزّم مشروع التحرير الى مجرّد صراع على بقعة أرض هنا أو هناك، وأطاح بالرواية الفلسطينية بعيداً، وبدّد أهم عنصرين فيها، وهما الحقيقة والعدالة.
لم تقف المسألة عند هذه الاختزالات الثلاثة للقضية والأرض والشعب، ذلك أن الكيان الناشئ دعّم وجوده بأجهزة ادارية وخدمية كبيرة، تأسّست على المحسوبية والفصائلية، أكثر من تأسّسها على الكفاءة، في ظلّ واقع من انعدام المراقبة والمساءلة والمحاسبة، لذا فهي لم تحظ بسمعة حسنة، مع بروز ظواهر الفساد السياسي والمسلكي والمالي.
وفوق ذلك، فإن الكيان الناشئ تورّط، أيضاً، أو استدرج نحو ممانعة كافة أشكال المقاومة، وضمنها الشعبية أو المدنية، وهي التي كانت متاحة قبل مجيء قيادات المنظمة والفصائل الى الداخل، لا سيما مع وجود أجهزة أمنية متضخّمة، تشتغل في إطار من التنسيق الأمني مع إسرائيل. وقد شهدنا مؤخّراً، وعلى خلفية الدعوات للتظاهر ضد مشروع «برافر»، قيام سلطة الضفة بمنع الفلسطينيين في رام الله من التوجه بتظاهرات سلمية نحو المستوطنات، وقيام سلطة «حماس» بفضّ التظاهرات في غزة.
بالنتيجة، ومع قيام هذا الكيان، فقد نجحت إسرائيل بفصل نفسها عن الفلسطينيين، وتجنّب الاحتكاك بهم، رغم بقائها في أرضهم، وسيطرتها على حياتهم، أي أن ذلك لم يحصل فقط ببنائها للجدار الفاصل، والجسور والأنفاق، والطرق الالتفافية، التي باتت تعزل الفلسطينيين وتغيّبهم عن الإسرائيليين، وإنما أيضاً بفضل النهج الذي اتبعته السلطة، في «النأي» بالفلسطينيين عن مواجهة السياسات الإسرائيلية، وحصر الأمر بمجرّد الصراع بالمفاوضات حول القضايا الخلافية، ك «سلطة» في مواجهة سلطة!
ومعلوم أن الإسرائيليين في هذه الحال باتوا يعيشون في واقع من الاحتلال المريح والمربح، إذ لم يعد ثمة ثمن للاحتلال ولا للاستيطان، ولم يعودوا يحسّون بالفلسطينيين، ولا بعذاباتهم، الأمر الذي خفّف من حافزيتهم لإنهاء الاحتلال، بالقياس الى السابق، بل إن ذلك شجّعهم على مصارعة الفلسطينيين، بزيادة الاستيطان، وطرح مزيد من الاشتراطات على سعيهم لإقامة دولة مستقلة لهم، وهو ما يمكن ملاحظته بازدياد نفوذ التيارات اليمينية المتشددة، الدينية والقومية.
هذا ما أدى إلى تآكل قضية فلسطين، وتراجع مكانتها في سلم الاهتمامات العربية والإقليمية والدولية، شعبياً ورسمياً، إذ لم تعد قضية فلسطين هي ذاتها، ولم تعد العناوين المطروحة تستجلب تعاطف المجتمعات العربية، أو الرأي العام العالمي، بعد ان بات الوضع يقتصر على مجرّد الضغط لتحسين الأوضاع الاجتماعية والمعيشية للفلسطينيين، وإسناد مواقفهم التفاوضية إزاء الإسرائيليين، كسلطة إزاء سلطة، أو ككيان إزاء كيان.
