خادم الحرمين وولي العهد يعزيان ملك إسبانيا إثر الفيضانات التي اجتاحت جنوب شرق بلاده    موعد مباراة الأهلي القادمة بعد الخسارة أمام الاتحاد    إسعاف القصيم يرفع جاهزيته تزامنا مع الحالة المطرية    ريال مدريد يتبرع بمليون يورو لمساعدة ضحايا الفيضانات    النويصر: «طيران الرياض» يُوقِّع طلبية لشراء 60 طائرة.. والتشغيل منتصف 2025    60 مشروعًا علميًا بمعرض إبداع جازان 2025 تتنوع بين المجالات العلمية    تعليم الطائف ينهي الاختبارات العملية .. و1400مدرسة تستعد لاستقبال 200 ألف طالب وطالبة    علامة HONOR تفتح باب الحجز المسبق للحاسوب المحمول الرائع HONOR MagicBook Art 14    الجامعة العربية: دور الأونروا لا يمكن الاستغناء عنه أو استبداله إلى حين حل قضية اللاجئين وإقامة الدولة الفلسطينية    صندوق الاستثمارات العامة يوقّع مذكرات تفاهم مع خمس مؤسسات مالية يابانية رائدة    وزير الإعلام يعلن إقامة ملتقى صناع التأثير «ImpaQ» ديسمبر القادم    جمعية اتزان بجازان تختتم برنامجها التوعوي في روضة العبادلة بييش    السعودية تدين الهجوم الإرهابي الذي استهدف قاعدة عسكرية في إقليم بحيرة تشاد    البنك السعودي الأول يحقق صافي دخل 5.9 مليار ريال سعودي بعد الزكاة وضريبة الدخل للربع الثالث بنسبة زيادة قدرها 16%    فيصل بن فرحان: نسعى لتنويع الشراكات الدولية.. ومستعدون للتعامل مع أي رئيس أمريكي    وزير الداخلية السعودي ونظيره البحريني يقومان بزيارة تفقدية لجسر الملك فهد    وزير الدولة للشؤون الخارجية يلتقي رئيس وزراء كندا السابق    إطلاق حملة ( تأمينك أمانك ) للتعريف بأهمية التأمين ونشر ثقافته    أمير حائل يستقبل وزير البلديات والإسكان ويطلع على تصاميم المنطقة المركزية    أمانة القصيم تنظم حملة التبرع بالدم بالتعاون مع جمعية دمي    أمانة القصيم تكثف جهودها الميدانية في إطار استعداداتها لموسم الأمطار    شارك في الصراع 50 دولة .. منتخب التايكوندو يخطف الذهب العالمي المدرسي بالبحريني    المرشدي يقوم بزيارات تفقدية لعدد من المراكز بالسليل    أمير منطقة تبوك ونائبه يزوران الشيخ أحمد الخريصي    مدير هيئة الأمر بالمعروف في منطقة نجران يزور مدير الشرطة    رئيس الإتحاد: مباراة الأهلي مهمة في الصراع على لقب الدوري    بنزيما يُهدد بالغياب عن مواجهة الأهلي    الدكتور عبدالله الربيعة يلتقي نائب المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين    أمير المدينة يكرم الفائزين بجوائز التميز السنوية بجامعة الأمير مقرن    وزير العدل يقر اللائحة التنفيذية الجديدة لنظام المحاماة    أدبي تبوك ينظم أمسية حوارية حول روًي الاختلاف مابين العقل والإبداع    رئيس وزراء باكستان يلتقى وزير الاستثمار    "سعود الطبية" تنفذ 134 ألف زيارة رعاية منزلية عبر فرق متخصصة لخدمة المرضى    وزير الاقتصاد: السعودية تقود المستقبل باستثمارات قياسية في الطاقة المتجددة والتكامل الاقتصادي    الأنمي السعودي 'أساطير في قادم الزمان 2' يُحلق في سماء طوكيو وسط احتفاء من الإعلام الياباني    رئيس جمهورية السنغال يغادر المدينة المنورة    نمو الاقتصاد السعودي بنسبة 2.8٪ خلال الربع الثالث من 2024    الأرصاد: استمرار الحالة المطرية على مناطق المملكة    هاريس تخفف آثار زلة بايدن بالدعوة لوحدة الصف    خدمات صحية وثقافية ومساعدون شخصيون للمسنين    الحركات الدقيقة للعين مفتاح تحسين الرؤية    كيف تفرّق بين الصداع النصفي والسكتة الدماغية ؟    جوّي وجوّك!    السلطة الرابعة.. كفى عبثاً    الجبلين يقصي الاتفاق من كأس الملك بثلاثية    لا تكذب ولا تتجمّل!    «الاحتراق الوظيفي».. تحديات جديدة وحلول متخصصة..!    برعاية الملك.. تكريم الفائزين بجائزة سلطان بن عبدالعزيز العالمية للمياه    برازيلي يعض ثعبان أناكوندا لإنقاذ نفسه    جددت دعمها وتضامنها مع الوكالة.. المملكة تدين بشدة حظر الكنيست الإسرائيلي لأنشطة (الأونروا)    الأمير سلمان بن سلطان يطلع على جهود وبرامج مرور منطقة المدينة المنورة    لا إزالة لأحياء الفيصلية والربوة والرويس.. أمانة جدة تكشف ل«عكاظ» حقيقة إزالة العقارات    إعلاميون يطمئنون على كلكتاوي    آل باعبدالله وآل باجعفر يحتفلون بعقد قران أنس    أحمد الغامدي يشكر محمد جلال    مهرجان البحر الأحمر يكشف عن قائمة أفلام الدورة الرابعة    عندما تبتسم الجروح    السفير حفظي: المملكة تعزز التسامح والاعتدال عالميًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شيعة وسنّة... أم فرسٌ وعرب؟!
نشر في الحياة يوم 02 - 07 - 2013

عندما كنت سفيراً لبلادي في العاصمة النمسوية فيينا، كان السفير العراقي هناك هو السيد فارس نعمة الذي كان يحدثني عن الحرب العراقية - الإيرانية وسنواتها الدامية، وكنت أشعر من حديثه بالحس القومي العالي والفخر بعروبته والاعتزاز بعراقيته. ولقد كان معاوناً لرئيس أركان حرب القوات المسلحة العراقية قبل تعيينه سفيراً في فيينا ثم اكتشفت بعد عامٍ أو أكثر أن الرجل من الشيعة العرب، ومنذ ذلك الحين وأنا أدرك أن الذين يزايدون على الشيعة العرب إنما يغتالون ركناً مكيناً في قوميتنا ويخلطون عن عمد بين الانتماء العربي والتوصيف المذهبي، أخذاً في الاعتبار أن الفوارق بين السنّة والشيعة تاريخية وليست دينية. فالإله واحد ونبينا الكريم واحد وأركان ديننا مشتركة وقبلتنا واحدة، على حد تعبير السيد محمد خاتمي، الرئيس الأسبق للجمهورية الإيرانية الإسلامية عندما التقيته منذ سنوات عدة حين كان في زيارة إلى القاهرة يحضر مؤتمراً في الأزهر الشريف، وهو الذي قال من فوق منبره وفي حضور الإمام الأكبر الراحل: «إننا نتطلع إلى الأزهر الشريف لكي يقود المسيرة الإسلامية للسنّة والشيعة معاً»، خصوصاً أن الأزهر الشريف هو المركز السنّي الضخم الذي أباح التعبد بالمذهب الشيعي الجعفري والزيدي وغيرهما من المذاهب المتفق عليها جنباً إلى جنب مع المذاهب الأربعة لأهل السنة، ولعلنا نتذكر في هذه المناسبة الإمام الراحل محمود شلتوت صاحب الفتوى الشهيرة في هذا الشأن مع مطلع ستينات القرن الماضي.