وللإنصاف فثمة عوامل موضوعية، خارجية، أسهمت وضغطت للدفع في هذا الاتجاه، ضمنها العجز إزاء اسرائيل، وإخفاق خيارات المقاومة والتسوية، والانتفاضة والمفاوضة، وثقل المعطيات الدولية والعربية غير المواتية لكفاح الفلسطينيين، وتشتّت الشعب الفلسطيني، والاعتمادية في موارد الحركة الوطنية على الخارج، بمعنى أنه لم يكن في هذا الأمر لا تقصّد، ولا تخطيط. هذا أولاً. ثانياً، فإن هذا التحوّل لم يحصل دفعة واحدة، وإنما تولّد من مسارات طويلة، ومتعرّجة، لم تخلُ من مقاومة، عبر عقود.
ويأتي ضمن هذه المسارات النفخ المبكّر في بنى الحركة الوطنية الفلسطينية، السياسية والعسكرية والإدارية والخدمية، وإغواؤها بالتوسّع والتضخّم، مع تدفق الموارد المالية عليها، في المرحلتين الأردنية واللبنانية. والمشكلة أن هذا التوسّع أغرى هذه الحركة بالتحوّل إلى سلطة (في لبنان)، والتورّط في الحرب الأهلية اللبنانية، وفي التجاذبات العربية، ما بدّد طاقتها الكفاحية في مواجهة إسرائيل، وأثار الشبهات حول صدقيتها، وأدى إلى انشقاق الاجماع على قضيتها، وتراجع مكانتها في العالم العربي.
بعدها، وخلال ثلاثة عقود (1982-2013)، اي العقد الخاص بالمرحلة التونسية (1982-1993)، وعقدي مرحلة السلطة (1993-2013)، جرت عمليات اهتلاك للطبقة السياسية السائدة، في المنظمة والسلطة والفصائل، نتيجة استنقاعها، وسلبها مبرّرات وجودها، بعدما لم يعد لديها ما تضيفه، وبعد أن فقدت حيويتها، وبعدما لم تعد تنتج أي جديد على صعيد البنى والمفاهيم وأشكال العمل. وهكذا وصلنا إلى هنا، أي الى فقدان الأهلية النضالية، والجمود السياسي، والانقسام، والارتهان إلى خيار واحد، وممانعة حتى المقاومة الشعبية (في الضفة وغزة)، واستمراء واقع السلطة على حساب التحرر الوطني. أما محاولة الزعيم الراحل ياسر عرفات تدارك هذا الوضع، وتغيير هذه المعادلة، بالمزاوجة بين الانتفاضة والمفاوضة، أو بين المقاومة والتسوية، في الانتفاضة الثانية (2000-2004)، فقد جاءت جدّ متأخّرة، لذلك فهي لم تنجح، إذ بات في واد ومعظم الطبقة السياسية في واد آخر، لا سيما أن هذا الأمر لم يكن مدروساً ولا منظماً.
هكذا، ثمة تفاعلات وصراعات وحوادث عربية وإقليمية ودولية أدّت إلى انحسار قضية فلسطين، وهذا صحيح، مع ذلك فثمة حيّز مهم من المسؤولية عن ذلك تتحمّله الطبقة السياسية المهيمنة، منذ عقود، على المجال العام الفلسطيني، فهذه هي التي تغيّرت، وغيّرت معها مفاهيم القضية الفلسطينية، وطابع حركتها الوطنية، نتيجة عجزها وتقادمها. والواقع فإن هذه الطبقة هي التي باتت تعتبر قضية القبول الدولي باستمرار كيان السلطة، مع ضمان تدفّق الموارد التي تضمن استمرارها، هي القضية بدلاً من القضية ذاتها، مع كل ما يحمله ذلك من تداعيات خطيرة على قضية فلسطين وشعبها.
ولعله يجدر التذكير هنا بفرضية مؤسّسة مفادها بأن الكيانات السياسية (المنظمة والسلطة والفصائل) قامت من أجل خدمة قضية فلسطين، لا لكي تكون عبئاً عليها، وأنها قامت من أجل إدارة كفاح شعب فلسطين، لا كي تشكل حاجزاً أمامه أو عائقاً أمام تطوّره.
* كاتب فلسطيني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.