أقول ذلك وأنا أنتمي إلى مصر التي قلنا عنها من قبل إنها «سنّية المذهب شيعية الهوى» فقد استقبلت أرضها الطيبة «أهل البيت» في القرن الأول الهجري، كما أن «الطقوس الفاطمية» ما زالت جزءاً لا يتجزأ من الحياة الاجتماعية المصرية وأحداثها المتتالية. فلقد ترك الفاطميون تراثاً شيعياً اجتماعياً لدى الشعب المصري الذي يحتفل بعاشوراء ويحيي ليالي رمضان في بهرجةٍ وإسراف ويغشى الموالد ويهوى الاحتفالات الدينية، لذلك فإن الشعب المصري يبدو بعيداً تماماً عن التفرقة بين شيعي وسنّي، ولكنه يدرك الفارق بوضوح بين العربي والفارسي، وما زلت أتذكر من سنوات دراستي الجامعية أن أقرب أصدقائي قد جاءني ذات يوم قائلاً إن شاباً عراقياً قد تقدم للزواج من شقيقته فقلت له: هذا رائع فنحن أمة عربية واحدة، ولكنه أردف قائلاً: يقال عنه إنه شيوعي أيضاً، فقلت له: لا بأس فعبدالناصر يتحدث صباح مساء عن الاشتراكية والفارق ليس واضحاً بينها وبين الشيوعية على أي حال، وغاب صديقي وجاءني بعدها بيومين ليقول إن الذي تقدم لشقيقتي هو شاب عراقي شيعي، ولم يكن صديقي مدركاً لا هو ولا أنا في ذلك الوقت طبيعة الخلاف الكامن تحت الرماد بين السنّة والشيعة وهي فوارق اختلطت علينا ولم نتنبه إليها إلا بعد مواجهة بين صدام حسين والشيعة العرب رغم وجود شخصيات عربية مرموقة تفرق بين الارتباط المذهبي والانتماء القومي. ولنا في هذا السياق الملاحظات الآتية:
أولاً: إن القول بوجود تقسيم تحكمي للأمة الإسلامية بين سنّة وشيعة هو أمر فيه الكثير من التجاوز واصطناع أسباب للخلاف، فكما أن المملكة المتحدة تدعي أنها جاملت السنّة العراقيين عام 1920 فقد قام الأميركيون برد فعل مضاد عند دخولهم العراق عام 2003 فقاموا بعملية عكسية بمجاملة الشيعة العراقيين، ولا شك أن كل ذلك يعبّر عن محاولات لتقسيم الشارع الإسلامي وإلهائه وإنهاء دوره عن طريق شغله بهذه الخلافات المذهبية وصرف نظره عن الواقع المتردي الذي يسود المنطقة كلها وأزمة الثقة التي جثمت على العالم الإسلامي في ظل دعاوى طائفية ضيقة لا تعكس اختلافاً حاداً في جوهر الدين.
ثانياً: إن التفرقة بين «فرس» و»عرب» هي الأدق علمياً وتاريخياً واضعين في الاعتبار أن «الشيعة العرب» يسبقون «الشيعة الفرس» بمئات السنين، فقد بدأ التشيع بعد سنوات «الفتنة الكبرى» وواقعة التحكيم وتشيع أنصار الإمام علي، كرم الله وجهه، له ولذريته، بينما دخل المذهب الشيعي إلى إيران في عهد الدولة الصفوية في مواجهة الدولة العثمانية السنّية، كما أنه يتعين علينا أن ندرك أهمية العامل القومي الذي يسبق في نظرنا العوامل الأخرى، إذ إننا نعرف قيادات عروبية في مختلف الأقطار العربية جاءت من أقلياتٍ مذهبية وقدموا لأمتهم العربية ما يصعب إنكاره.
ثالثاً: إن موجات التشدد الإيراني هي إنتاج فارسي وليست إنتاجاً شيعياً، لذلك فهم يرفضون تسمية الخليج العربي إلا بعبارة «خليج فارسي» وليس «خليج إسلامي» مثلاً على نحو يرضي الطرفين، فالفارسية قومية عميقة وعريقة ولا تتعامل مع العرب بمنطق أنها دولة ذات غالبية شيعية وأن العرب أمة من غالبية سنّية، ولكن الأمر الذي يدفع إيران هو الخلفية الفارسية، بدليل أنهم اعتبروا ثورتهم «ثورة إسلامية» ولم يقولوا ثورة «شيعية» لأن مضمونها «فارسي» بالدرجة الأولى، ولو تأملنا تطلعات إيران المرتبطة بالهيمنة في منطقة الخليج والمشرق العربي فسنجد أنها انطلقت من دوافع قومية كامنة وليست دينية. فاحتلال الجزر الثلاث لدولة الإمارات العربية المتحدة والأصابع الإيرانية في البحرين، إضافة إلى دور «حزب الله» في لبنان، هذه دوافع قومية فارسية وليست دوافع إسلامية شيعية!
رابعاً: إن «الشيعة العرب» جزء لا يتجزأ من نسيج العروبة، ومن يتصور غير ذلك واهم، حتى إذا حدث تعاطف، على سبيل المثال، بين شيعة العراق وايران فربما يكون السبب في ذلك هو الجوار الجغرافي والعلاقة التاريخية بين حوزة النجف وحوزة قم وليست بالضرورة مشاعر دينية. إننا لا نقلل من تأثير المذهب الشيعي في أتباعه ولكننا نعظم من قدر القومية الفارسية على أبنائها ونختلف مع الذين يأخذون من الاختلاف الديني منهجاً لتفسير طبيعة العلاقة بين الدول العربية وإيران.
خامساً: إننا عندما نقول «عرب» و»فرس» فإننا نمضي وفقاً للتقسيم المعمول به بين الدول، خصوصاً أن الكثيرين من العرب يدعمون إيران في عدد لا بأس به من القضايا الدولية ويقفون على خلاف معها في البعض الآخر، وهل منع الخلاف المذهبي زواج الأميرة فوزية ابنة الملك فؤاد حفيد محمد علي مؤسس مصر الحديثة كأكبر دولة سنّية في المنطقة؟ هل منع الخلاف المذهبي زواجها من محمد رضا بهلوي شاه إيران السابق في أربعينات القرن العشرين؟ ألا يصلي في الحسينيات كثير من أهل السنّة ويغشى المساجد السنّية الكثيرون من الشيعة عند اللزوم.
إننا نهدف من هذه السطور إلى نزع فتيل التعويل على الخلاف المذهبي بين العرب وإيران لكي نقرر أنه خلاف سياسات بالدرجة الأولى أو هو صراع قوميات.
إنني من الذين يطالبون بأن تكون إيران إضافة إيجابية إلى الأمة العربية والعالم الإسلامي فلا أرى مبرراً على الإطلاق للشطط في العداء وتصوير العلاقة بين «الفرس» و»العرب» من منطق صدام حسين، ولكنني أراها من منطق آخر لا يريدها علاقة تنافسية ولكن أن تكون تكاملية خصوصاً أن الشعب الإيراني قد اختار بإرادته وفي انتخابات حرة رئيساً يمثل الجانب المعتدل هو الرئيس حسن روحاني، وحين أنظر حولي في بلدي مصر وأرى الصيحات السلفية العالية تعادي بشدة الإيرانيين لأنهم «شيعة» فإنني لا أرى ذلك تعبيراً صحيحاً عن الشخصية المصرية ولا توصيفاً دقيقاً لما يؤمن به المصريون.
دعونا نخرج الخلاف العربي - الإيراني من إطاره المذهبي لكي نضعه في مكانه الطبيعي خلافاً بين أمتين من منطلق قومي وليس دينياً، لذلك فإننا نقول «عربٌ» و»فرس» ولا نفضل أبداً القول سنّة وشيعة.
* كاتب مصري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.